هوية بريس – إبراهيم الوزاني بعد التصريح الأخير لوزير العدل محمد أوجار، حول ممارسة الزنا دون عنف (العلاقة الجنسية الرضائية)، والتي يرى أنها "لا تعني المجتمع" وتدخل في صميم الحرية الفردية، شرط أن لا يتم نقلها إلى الفضاء العام!! بعد هذا التصريح، والذي سبقه قبل سنوات تصريح لوزير العدل والحريات السابق المصطفى الرميد قال فيه، إنه لا يوجد في القانون ما يوجب عقوبة من مارس "علاقة جنسية خارج إطار الزواج" متسترة!! خرج علينا من ينظر لرأي الوزير أوجار، واعتبر أنه "تعبير عن اتجاه جدير بالتأييد وهو موقف حقوقي وحداثي متميز لأنه ينسجم مع تعزيز الحريات الفردية ما دامت لا تمس بالآخرين ولا تعارض النظام العام في شيء، سواء النظام العام القانوني أو النظام العام الإسلامي، لأن الفقه الإسلامي نفسه لا يعاقب عن الزنى، أي الفساد، إلا إذا ارتكب بصفة علنية، أي بتعبير عصرنا هذا في الفضاء العام". وأضاف القاضي المعزول محمد الهيني في مقال له و"هكذا نجد الفقه الإسلامي تشدد كثيرا في إثبات جريمة الفساد إلى درجة استحالة إثبات الجريمة في الواقع؛ لذلك يشترط لإقامة حد الزنا: ثبوته، وذلك إما بشهادة أربعة رجال، أو بالإقرار، أو بظهور الحمل مع انتفاء الشبهة وانتفاء دعوى الغصب والإكراه على الراجح". وبعد كلامه هذا، ساق الهيني عددا من الآيات القرآنية وحديثا نبويا عن وجوب توفر الشهود الأربعة لإثبات ممارسة الزنا، بل لم يكتف بذلك، وعلى خلاف منهجه في عدم الاستدلال بالعلماء الذين يرميهم بالتطرف والتشدد، ساق كلاما للشيخ محمد بن صالح العثيمين، ونقلا عن شيخ الإسلام ابن تيمية، ليؤكد تحرز الشرع من إيقاع العقوبة على المتهم. وبالرغم من أن الكلام الذي ساقه أكد على ضرورة الستر لاجتناب إشاعة كبيرة الزنا، إلا أن صديقنا القاضي لا يهمه من الأمر سوى "عدم إيقاع العقوبة في حالة التستر" والتي تستحيل مع انعدام وجود أربعة شهود وما يحيط الأمر من ملابسات، إعمالا لقاعدة "ادرؤوا الحدود بالشبهات". وعليه، فإن ممارسة الزنا أو ما يسمونه "علاقة جنسية رضائية"، باسم الحرية الفردية، والحق في القيام بمثل هذه السلوكيات دون رقيب شرعي أو قانوني، مخالف تماما لممارسة الزنا بشهوة مع الإقرار بحرمة ذلك شرعا، وإن اتفقا في عدم إنزال العقوبة قانونا وشرعا، وذلك لأمور: – الذي يقيم علاقة جنسية باسم الحرية الفردية، كمفهوم مستورد من الغرب العلماني المادي، يعتبر ممارسته حقا، ولا عيب في ذلك، أما من يمارس الزنا بشهوة فإنه يقر بأن ذلك محرم شرعا، وأنه تحت طائلة التهديد بالعقوبة الشرعية سواء في الدنيا أو الآخرة. – وعليه، فإن الأول يستمتع بسلوكه دون أدنى حرج أو شعور بذنب أو تأنيب ضمير (قلب)، بخلاف الثاني، فإنه حينما يتذكر فعلته يحس بوخز المعصية، ويستغفر ربه. – كما أن الأول يقع في تحليل ذلك الفعل عملا واعتقادا وهذا خطره عظيم وفق ما يقرره علماء الشريعة، أما الثاني وإن كان وقع في الاستحلال العملي، فإنه مقر بأن ذلك محرم، ولا يرضي الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا المؤمنين الصالحين. – الداعي إلى الحريات الفردية هو بالأصل داع إلى شيوعها، وخطر ذلك ولو سرا عند الممارسة، أعظم ممن يمارس الزنا شهوة ويدعو لإشاعتها مع الاعتراف بحرمتها. إن التنظير لممارسة الزنا باسم الحرية الفردية، سيفضي بلا شك إلى تقنين الزنا وإباحته، ولذلك حين تحدث الوزير أوجار، فإنه أصر على ستر الممارسة وعدم الدعوة إلى إشاعتها احتراما للفضاء العام لأن البلد محافظ ويستمد شعبه أحكام ممارساتهم وسلوكياتهم من الدين الإسلامي الذي يحرم الزنا؛ والفرق بينه وبين الوزير الرميد أن الأول ربط الممارسة بالحرية الفردية، وأما الثاني فتحدث فقط عن إنزال العقوبة القانونية التي لا يمكن أن تقع في ظل التستر أثناء الممارسة. وأما مسألة تفريق النبي صلى الله عليه وسلم بين ممارسة الفواحش أو اقتراف المحرمات سرا وجهرا، وأن سترها أقل جرما من الجهر بها، فذلك باعتبار أثر الجهر، وأنه مدعاة للإشاعة وتشجيع الآخرين على المحرمات، والتطبيع معها، وتعطيل واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواطئ الجماعي على فعلها، وهي أمور تتسلسل إذا ما لم يتم إيقافها إلى ما هو أشر من المعصية. وأما اقتراف المحرمات في السر تحت قهر الشهوة وضعف الإيمان، فهذا أهون، لأنه لا يؤدي لما ذكر سابقا من آثار الجهر، لكن لو فعلها سرا مع جرأة على الله واستخفاف بعقوبته، فهذا حاله خطيرة، وفي أمثاله قال النبي صلى الله عليه وسلم: "(لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا) قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ، قَالَ: (أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا)". (رواه ابن ماجه (4245)، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه"). وفي الختام، لنقف وقفة مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم "كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ" (صحيح البخاري). أرأيتم كيف أن المجاهرة تتعدى الممارسة فقط، إلى الكلام وإذاعة ذلك بالحديث ونشره بين الناس؟! وهذا عين ما يتحدث به دعاة "الحريات الفردية"، التي منها "الحرية الجنسية" بكل أشكالها.