هزية بريس – الأحد 19 أبريل 2015 الحمد لله الذي أمرنا بإخلاص النيّة له سبحانه في جميع عباداتنا القلبية أو القولية أو العملية، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليم بأسرارنا الخفية منها أو الظاهرية، وأشهد أنّ نبينا محمّداً عبده ورسوله خير البشرية، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم يا رب عليهم تسليما كثيراً… أمّا بعد: فكلّنا يعلم -رعاكم الله- أن نظرة غالبية شبابنا إلى الزواج نظرة مادية بحتة، فالشاب مثلاً: تستهويه الفتاة الجميلة الهيئة من أسرة ثريّة، أو تلك التي يحصل بالزواج منها على أوراق ثبوتية في بلد ما، ولو كانت تكبره سنّاً أو مشركة كل ذلك لا يهمّه…! في حين نجد الشابّة يجذبها الشاب صاحب البيت الغالي أو المنصب العالي وأحياناً قد تقع الكارثة فيما إذا وقع اختيارها على زوج غير المسلم..! وتلك إذن قضيّة أكبر من أختها، ممّا يدلكم على عدم وضوح الهدف الحقيقي عندهم في اختيار شريك الحياة.. فهذا الموضوع يذكّرني بصاحب الحكم العطائيّة السكندراني حيث يقول: "من علامات النُّجح في النّهايات الرّجوع إلى الله في البدايات" فالبداية هي أساس كل مسألة، فيا شباب المستقبل حددوا أهدافكم الحقيقية من الزواج…! ولعلي أدلكم عليها في قول الله تبارك وتعالى (ومن ءاياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون). فجعل الله الهدف من وراء الزواج هو تحقيق السكن… سكن النّفس، فالعلاقة الزوجية التي تكون مبنية على تحقيق أغراض شخصية نفعية صِرفة لا يمكن أن تبنى أبداً على المودّة والرحمة ما تلبث أن تبوء بالفشل… من هنا كان لزاماً علينا طرح هذا السؤال: ما هي مواصفات شريك الحياة لدى الشباب التي بها يحققون الهدف "السعادة الزوجية"؟ للأسف قد يسأل الشخص عن شراء سيّارة أكثر من سؤاله عن الزوج أو الزّوجة، فهناك من الشباب من يقبل على الزواج وهو يجهل الصفات الرئيسيّة عن الشابة من حيث دينها وصلاحها وعفّتها، وتتزوّج الشابّة وبعد فترة من الزمن تعرف أنّ الشاب غير مستقيم في دينه وسلوكه فكان عليهما السؤال والتقصّي عن بعضهما: سواء عن طريق العمل أو أهل الحي أو إمام المسجد أو الأصدقاء… ليخبروهم ويرشدوهم بما يناسب، فقد جاءت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها تستشير النّبي صلى الله عليه وسلم في أمر زواجها تقول: "لمّا حللت ذكرت له -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- أنّ معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني فقال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أمّا أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأمّا معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد" فأرشدها إلى الأنسب. ومنه ما جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه قال: "قيل يا رسول الله أيُّ النّساء خير؟ قال: التي تسرّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا في ماله بما يكره"، وقد بيّن النّبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث صحيحة الصفات الرئيسيّة التي على أساسها يتم اختيار الزوج والزوجة، فقال عليه الصلاة والسلام: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدّين تربت يداك"، وفي صفة اختيار الزوج قال عليه الصلاة والسلام "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". فالدّين هو المقصد الأوّل والرئيسي، وغيره من الصفات كالجمال والمال والحسب والنّسب إنّما هي تابعة، ليست مذمومة في نفسها ولا هي مقصودة بالأساس، ولكنّها صفات تكميلية إذا وجدت فهي الغنيمة الكاملة، وإذا لم توجد فالدّين معيار كل خير. وكم من مشاكل وقضايا نسمع عنها في المحاكم، وقد يجزم السّامع لو توافرت صفة الدّين في الزّوجين لما وصلت إلى المحاكم أبداً. وقد يلتبس عند البعض مفهوم الدّين فهناك من الإخوة والأخوات من يضع شروطاً تعجيزيّة ليحقق هذا المقصود، وهي بكل بساطة: أن يؤدّي الفرائض من صلاة وصيام وزكاة… ويمتنع عن المسكرات والمحرّمات. فحسن اختيار الأزواج على أساس الدّين يحقّق الهدف "السعادة الزوجية". وهناك صفة مهمّة يسعى الكثير من الشّباب إليها وهي صفة الجمال، وتختلف من مجتمع إلى آخر… لكن في النّهاية لا بدّ من قناعة ذاتية لدى الشخص أنّ هذه الزوجة أو الزوج يروق لي، وفي هذا جاء التوجيه النّبوي لمغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- "خطب امرأة من الأنصار فقال له النّبي صلى الله عليه وسلم: "هل نظرت إليها؟ قال: لا، قال: اذهب فانظر إليها فإنّه أحرى أن يؤدم بينكما". ففي النظر للمخطوبة يتعرّف الخاطب على كثير من الأمور، من طبائع وصحة وجمال… ولا شك أنّ هذه النظرة المشروعة لها الأثر الكبير في تحقيق الهدف "السعادة الزوجية". كان هذا مرورا سريعا مني على بعض الصفات المهمّة لاختيار شريك الحياة، وقد ذكرت لكم منها صفتين تصيب الهدف وتحقق السعادة الزوجية، فعلى الشباب مراعاتها للبحث عن زوج المستقبل، وللحديث بقيّة إن شاء الله تعالى في نفس الموضوع… وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه… * إمام وخطيب مسجد الهداية (فرنسا).