حينما تقول إن اللغة العربية أصل أصيل من أصول اللغات فإننا لا تقول ذلك تعصبا ولا ادعاء وإنما هو قول قائم على حجج بالغة وأسباب دامغة لا يملك المطلع عليها إلا أن يذعن للغتنا العربية بالتقدير البالغ والاحترام الكامل. ومن هذه الأسباب الدالة على كون العربية أصلا ومنبعا ما يلي: – سعة اللغة العربية وغناها مقابل ضيق اللغات الاخرى ومحدوديتها، والدليل على ذلك ان باللغة العربية أزيد من 16000 جذرا لغويا، بينما يوجد في اللغة اللاتينية 700 جدر وفي الساكسونية 1000 جذر لغوي. – سعة التفعيل والاشتقاق والتركيب ففي الانجليزية مثلا لفظ (Tall) بمعنى (طويل) والتشابه بين الكلمتين في النطق واضح، غير ان اللفظ العربي منهما له مشتقات متنوعة وتراكيب متعددة، ومن ذلك: (طال) و(طائل) و(طويل) و(الطوْل) و(مستطيل) .. خلافا للفظ الانجليزي Tall، فانه لا يشتق منه شيء. – وجود أكثر من معنى للفظة الواحدة وهو ما يسمى بظاهرة الاشتراك في اللغة، ومثال ذلك لفظة العين تطلق على الجارحة والجاسوس والذهب والفضة وأصل الماء وغير ذلك. – ظاهرة الترادف في اللغة العربية حيث نجد للشيء الواحد اكثر من لفظة، واشهر مثال في هذا الباب لفظة الأسد يطلق عليه الليث والسبع والغضنفر والهزبر والورد والقسورة والضرغام.. ولا شك ان كل لفظة من الفاظ الأسد تحمل معنى جديد لا تقوى المترادفات الاخرى على حمله. – وجود كيان خاص بالحروف ودلالات خاصة بها، فالحرف العربي بخلاف حروف اللغات الاخرى له رمزيته ومعانيه، فحرف الحاء مثلا يحمل معاني الحدة والسخونة (حُمى وحرارة وحب وحريق وحقد وحميم وحنظل وحكة وحق)، وحرف الخاء يرمز الى ما هو كريه ومنفرر مقزز (خوف وخزي وخذلان وخنفس وخسة وخواء. – الإيجاز الذي هو العبارة القصيرة الحاملة للمعاني الكثيرة ومن ذلك قوله تعالى " فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ." فان ترجمتها مثلا الى اللغة الإنجليزية يتطلب جملة طويلة: Then Allah will protect you from them – صمود اللغة العربية وعلومها وثباتها على مر السنين والأعوام، في وجه عوامل الاضمحلال او التحريف والفناء، ولعل هذا احد أسباب اختيار العربية لتكون القران ليبقى محفوظا بها، وتبقى هي خادمة لمبانيه ومعانيه. وفي الختام ننقل ما قاله المستشرق ألفريد غيوم عن العربية، يقول: «ويسهل على المرء أن يدركَ مدى استيعابِ اللغةِ العربيةِ و اتساعها للتعبير عن جميع المصطلحات العلمية للعالم القديم بكل يسرٍ و سهولة، بوجود التعدد في تغيير دلالة استعمال الفعل و الاسم…». ويضرب لذلك مثلاً واضحاً يشرح به وجهة نظره حيث يقول: «إن الجذر الثلاثي باشتقاقاته البالغة الألفَ عَدّاً، وكلٌ منها متّسق اتساقاً صوتياً مع شبيهه، مشكّلاً من أيّ جذر آخر، يصدر إيقاعاً طبيعياً لا سبيل إلى أن تخطئه الأذن، فنحن (الإنكليز) عندما ننطق بفكرة مجرّدة لا نفكر بالمعنى الأصلي للكلمة التي استخدمناها، فكلمة (Association) مثلاً تبدو منقطعة الصلة ب(Socins) وهي الأصل، ولا بلفظة (Ad)، ومن اجتماعهما تتألف لفظة(Association) كما هو واضح و تختفي الدالّة مدغمة لسهولة النطق، ولكن أصل الكلمة بالعربية لا يمكن أن يَسْتَسِرّ ويَسْتَدِقّ على المرء عند تجريد الكلمة المزيدة حتى يضيع تماماً، فوجود الأصل يظلّ بَيّناً محسوساً على الدوام، وما يعدّ في الإنجليزية محسّناتٍ بديعيةً لا طائل تحتها، هو بلاغةٌ غريزيةٌ عند العربي».