تعتبر الأسرة النواة الأساسية للمجتمع، فهي المصنع الذي يتخرج منه الرجال وفيه تتم تربيتهم وتنشئتهم على المبادئ والأخلاق الحميدة، وعندما نتحدث عن التربية فإننا نقصد بشكل مباشر الأم كيف لا وهي التي كانت أحق الناس بصحبتي كما جاء في الحديث جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ -يعني: صحبتي، قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك. فالأم لها مكانة لم تعطها امرأة قبلها ولا بعدها في ديننا الحنيف، فهي مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق، هكذا كنا الى عهد قريب نهتم ونعتني بها، ونجلها ونقدسها نعم نقدسها لأن الجنة تحت أقدامها ولأن ربنا أوصانا بها، إنها الضامن لبقاء الأسرة مجتمعة، فبمجرد موتها تندثر الأسرة ولا يبقى منها إلا إسمها، تحملت المرأة مسؤولية تربية أبنائها على عاتقها، عندما كان الأب مغامرا، مجاهدا، يشقى في سبيل تحقيق لقمة العيش لأبنائه وأسرته الصغيرة والكبيرة على حد سواء، وفي خضم ذلك كله كانت الأم تخوض معارك يومية مع أخوات وباقي نساء الأسرة التي يصل عددها في بعض الأحيان الى نحو الثلاثين فردا، لقد كان الواحد منا يتخرج من تلك المدرسة متشبعا بقيم وأخلاق عز نظيرها في أي مجتمعات الدنيا، الجدة تربي بحالها وحكاياتها، والجد يربي بهيبته وهيئته، العمة، الخالة، الأخ، الأخت، الجار، الكل يساهم في التربية، رغم بساطة العيش وقلة ذات اليد لكن الجميع يحن الى ذلك الزمن الجميل، لماذا نحنُّ؟ سؤال يجد جوابه في أسرنا التي نعيشها اليوم لقد تخلى الجميع عن دوره في تربيتنا، حتى الأم لم تعد ترغب في ذلك، لقد أصبحنا لقمة سائغة للأسود والضباع وربما حتى للحمير، ألا ترى كيف أصبحت أخلاقنا؟ وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ *** فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا ماذا نلبس؟ وَإِنَّمَا السراويل ما طلعتْ *** فَإِنْ هُمُ هبطت سراويلهم هبطوا كيف نأكل؟ ما تقصدون بالأسرة؟ لقد نسينا كثيرا من آدميتنا، لقد أصبحت تربية هذا الجيل صعبة على من ولدونا لقد تبرأوا منا، ما الذي تغير ألم يكونوا قد تخرجوا من مدارس الأخلاق والأدب التي ذكرنا؟ أه إنها الدنيا التي تنافسوها فأهلكتهم كما قال من لا ينطق عن الهوى فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم لقد أهلكتنا لأنها دمرت أسرنا. لكن لماذا ننسى الحديث الشريف كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيّته.