هوية بريس – الأربعاء 07 يناير 2015 1) بصرف النظر عن سوء التعبير المعتاد الذى تتسم به المقاطع "المرتجلة" في أحاديث السيسي وخطبه، وبصرف النظر عن حالة الاستقطاب الحاد والصراع الشرس على السلطة القائم في مصر الآن، وبصرف النظر عن الأهمية الدائمة لتجديد الفكر والوعى في كل خطاباتنا الدينية والثقافية والسياسية والاقتصادية، وبصرف النظر عن المحاولات الحثيثة للسيسي ونظامه لاستجلاب رضا واعتراف المجتمع الدولي، وبصرف النظر عن التعاون الأمريكي الاستراتيجي مع النظام الرسمي العربي، في مكافحة الارهاب وفقا للمفهوم الأمريكي، أو عن حشد الامريكان لكافة الانظمة العربية في حملتهم الاستعمارية الثالثة ضد العراق تحت مسمى مكافحة "داعش" والتطرف الإسلامي. فان ما ورد في خطاب السيد عبد الفتاح السيسي عن المسلمين، في ذكرى المولد النبوي الشريف، يتماهى مع الرواية الغربية الاستعمارية الاستشراقية العنصرية المضللة. ومع الخطاب الإعلامي الذي تروج له الولاياتالمتحدة منذ 2001 لتغطية غزوها للمنطقة. *** 2) وتنطلق هذه الرؤية في نسختها الكلاسيكية والقديمة التي تبناها غالبية المتسشرقين في القرنين الماضيين من ادعاءات عنصرية بتقدم شعوب الغرب وتخلف شعوب الشرق وعدم اهليتها لنيل استقلالها وحكم نفسها، مما يضطر الغرب اضطرارا للقيام نيابة عنها بهذا الدور لترقيتها والنهوض بها حضاريا، الى آخر هذه النظريات الاستعمارية التي تصدى لها عديد من المفكرين العرب، على رأسهم المفكر الفلسطيني الراحل ادوارد سعيد في كتابه الرائد "الاستشراق". *** 3) أما الرواية في نسختها الحديثة المعدلة والتي انطلقت على أيدي مفكرين من أمثال برنارد لويس وصامويل هنتنجتون فتدعى أن الصراع الحضاري والثقافي والديني هو الذى يقود العالم بعد انتهاء الحرب الباردة. وأنه بعد تراجع الخطر الشيوعي وسقوط الاتحاد السوفيتي، فإن الإسلام هو الذى يمثل التحدي والخطر الرئيسي على الغرب اليوم. وإنه لا صحة لكل تلك النظريات التي تفسر العالم والتاريخ والصراعات، من منطلقات وطنية أو سياسية أو طبقية أو اقتصادية. وهى الرؤية التي تريد أن تضفى شرعية على الاستغلال الإمبريالي الأمريكي والغربي لباقي شعوب الأرض، وتريد أن تشتت انتباه العالم والشعوب عن الأسباب الحقيقية لتخلفها وتبعيتها، وتريد أن تصادر حق بلدان العالم الثالث في مقاومة الهيمنة الغربية العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية. وهى الرؤية التي أجمعت كل التيارات الوطنية والتقدمية منذ عقود طويلة على رفضها ودحضها وكشف تناقضاتها وفضح غاياتها الخبيثة المضللة. كما أنها ذات الرؤى والأفكار التي أسست لكل مخططات إعادة تقسيم الوطن العربي وتفتيته من خلال تفجير وإدارة سلاسل من الصراعات الطائفية والمذهبية والحروب الأهلية، واستماتت لتحويل الصراع العربي-الصهيوأمريكى إلى صراع عربي عربي. *** 4) إن حديث السيسي عن الخطر "المحتمل" الذى يمكن أن يمثله 1.6 مليار مسلم على باقي ال7 مليار إنسان، هو قلب للموازين والحقائق التي يعيش فيها العالم منذ ما يقرب من أربعة قرون؛ فإن كان هناك في العالم وفى التاريخ من يمكن اتهامه بالرغبة في القضاء على الآخرين لكى يحيا هو فقط، فإنه الغرب الاستعماري بامتياز؛ فهم آلهة وملوك كل انواع التطرف والإرهاب والعنصرية والاستغلال والاستعمار والاستعباد والقتل والدمار؛ فالغرب هو الذى قام باحتلال شعوب ثلاث قارات؛ افريقيا واسيا وأمريكا اللاتينية على امتداد آخر قرنين على الأقل. وهو الذى أباد مئات الملايين من السكان الاصليين في ثلاث قارات؛ في الأمريكتين وأستراليا. وهو الذى اختطف مئات الملايين من سكان إفريقيا وحولهم إلى عبيد في المستعمرات الأوروبية الجديدة، وهو الذى أشعل حربين عالمين كبرتين راح ضحيتهما عشرات الملايين من القتلى والمصابين. وهو الذى أباد مئات الآلاف في اليابان باستخدام القنابل الذرية، وهو الذي نهب ثروات العالم، ولا يزال، فتسبب في أمراض التخلف الاقتصادي والسياسي والاجتماعي المزمنة لمليارات من سكان العالم. وهو