هوية بريس – الثلاثاء 30 يونيو 2015 بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه اجمعين، أحبابي الكرام: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس)، وذكر من السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، و(رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه).. أحباب قلبي: ليس هناك روضة أمتع للناظرين من ذوي الفهم والبصيرة، من روضة الإنفاق والعطاء والصدقة، هذه الخصال تيمت قلوب أهل الوجد، ونقشت في قلوبهم جداول من نور، ينفقون بيقين، لا يخافون الضلة، ويعطون بصدق، لا يخافون القلة، وكيف يخاف الضلة والقلة من يتعامل مع الله عز وجل.. أليس سبحانه هو القائل (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده وياخذ الصدقات) ما أجمل المنفق الكريم، تراه يحيي القلوب بالعطايا كما يحيى النبات بشؤبوب من الديم، الكريم نضرة منه تغني عن النسم، طوبى له ينفق هكذا وهكذا، ويهدي إلى النفوس ريا الآس والبرم، المتصدق إنسان وثق بالله، وسكن حبه في قلبه، ففاض بالعطاء، في كل أحواله وأحيانه، لا سراء تلهيه، ولا ضراء تثنيه، (الذين ينفقون في السراء والضراء). نظر في القرءان نظر المتدبر فوجد قوله تعالى (إن الله يجزي المتصدقين)، فتاقت نفسه إلى هذا الجزاء، وعلم أن الصفقة رابحة، فتاجر مع الله، فجاءه هاتف الروح.. ربح البيع، ثم نظر في القرءان ثانية، فوجد أن آخر أمنية للعبد وهو في سياق الموت، أن يرجع كي يتصدق (وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن ياتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين)، فناداه مناد الذكاء أن تصدق قبل أن ينزل بك الموت، فتتمنى الرجعة في وقت الاستحالة.. المتصدق عبد تفكر في يوم القيامة، فعلم أن الحر شديد، وأن الوقوف طويل، فاشتهى أن يكون له ظل يأوي إليه هناك.. فوجد أن الحبيب صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن المتصدق يكرم بالظل تحت عرش الرحمان، فاسترخص كل غالي.. وجاد بالمال على مر الأيام والليالي. المتصدق عبد متيقظ الضمير، مرهف الإحساس، سريع الدمعة، يتفاعل مع معاناة المسلمين، من منطلق الشفقة عليهم، ومن منطلق الإشفاق على نفسه من هول ذلك اليوم، الذي تتقى فيه النار بشق تمرة، المتصدق صاحب صلة وبر فهو يصل إخوانه المحاويج، وأحسن بها وصلة في الله قد طبعت على الدهر عقدا غير منفصم، المتصدق ناشر للحب، فصفاءه غير منقطع، ووده غير منصرم، المتصدق عبد نوراني يرتقي في مدارج الكمال، لأنه تغلب على نفسه في أعظم محبوب عندها وهو المال (وتحبون المال حبا جما)، فهو بذلك طوع نفسه وألجمها، وجعلها طوع يمينه، يحركها ولا تحركه، ويتحكم فيها ولا تتحكم فيه، فهو بذلك سائر على نهج الفلاح (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)، وما أشق إلجام النفس، ولكن المنفق قد شد أطنابها، فاستحكمت ورست، ثم بعد ذلك عرجت عروج النغم، مرقومة الجيد من مسك وغالية، مخضوبة الساق والكفين بالعنم.. فتصدق أخي، تصدقي أختي، فصدقة السر تطفئ غضب الرب، تصدقوا فالصدقة تقي مصارع السوء، تصدقوا فالصدقة برهان، وعلامة على الإيمان، تصدقوا فالصدقة أفضل الأعمال.. قال الفاروق الملهم سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه (تباهت الأعمال فقالت الصدقة أنا أفضلكم)، وقال عمير بن عبد العزيز: (الصلاة تبلغك نصف الطريق، والصوم يوصلك إلى باب الملك، والصدقة تدخلك على الملك)، تصدقوا فالصدقة ظل يوم القيامة.. وذلك ظل نرجوه.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين، محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.