الخميس 23 أبريل 2015 بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحبابي الكرام : يقول الامام الجليل، صاحب الكلام القيم، ابن القيم، رحمه الله: "والجاهل الظالم يخالفك بلا حجة، ويكفرك أو يبدعك بلا حجة، وذنبك: رغبتك عن طريقته الوخيمة، وسيرته الذميمة، فلا تغتر بكثرة هذا الضرب، فإن الآلاف المؤلفة منهم لا يعدلون بشخص واحد من أهل العلم، والواحد من أهل العلم يعدل بملء الأرض منهم" ("إعلام الموقعين"؛ (388/5)). لله در الامام ابن القيم، كأنه يتحدث عن واقعنا اليوم ،فقد كثر الذين نصبوا أنفسهم شهداء على العباد ،وأوصياء على الخلق ،يكفرون من يشاؤون ويبدعون من يشاؤون، دون وازع من دين، أو رادع من عقل، وهؤلاء في الغالب، جهلاء جهلا مركبا، لم يستطيعوا أن يعرفوا السنة، أعجزتهم، ولم يثنوا الركب في حلق العلم.. فاحتكموا إلى آرائهم، يقول سيدنا عمر رضي الله عنه: (أصبح أهل الرأي أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، وتفلتت منهم أن يعوها، واستحيوا حين سئلوا أن يقولوا لا نعلم، فعارضوا السنن برأيهم، فإياكم وإياهم) رضي الله عن سيدنا عمر.. تجدهم يزخرفون كلامهم حتى يحسبهم الجاهل علماء وهم ليسوا كذلك.. ولله در القائل: في زخرف القول تزيين لباطله***والحق قد يعتريه سوء تعبير تقول هذا مجاج النحل تمدحه***وإن ذممت فقل قيئ الزنابير مدحا وذما وما جاوزت وصفهما***حسن البيان يري الظلماء كالنور قيل لسفيان الثوري رحمه الله تعالى فيمن حدث قبل أن يتأهل، فقال: "إذا كثر الملاحون غرقت السفينة".. وقال الحسن البصري رحمه الله: "اللهم إنا نشكوا إليك هذا الغثاء".. وقال ابن حزم الأندلسي رحمه الله: لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون.. وقال أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله: قلما تقع المخالفة لعمل المتقدمين إلا ممن أدخل نفسه في أهل الاجتهاد غلطا أو مغالطة.. ما أكثر الذين يتطاولون على أهل العلم في زمننا هذا.. يتهمونهم، ويعرضون بهم، وإن بحثت في سجلاتهم فلن تجد فيها إلا السب والشتم والقذف وكيل التهم. في شجر السرو لهم شبه***له رواء وماله ثمر وقال الآخر: هو الوزير ولا أزر يشد به***مثل العروضي له بحر بلا ماء وأمثال هؤلاء في الغالب لا تروج سوقهم إلا إذا اعتزل العلماء المشهد.. فيجدون الساحة فارغة، فينطلقون فسادا وإفساد.. إفسادا للعقول، وتحويرا للمنقول، ولله در القائل: متى تحن العطاش إلى ارتواء***إذا استقت البحار من الركايا ومن يثني الأصاغر عن مراد***وقد جلس الأكابر في الزوايا وإن ترفع الوضعاء يوما***على الرفعاء من أقسى البلايا إذا استوت الأسافل والأعالي***فقد طابت منادمة المنايا ومن نتائج هذا المسلك، وقوع الجفاء بين المسلمين، فمن المعلوم أن من شروط الإخاء التناصف، فأما أن تكدر وتريد الصفاء، وتغدر وتطلب الوفاء، فذاك مما لا يصح عليه عقد، ولا يسلم معه عهد، ولا يتم به فعل ، ولا يقصد فيه عدل، فلكل نفس باعث على الانتصاف، وداع إلى الانتصار، وما زال البغي صارعا لراكبه، والاغضاء رافعا لصاحبه، والجميل بحيث الصبر والاحتمال، والقبيح بحيث السقم والاعتلال، فما أحوجنا إلى علم يجمع ولا يفرق، ويلم الشمل ويحقق، ولا يمكن للباطل ويصفق، ما أحوجنا إلى محبة لا تتميز معها الأرواح، إذا ميزت الأشباح، ما أحوجنا إلى أن نكون كالنفس الواحدة لا تجزؤ ولا انقسام، ولا تميز ولا انفصام، اجعل أخاك جزءا من نفسك، وناظم شمل أنسك، وضع نصب عينيك قول حبيبك صلى الله عليه وسلم في خطبة الزمان.. في حجة الوداع.. وكونوا عباد الله إخوانا.. نعم ما أحوجنا إلى تحقيق هذه الوصية الغالية.. حتى نخرج من حالة التدابر والنزاع، ما أكثر ما نسمع اليوم جملة :أحبك في الله، ولكنها لا تجدي إن كانت منبثة عن شواهد صدقها.. صيانة ورعاية وعناية.. فللمودات قيم تتفاوت أقدارها، وتتباين أخطارها، وليس المعول فيها على ما اتسعت دعاويه، وانعدمت دواعيه، وكثر انتحاله، وكذب مقال مدعيه حاله، وإنما المعول على ما تساوى ظاهره وباطنه، وتشاكل خافيه وعالنه، وقام السبك بتخليص جوهره، وزال الشك عن خبره ومخبره، وكان له من الإخلاص لباس رائق، وشاهد عدل صادق، فذاك هو الحب الذي يحافظ عليه، ويتنافس فيه، ويجب الاعتماد له، والاعتداد به، فلنترك دواعي التنفير، من شتم وقذف وتكفير، ولنحمل بعضنا على أحسن المحامل، ولنتخذ من أجل ذلك كل الوسائل، والوسيلة المثلى لتحقيق هذا الرجاء، هو العلم، علم الانتماء لا علم الادعاء.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.