الحمد لله وبعد: قبل أن أزبر ما يستفاد من جنازة شيخنا أود أن أقول؛ إن المصاب جلل، وإن المغرب فقد اليوم نجما من نجومه، وعلما من أعلامه، وخزانة متنقلة قل أن يجود الزمان بمثله، ولقد بقيت ثابتا قويا حتى أتت لحظة وضع الشيخ في قبره وإذا بي تخور قواي، وتنهمر دموعي على خدي من غير توقف وشعرت بحنان غريب يدركه من مر من المشهد نفسه، ورغم الحزن الذي يهيمن على مشاعرنا، ولحظة الفراغ التي تعترينا فإنا نردد " إنا لله وإنا إليه راجعون " و" لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل "و "اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرا منها " كان الشيخ رحمه الله مدرسة في حياته وبعد مماته، وهذه بعض الدروس المستفادة. 1- أن محبة الناس للشخص وثناءهم عليه بالصلاح هي عاجل بشرى المؤمن، ولقد نال الشيخ رحمه الله من هذه المحبة والثناء العطر المكيال الأوفى والحظ الأوفر، فقد تواطأت اللسان على مدحه، واجتمعت القلوب على حبه، وفي الحديث " أنتم شهداء الله في الأرض " ووضع القبول للشخص في الأرض من علامة محبة الله كما في الحديث المشهور . 2- أن كل الناس يموتون، ولكن قليل منهم من يترك الأثر الحسن، والشيخ رحمه الله ترك آثارا حسنة؛ فقد ترك مؤلفات ينهل منها طلاب المعرفة، ويترحمون عليه كلما قرأوا كتبه، كما أنه ترك آلاف التلاميذ انتشروا في أرجاء الدنيا ينشرون العلم النافع. 3- أن الشيخ رحمه الله عاش على السنه، محافظا عليها في خاصة نفسه، ومعلما إياها لغيره، ومدافعا عنها شبه الضالين، وترويج المبطلين ، فأكرمه الله بأن كانت جنازته على السنة،؛ لأنه جرت عادة الله أن من عاش على شيء مات عليه. 4- أن الشيخ كان سلفيا في العقيدة ، متحررا في الفقه، أثريا في السلوك ، لم يكن من الصوفية التي تشطح، ولا من الغالية التي تذبح، ولا من المدخلية التي تجرح، بل كان عالم ملة يدور مع الدليل حيث دار ، وهكذا فليكن تلامذته ومحبوه فلا يتعصبون لأحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم . 5- شاهد الناس عبر العالم هذه الحشود الغفيرة التي جاءت لشهود جنازة الشيخ ، وقد حزروا بما يقرب من خمسين ألفا أو يزيد، بل كان العدد أكثر من هذا قطعا جزما، كلهم انطلقوا بعفوية ليس هناك شرطة تجمعهم، ولا مصالح دنيوية تدفعهم وإنما هو الحب في الله، وهذا لعمري هو الملك الحقيقي، الملك الذي يستولي على القلوب، وذلك فضل الله يوتيه من يشاء . 6- في وصية الشيخ بأن يصلي عليه صنوه، ورفيق دربه، وخليفته من بعده العلامة الشيخ محفوظ، إشارة رمزية كثييييييرة الدلالة، فعلاوة على صلاح الشيخ محفوظ- نحسبه والله حسيبه- فإن الشيخين كان بينهما حب دفين واحترام عجيب، ولطالما ناقشنا الشيخ بوخبزة في مسألة فيقول لنا: اسألوا الشيخ محفوظا . ولئن مات الشيخ بوخبزة فقد سلم المشعل للشيخ محفوظ، فهو رأس، ولا خير في قوم ليس فيهم رأس . 7- لاحظ الجميع أن الإعلام الرسمي لم يخصص للشيح ولا ثواني ينعاه للمغاربة، وهذه سبة في وجه إعلامنا، ففي الوقت الذي يعتني بأخبار السفهاء والمجانين والمفتونين لايجد وقتا لينشر حتى أخبار موت العلماء الربانيين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ولعل هذا من إكرام الله له. 8- لقد استطاع محبو الشيخ أن يمثلوا الإعلام البديل فأغرقوا مواقع التواصل الاجتماعي بمشاهد حية لجنازة الشيخ حتى استطاع العالم أن يعيش أجواء الجنازة بكل تفاصيلها، وهكذا قالوا لإعلام الشطيح والرديح " لكم إعلامكم ولنا إعلامنا " والحمد لله رب العالمين.