هوية بريس – الخميس 26 مارس 2015 يمكنك أن تبحث المسألة التي تشاء، كائنة ما كانت، في الفقه أو العقيدة أو الأصول أو العربية، ومهما تكن مرتبة صعوبتها، ولا يهم تعلقها بعلوم أو مسائل أخرى لم تخطر ببالك أصلا.. فمن جوجل، تعرف ما قاله المعاصرون، وما ينتشر في المواقع الحواري، ومواقع التواصل حول مسألتك.. ومن الموسوعة الشاملة تنقل من كتب العلماء.. ومن مواقع تصوير الكتب، تعزو إلى الكتب وتوثق النقول.. ومن هواك، ترجح عند التعارض، وتختار ما يلائم رغبات الناس.. ويكفيك وجود الخلاف، ضعيفا كان أو معتبرا، لتبيح لنفسك اختيار القول الذي يلائمك.. ثم لا يهمك بعد ذلك ما تقع فيه من أخطاء أو ضلالات. فالجواب لديك حاضر.. فإن قيل لك: أسأت فهم الآية القرآنية، وخالفت كلام المفسرين، فليكن جوابك: لست ملزما بفهومهم، بل أفهم الآية بعقلي كما فهومها بعقولهم. ألست مأمورا بتدبر القرآن؟ وإن قيل لك: استدللت بحديث ضعيف، فليكن جوابك: لكنه موافق للقرآن، عليه نور النبوة، ملائم لمقاصد الشريعة، مناسب للقيم الإنسانية العصرية.. وإن قيل لك: خالفت الحديث الصحيح، فليكن جوابك: لأنه معلول المتن وإن صح إسناده، عرفت ذلك بمخالفته العقل الصريح، ومناقضته لظاهر القرآن.. وإن قيل لك: خالفت الإجماع، فليكن جوابك: ألم يقل الإمام أحمد رحمه الله: من ادعى الإجماع فهو كاذب. وما يدريك لعل الناس اختلفوا؟! وإن قيل لك: خالفت القواعد الأصولية، فليكن جوابك: علم أصول الفقه ليس وحيا منزلا من السماء، بل نحتاج إلى إعادة النظر فيه وتجديده. وإن قيل لك: لم تعتن بمناقشة كلام العلماء المتقدمين في الموضوع، فليكن جوابك: في التراث ضلالات كثيرة، ونحتاج إلى تنقيحه. وإن كثر المنكرون عليك، المنبهون على جهلك، المتعجبون من جرأتك، الداعون إلى الحجر عليك لسفاهتك؛ فاحتكم إلى قيم الحوار، واعتصم بأصول الحرية الفكرية، واستعذ بعبارة فولتير المشهورة. ولا بأس بأن ترد عليهم كما ردوا عليك، فأنكر عليهم الفكر الإقصائي، وانبزهم بالجمود والتقليد والجبن عن مخالفة السائد من الأفكار، وصِمهم بالغلو والتشدد المفضي إلى التضليل والتكفير والتفجير.. وستجد فئاما من الناس يصفقون لك، ويثنون على شجاعتك، ويعدونك إمام التجديد في عصرك.. **** أتراني مبالغا في وصفي هذا؟ كل ما ذكرته هنا، رأيته بعينَي رأسي، بل رأيت أكثر منه.. ولا أعرف سبيلا للخروج من هذا المأزق المعرفي، غير إقبال المبتدئين على طلب العلم من منابعه الصافية، لكي يتحرروا من سطوة هؤلاء الدجالين.. والله المستعان.