من الظواهر التي انتشرت مؤخرا في كثير من المساجد، وجود كراسي بشكل منظم مسندة إلى الجدار الأخير خلف صفوف المصلين. ولعل هذه الظاهرة قدمت إلينا من المشرق، وفيها مخالفات نجملها فيما يلي: 1- الصلاة في مكان واحد باستمرار، لايجاوزه إلى غيره. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ففي الحديث الذي رواه أبو داود عن عبدالرحمن بن شبل قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن.. وأن يوطن الرجل المكان أو المقام كما يوطئه البعير -يعني في المسجد-) الصحيحة رقم1178. إن من يداوم على الصلاة في مكان واحد يفوت على نفسه تكثير البقع التي تشهد له بالسجود عليها يوم القيامة، ويستأنس لهذا المعنى بقوله تعالى (يومئذ تحدث أخبارها) وبمفهوم قوله تعالى (فما بكت عليهم السماء والأرض) 2- دخولهم تحت طائلة الوعيد الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم (ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) رواه مسلم. وفي رواية (لايزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار ) رواه أبو داود وصححه الألباني. 3- حرمانهم من الصفوف المتقدمة، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه). 4- ومنها عدم وصلهم الصفوف، فعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتموا الصف الأول ثم الذي يليه فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر) صححه الألباني في المشكاة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قلنا وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف المقدمة ويتراصون في الصف) رواه مسلم. 5- بعد المسافة بين الكراسي وآخر صف مما يلي الإمام، فقد تصل المسافة أحيانا بين الصفين إلى عشرة أمتار وزيادة خاصة في المساجد الكبرى. وهذا مخال لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم (رصوا صفوفكم وقاربوا بينها). 6- الصلاة خلف الصف منفردا. قد يقع أحيانا فيكبر الواحد منهم على أمل أن يلتحق به بعض المصلين فلا يأتي أحد، فيصلي حينئذ خلف الصف وحده. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (استقبل صلاتك، لا صلاة للذي خلف الصف) رواه أحمد وابن ماجه. وهل تبطل صلاته بذلك أم لا؟ فيه قولان لأهل العلم. والراجح البطلان لقوله صلى الله عليه وسلم: (لاصلاة للذي خلف الصف) والأصل في النفي الحقيقة ولا يصار إلى نفي الكمال إلا لدليل.. ويؤيد هذا المعنى ما ثبت من حديث وابصة بن معبد أن رجلا صلى خلف الصف وحده فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة. أنظر الإرواء رقم 541. هذا ولم أتعرض لمناقشة المالكية في المسألة لأن المقام ليس مقام بسط. وإذا ثبت أن هذه الظاهرة فيها مخالفات كثيرة، فإني أهيب بمن يملك قدرة على التغيير أن يسهم في محاصرة هذه الظاهرة. قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) والله الموفق.