ساء كل مسلم غيور على دينه ما قامت به تلك السيدة من الاستهزاء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل من وطئت قدماه الثرى، وهو سيد الأولين والآخرين صلوات ربي وسلامه عليه. وقد أمر الشارع بإنكار المنكر، والغضب على انتهاك حرمات الله، ولذلك فإن رد الفعل تجاه هذه الإساءة لخير البشرية مهم جدا، لأنه أمر واجب، بل هذه الإساءة من أعظم المنكرات التي يجب إنكارها، من أجل تقزيم هؤلاء المعتدين والمفترين، كي لا يستمرئوا هذا السب والاعتداء. أما أَلَّا تكون هناك غيرة على حرمات الله، ولا يتمعر وجهنا غيرة وغضبا؛ فيسب دين الله، ويسب نبينا، دون أن يحرك ذلك فينا ساكنا، فهذه والله هي الكارثة. ولقد أحسن الإمام الشافعي رحمه الله حين قال: «من استُغضب ولم يغضب فهو حمار». فالإنسان مجموعة من الأحاسيس والمشاعر، فلابد أن يتأثر بما يدور حوله ويكون له رد فعل عليه. والميت هو الذي لا يوجد لديه ردود أفعال، كما قال الشاعر: جرحوه فما تألم جُرحًا ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ وقد أظهر أهل الإسلام احتسابا ونصرة لمقام سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم على مر العصور، فهذا ابن تيمية احتسب على نصراني شتم نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم سنة 693ه، وألف كتابه النفيس «الصارم المسلول في الرد على شاتم الرسول»، ولما تحدث عن أنواع السب في هذا الشأن، قال رحمه الله:«التكلم في تمثيل سب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر صفته، ذلك مما يثقل على القلب واللسان، ونحن نتعاظم أن نتفوه بذلك ذاكرين أو آثرين…». فغيرة ابن تيمية تجعله يتعاظم مجرد تصوير مسألة السب وحكايتها، لولا أن الحكم الشرعي يقتضي ذلك، وهذه الغيرة الصادقة اقترن بها المسلك الشرعي الملائم، فقد كلّم شيخ الإسلام الأميرَ آنذاك، وسعى في الاحتساب على ذلك النصراني المخذول، وألف كتابه: «الصارم المسلول»، بعد هذه الواقعة. ونصرة الرسول صلى الله عليه وسلم م نلوازم الإيمان، وقد ضمن الله الفلاح لمن آمن برسوله ونصره، فقال تعالى: ﴿فَ0لَّذِينَ ءَامَنُوا۟ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَ0تَّبَعُوا۟ 0لنُّورَ 0لَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُۥۤ أُو۟لَٰۤىِٕكَ هُمُ 0لۡمُفۡلِحُونَ﴾[الأعراف: 157]،فالذين عزروه هم الذين وقروه، والذين نصروه هم الذين أعانوه على أعداء الله وأعدائه بجهادهم ونصب الحرب لهم، وقد مدح الله المهاجرين الذين نصروا رسوله وشهد لهم بالصدق في إيمانهم فقال: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحشر: 8]، كما شهد لمن آوى المهاجرين ونصر الرسول بأنهم هم المؤمنون حقا فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾[الأنفال: 74]، فكان البذل والعطاء في سبيل الله سواء بالهجرة أو بالنصرة دليل الإيمان الحق. وكان رسول الله وهو في مكة قبل الهجرة يطوف على الناس يطلب النصرة حتى يتمكن من إبلاغ رسالة الله للعالمين؛ فعن جابر رضي الله عنه قال: «مكث رسول الله بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة، وفي المواسم بمنى، يقول: من يؤويني؟ من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي، وله الجنة؟»، وعندما أراد الهجرة إليهم في المدينة أخذ البيعة عليهم أن ينصروه وأن يمنعوه مما يمنعون منه أهليهم. وقد أخذ الله الميثاق على من تقدمنا من الأمم بنصرة الرسول الكريم، فما أتعس قوما أخذ عليهم الميثاق بنصرته صلى الله عليه وسلم، فإذا هم يسخرون ويستهزئون، قال تعالى في أخذ الميثاق على من سبق من الأمم: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: 81]، فأخذ الميثاق على النبيين كلهم وأممهم تبع لهم فيه. والمسلم عندما ينصر الرسول صلى الله عليه وسلم فإنما يسعى لخير نفسه، وإذا تقاعس فلن يضر إلا نفسه، وقد نصر الله رسوله في أحلك الظروف وأصعب الأوقات… والواجب اليوم على كل مؤمن يحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويغار على دينه أن ينتصر لرسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يقدم كل ما في وسعه لرد هذه الهجمة الشرسة، ومهما بذلنا فهو قليل في حق النبي صلى الله عليه وسلم. ومن الخطوات العملية في هذا المجال: – إعلان النكير على هذه السيدة بكتابة مقالة أو رفع دعوى قضائية… – مطالبة تلك السيدة بالاعتذار الجاد الواضح، والإقرار بالخطأ… – ذكر فتاوى علماء الأمة التي تبين حكم من تعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء من الانتقاص ووجوب بغض من فعل ذلك والبراءة منه… ومن النصرة التي يقدر عليها كل مسلم، ولا يعذر في التخلف عنها: محبته عليه الصلاة والسلام وموالاته واتباع سنته، وترك الابتداع في دينه، إذ لا يستقيم أن يكون المسلم ناصرا حقا للرسول الكريم في الوقت الذي يعصيه فيه ويخالف سنته، ويوالي أعداءه، ويناصرهم ويقف معهم…