راهنت الإمارات و مصر و فرنسا بدعم من روسيا على إسقاط حكومة الوفاق وإقامة دولة سيسية جديدة تكون منطلقا للتحكم في الشمال الإفريقي، فكان الدعم اللامحدود بالسلاح و الخبراء العسكريين و الميليشيات بل و الطائرات التي كانت تقصف أحياء طرابلسو مع دخول تركيا في معادلة الصراع تغيرت التوازنات و انهار الحلم الإماراتي في إسقاط حكومة الوفاق. معادلة الصراع في المنطقة: سيطروهم الخوف على دول الخليج منذ الاجتياح العراقي للكويت فلجأت إلى الحماية الأمريكية المباشرة تخوفا من إيران، فتوسعت القواعد الأمريكية و قواعد القوات المشتركة. و بدأت قوة جديدة تظهر في المنطقة دون إثارة أي ضجيج لأنها انكبت على بناء الداخل و تمتين العلاقة مع الخصوم السياسيين فتشكلت تركياالجديدة التي خلطت أوراق المنطقة و قلبت كل الحسابات و أصبحت فاعلا يصعب تجاوزه مذهبيا كما كانت الدعاية تروج له بخصوص إيران و حزب الله، و يصعب تجاوزه سياسيا لأنه محصن داخليا بقوة الديموقراطية التي تفتقدها الكثير من الدول العربية عموما و الخليجية خصوصا. هذا النموذج أصبح يهدد استقرار أنظمة الآل فلم تعد لهم وصاية على الدين و لا على الجماعات الدينية التي كان يوحدها المال الخليجي و العدو الشيعي. لا بد إذن من وقف الامتداد التركي (الإخواني) بعد أن تم تدمير النموذج القومي العراقي بإسقاط صدام حسين و إعدامه، و لابد من شغل إيران و عزلها ثم محاصرة تركيا و إسقاطها.. تسارعت الأحداث بقوة مع موجة الربيع العربي و بدت الشعوب العربية أكثر تعطشا للحرية و إسقاط الأنظمة المدعومة خارجيا فظهر النموذج التونسي قويا و ملهما ثم النموذج المصري و اليمني و تسارعت الأحداث التي جاءت بالإسلاميين إلى السلطة .. فوجدت دول الخليج نفسها أمام حيص بيص و لم يكن بد مما ليس منه بد فلجأت السعودية و الإمارات إلى تشجيع القوى المعادية للتيارات الإسلامية فتم تشجيع علي عبدالله صالح على خذلان حركة الإصلاح و تم السكوت عن (انصار الله) الحوتيين الشيعية و تسليحها أحيانا لإرباك حركة الإصلاح و كانت فرصة ذهبية للحوتيين الذين أصبحوا شوكة في الخاصرة .. في هذه المرحلة تم خلق داعش و إسقاط الديموقراطية الوليدة في مصر، و اتجهت الجهود لإسقاط النظام السوري الداعم لحزب الله في لبنان و محاصرة الميليشيات الشعية في العراق و الديموقراطية التركية التي جاءت بالإسلاميين. و الغريب في هذه المرحلة ان إسرائيل -الفاعل و المحرك الخفي للأحداث- ظلت هادئة فرحة بحالة الفوضى و الإرباك، ترقب و توجه و تؤسس لمرحلة التطبيع القادمة. و باتجاهنا نحو الشمال الإفريقي نجد الحذر و الترقب يسيطر على البلدان المغاربية و سط فوضى في ليبيا و اغتيالات في تونس و نظام عسكري قوي في الجزائر و دول متجذرة في المغرب. فتونساستطاعت أن تنفلت من التدمير المدعوم إماراتيا و توحدت حول الخيار الانتخابي الذي أوصل العدالة و التنمية إلى الحكم في المغرب فحصل نوع من التوافق و الاستقرار. هذا التوافق ظلت السعودية و الإمارات و مصر تحاول كسره و جر المغرب إلى الصف الخليجي دون جدوى لأن مصالحه الاستراتيجية تفرض عليه عدم الانجرار وراء وهم الجيش العربي و المخططات الخليجية الفاشلة. المصالح الاستراتيجية للمغرب: ظل المغرب مرتهنا لسياسات العداء التي مارسها النظام السوري و الليبي و الجزائري اتجاه قضيته الوطنية فالجزائر تدعم البوليساريو استضافة و تمويلا و النظام الليبي يدعم بالسلاح و التدريب و الأموال و لم يبخل النظام السوري بالدعم السياسي و الثقافي للجبهة التي عاشت في أوج قوتها السياسية و العسكرية وحتى التنظيمية في مرحلة ما قبل الربيع العربي.. و بسقوط العقيد و انشغال الأسد و تخوف النظام العسكري في الجزائر من موجة الانفلات و الثورة الشعبية، سقط الدعم السياسي و العسكري للجبهة و تنفست الدولة المغربية الصعداء فعملت على استيعاب المجال الإفريقي بالتواصل معه سياسيا و اقتصاديا. أمام هذا الوضع المريح نسبيا للمغرب حاولت الإمارات استقطابه للحرب ضد الديموقراطيات الناشئة و محاصرة تركيا و إيران لكن المغرب تعامل مع الوضع بما تقتضيه مصالحه و نهج سياسة التقارب مع الجميع .. مع السعودية و الإمارات مع قطر و تركيا مع إيران و روسيا.. هذه السياسة المحايدة أغضبت الإمارات و السعودية فحدث ما يشبه القطيعة، وبدأت الصراعات السياسية تطفح على السطح فدول الخليج تدعم حفتر لإسقاط ليبيا و جعلها تحت حكم العسكر لتكون منطلقا لكل عملياتها لمحاصرة التمدد التركيو السيطرة على سياسة الدول الأخرى. وهذا ما تخوف منه المغرب فظل مساندا رسميا لحكومة الوفاق عبر اتفاق الصخيرات الضامن لديموقراطية ناشئة تلغي حكم العسكر. و أخيرا ماذا لو انتصر حفتر؟ بالتأكيد سيكون انتصار حفتر خلطا لجميع الأوراق في المنطقة و ستصبح ليبيا تحت حكم الديكتاتورية العسكرية كما هو الشأن في مصر و السودان و الجزائر وتكون ليبيا تحت حكم عقيد جديد (دائما ينطلق من الصفر) لتحقيق طموحاته التي بدأها بدعم و مساندة البوليساريو دون أن تكتمل لحظة انطلاقته. و أمام هذا الوضع المحتمل ستكون تونس المستهدف الأول ليكتمل المشهد العسكري في أغلب الشمال الإفريقي و عندها لن يصمد المغرب كثيرا أمام المال الخليجي و الحقد العسكري لحفتر و الحسابات التاريخية للنظام الجزائري وعسكره. إن عسكرة المنطقة هي الخطر الأكبر على الوجود السياسي و الاستقرار الاجتماعي الذي تراهن عليه كل القوى الوطنية الصادقة بعيدا عن الحسابات الأيديولوجية الضيقة، فالمسألة تتعلق برهان وجودي و ليس لعبة انتخابية أو تصفية حسابات حزبية على الطريقة التي سارت عليها بض الأحزاب اليسارية و التيارات العلمانية لتصفية الوجود السياسي الإسلامي من الساحة. نحن الآن امام خيار مفصلي لا يسمح فيه بالخطأ للأن الخطأ في هذه المرحلة خيانة و عمالة و إسقاط وطن و جناية تجر الجميع نحو الخراب و الدمار إنها معركة وجود، إما أن نكون جميعا في وطن للجميع و إما الانفلات و الخراب و أحب أن أذكر بما قلته في مقال سابق عن كل حساب خاطئ لدعم عسكرة المنطقة أنه قهر للشعوب و دخول في الفوضىو لن يذهب أصحابه بعيدا (لان إرادة الأمة أقوى من العقائد الرجعية و أقوى من المصالح الظرفية البعيدة عن الاختيارات الشعبية و الوطنية. إنها مرحلة التصفية و التصنيف.. و لا شيء يبقى – بعد هذه التحالفات المشبوهة – إلا خيارا أساسيا واحدا و وحيدا هو تجمع القوى الوطنية المخلصة بجميع تياراتها و تنوعاتها لمواجهة التدمير و التشويه و بناء الدولة و المجتمع، و ان يكون المقياس هو المصلحة الوطنية العليا و معاداة كل شكل من أشكال التجزئة و كل أشكال العمالة لعناصر الفوضى و التخريب.)