لا يغيب عن ناظرَيْ حصيف تلك المذكرات الصادرة عن وزارة التربية الوطنية منذ أمد، في مسألة حراسة الامتحانات فأجبرت الأستاذ على ذلك في كثير من المحطات، فأصبح الأستاذ حارسا مدربا على حراسة امتحانات المستويات كلها أو أغلبها، فأساتذة الابتدائي والاعدادي والثانوي تتخطفهم طيور الاستدعاءات للقيام بهذه المهمة، فيجد الأستاذ نفسه مرغما بمراقبة جيل من اليافعين ليس في قاموسه إلا النجاح ولا شيء غيره، مهما كانت الوسيلة، ففضيلة النجاح عندهم تغني عن كل عيب في الوسيلة_ إلا من رحم ربك_ ، وشعارهم أصولي بامتياز" الغاية تبرر الوسيلة" في معنى من معانيها. ومن ثمة، فإن المتتبع للشأن المدرسي مهما كانت صفته ومهما كان دوره، يستغرب كيف تم وسيتم تضييع الزمن المدرسي لتلاميذ أبرياء، كفل دستور المملكة حقهم في التعليم وسيَّجتْه النصوص المنزلة له بعد ذلك. لكن السؤال المطروح ما مصير تلاميذ الابتدائي والإعدادي والثانوي التأهيلي في ظل تكليف كثير من أساتذتهم بحراسة تلاميذ الأولى بكالوريا.؟ ألم يكن حريا بالمسؤولين أن يضعوا سياسة أخرى أقل ضررا، فتلاميذ أولئك الأساتذة أيام الحراسة سيخرجون إلى الفضاءات العامة نظرا لانشغال أساتذتهم بتلك المهمة، ولعل ذلك أدعى للاختلاط بالمصابين، ونقل الداء وتناقله، ثم ما ذنب آلاف التلاميذ يحرمون من حصصهم الدراسية؟ إنه شيء من سوء التدبير. ألم يكن من الأليق إجراء هذه الامتحانات بعد إعلان نتائج البكالوريا؟ ألم يعلم المسؤولون ما خلفه تأجيل الامتحان من تاريخ إلى تاريخ آخر من ارتباك وخيبات امل عند الأسر والتلاميذ المعنيين بذلكم الامتحان الذي طال انتظاره فأصبح "غولا" يقض مضجع هؤلاء التلاميذ، فلم يدع طمأنينة ولا راحة نفسية ولا ثقة إلا ألبسَها لَبوسا آخر استحالت فيها إلى ضد تلكم الصفات. إن الزمن المدرسي زمن مقدس قانونا وعرفا،_ وهو الشعار المرفوع في وجه الأساتذة_ فالمذكرات تتوالى في تضييق الخناق على الأستاذ بدعوى احترام الزمن المدرسي، ثم تأتيك استداعاءات الحراسة من كل حدب وصوب لا تلوي على شيء ولا تلقي بالا للضرر الحاصل. نعم، الكل يعلم أن الظرفية استثنائية وأن امتحان الأولى بكالوريا ضروري، لكن لماذا لم ترقَالتشريعات إلى احترام التشريعات؟، أم أن الحرجمرفوع في حالة اللا سواء، فلا قانونا يُحترم ولا معهودا يُعتمد. إنها مطرقة حراسة الأساتذة لتلاميذ البكالوريا التي تهشم رؤوس تلاميذ المستويات الأخرى، وتتركهم خارج حجرات الدرس التي من المفروض أن تستقطبهم وتمكنهم من حقهم في التعلم. أما سندان المحافظة على الزمن المدرسي فليس له ذكر في ظل استدعاءات الأساتذة المنتشرة هنا وهناك . أضف إلى ذلك، سؤالا جوهريا، هل يتدخل الفاعلون في الحقل التربوي في منظومتنا لأجل إيجاد صيغ تحترم الزمن الوظيفي للأستاذ وتحترم الحق المعرفي للتلميذ، وتحقق امتحانا اعتياديا بالنسبة لتلاميذ الأولى البكالوريا؟ في إطار الجواب الطنجري _على حد تعبير المغاربة_ أقول ألم يكن الامتحان الإلكتروني بديلا محتملا، يكون ضربة لازب في حقل التقويم في منطومتنا التربوية المغربية ؟ إلى متى نضحي بالأستاذ والتلميذ في زمن الوباء وخارجه ودول أخرى تقطع الأشواط في رقمنةالتقويمات؟ أليس فينا كفاءات تعد امتحانات الكترونية؟ بلى إن كفاءاتنا في هذا المجال لا تخفى على ذي لب حصيف. وفي الختام، لا يسعني إلا تكرار التماس رقمنةالامتحانات بعد توفير العدة الرقمية للأستاذ والمتعلم على حد سواء. فلا يستقيم أن يدفع الأستاذ او التلميذ من جيبه ولو فلسا وحدا وأموال أخرى تذروها الرياح. دون أن أنسى ضرورة احترام الزمن المدرسي من طرف الفاعلين التربويين مُشرعين ومنفذين وساهرين على العملية التعليمية، فالبحث عن الوسائل البديلة مطلب لا محيد عنه، كي ترقى مدارك التلاميذ ويحافظ على صحتهم التي هي أولى من أي اعتبار في هذه الظرفية الحرجة.