الذى يحتكر 80% من الناتج العلمي بينما لا يتعدى تعداده 20% من سكان العالم، بينما لا يتعدى نصيب أفقر 20% من شعوب العالم 1.2% من الناتج العالمي. وهو الذى استعمر بلادنا لقرون طويلة وجزأها ليقتسمها ويوزعها كغنائم حرب بعد الحرب العالمية الأولى. وزرع بيننا قاعدته العسكرية والاستراتيجية الملعونة المسماة ب"إسرائيل"، وحرضها ودعمها لاحتلال مزيد من أوطاننا، وحارب معها في مواجهتنا، وظل يدعمها ويسلحها ليضمن تفوقها العسكري علينا مجتمعين، وهو الذي أكره أو استقطب حكامنا على الصلح معها والاستسلام لمشروعها. وهو الذى يحارب ويضرب ويتصدى طول الوقت لكل محاولات التحرر والاستقلال والوحدة والنهضة والتقدم والتنمية في بلادنا. وهو الذى يهيمن ويتحالف ويدعم أسوأ الأنظمة الحاكمة في الوطن العربي وفي العالم، ليضمن استمرار سيطرته ونهبه لمقدرات الشعوب. وأخيرا وليس آخرا هو الذى احتل الخليج العربي وأفغانستان والعراق وقسمه هو والسودان، في إطار مشروعه الجديد بإعادة تقسيم الدول العربية. *** 5) كما أن كل الدعوات المطالبة بمقاومة وقتال الاحتلال الصهيوني والغزو الأمريكي، هي دعوات مشروعة أيا كانت مرجعيتها الإيديولوجية. كما أن كل أنواع التطرف في بلادنا بما فيها التطرف الديني الذي يتحدثون عنه هي ردود فعل طبيعية ومتوقعة من الشعوب في مواجهة الهزائم والاستسلام والخنوع والتبعية والفقر والاستغلال التي أوصلتنا اليها الأنظمة العربية الحاكمة، والتي تمارس تبعيتها للأمريكان ورعبها من "إسرائيل"، تحت شعارات وطنية زائفة. والطريقة الوحيدة للقضاء على التطرف هي استرداد الدور الوطني للدول العربية في مواجهة أمريكا و"إسرائيل" وحلفائهم في الداخل والخارج. *** 6) كما أن هناك شبه إجماع بين المحللين السياسيين عربيا وعالميا، على عمق الدور الأمريكي في صناعة ودعم وتمويل عديد من التنظيمات الطائفية الإرهابية، بهدف التشويش على حركات المقاومة، وتفجير الصراعات الاهلية، وتبرير التدخل الأجنبي. *** 7) إن الهجمة التي تقودها الولاياتالمتحدة وأوروبا و"إسرائيل" اليوم ضد ما يسمونه بالإسلام المتطرف، هي امتداد لكل الحملات السابقة التي شنتها من قبل ضد كل حركات التحرر وكل التيارات الوطنية والاشتراكية والقومية في الوطن العربي وكل بلدان العالم، التي رفضت الاستسلام للمشروع الأمريكي الصهيوني. *** 8) إن الدعوى الكامنة والمستترة وراء شيطنتهم للإسلام أو المسلمين هي في حقيقتها كالآتي: ((إنكم يا معشر العرب والمسلمين لا يجب أن تقاتلوا "إسرائيل" وتحرروا فلسطين، ولا يجب أن تقاوموا احتلال وغزو أمريكا لبلادكم، ولا إعادة رسمها لخرائطكم، ولا نهبها لنفطكم وثرواتكم، ولا سيطرتها على أسواقكم، ولا حمايتها لحكامكم وأنظمتكم! وإنما عليكم ان تطهروا أنفسكم من المتطرفين الإسلاميين كما طهرتم أنفسكم من قبل من كل المتطرفين من التيارات الأخرى، وأن تكونوا حلفاء وشركاء لنا في الغرب وأمريكا و"إسرائيل" ضد هذا العدو المشترك)). *** 9) كما أنه لا يصح أن تصدر مثل هذه التصريحات من مصر، في وقت متزامن مع صدور مثيلتها من "إسرائيل" الذى ادعى رئيس وزرائها أكثر من مرة أن دولا عربية كبرى أخبرته بأنها ترحب بالعمل مع "إسرائيل" ضد عدوهم المشترك من الإسلاميين المتطرفين. وكأننا نؤكد ادعاءاته ونصدق عليها. وكأننا نتبنى مع عدونا الحقيقي لغة واحدة وبمرجعية واحدة ونستهدف مصالح واحدة في مواجهة عدو واحد. *** 10) وأخيرا وليس آخرا وفي جميع الأحوال وأيا كانت النوايا، فإنه لا يصح أن تصدر مثل هذه التصريحات من رئيس أكبر دولة عربية وإسلامية، في ظل حملة أمريكية وغربية تعادى الإسلام والمسلمين وتتهمهما بالتطرف والإرهاب، وتتذرع وتتخفى بذلك لتبرير اعتداءاتها وغزواتها لأوطاننا وأقطارنا وإعادة رسم خرائطنا. لأنه سيتم توظيف مثل هذه التصريحات خارجيا ودوليا لصالح هذا العداء وتبريره وتأكيده بمنطق "وشهد شاهد من أهلها". كما سيتم تفسيرها داخليا على أنها بمثابة غزل مصري رسمي للأمريكان وتقديم أوراق اعتماد للغرب. [email protected]