الثلاثاء 26 غشت 2014 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في سياق الكلام عن هجوم التتر على بلاد الإسلام واستهدافهم حلب سنة (699ه)، وانصراف عسكر مصر وبقاء عسكر الشام.. (وهو ما ينطبق على حال المسلمين اليوم ومحنتهم مع اليهود في غزة). قال محرضا على قتالهم ومبينا وجوب جهادهم ونصرة المجاهدين، وحرمة التخاذل والتخلي عنهم: "واعلموا -أصلحكم الله- أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه من وجوه كثيرة أنه قال: {لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى قيام الساعة} وثبت أنهم بالشام. فهذه الفتنة (احتلال التتر لحلب) قد تفرق الناس فيها ثلاث فرق: الطائفة المنصورة: وهم المجاهدون لهؤلاء القوم المفسدين. والطائفة المخالفة: وهم هؤلاء القوم ومن تحيز إليهم من خبالة المنتسبين إلى الإسلام. والطائفة المخذلة: وهم القاعدون عن جهادهم؛ وإن كانوا صحيحي الإسلام. فلينظر الرجل أيكون من الطائفة المنصورة أم من الخاذلة أم من المخالفة؟ فما بقي قسم رابع. واعلموا أن الجهاد فيه خير الدنيا والآخرة وفي تركه خسارة الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى في كتابه: {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين} يعني: إما النصر والظفر وإما الشهادة والجنة: فمن عاش من المجاهدين كان كريما له ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة. ومن مات منهم أو قتل فإلى الجنة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: {يعطى الشهيد ست خصال: يغفر له بأول قطرة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويكسى حلة من الإيمان، ويزوج ثنتين وسبعين من الحور العين، ويوقى فتنة القبر، ويؤمن من الفزع الأكبر} رواه أهل السنن. وقال صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة لمائة درجة؛ ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء والأرض أعدها الله سبحانه وتعالى للمجاهدين في سبيله}. فهذا ارتفاع خمسين ألف سنة في الجنة لأهل الجهاد. وقال صلى الله عليه وسلم: {مثل المجاهد في سبيل الله مثل الصائم القائم القانت الذي لا يفتر من صلاة ولا صيام} …". وهذه الأحاديث في الصحيحين وغيرهما. وكذلك اتفق العلماء -فيما أعلم- على أنه ليس في التطوعات أفضل من الجهاد؛ فهو أفضل من الحج وأفضل من الصوم التطوع وأفضل من الصلاة التطوع. والمرابطة في سبيل الله أفضل من المجاورة بمكة والمدينة وبيت المقدس؛ حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه: "لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلي من أن أوافق ليلة القدر عند الحجر الأسود"؛ فقد اختار الرباط ليلة على العبادة في أفضل الليالي عند أفضل البقاع؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقيمون بالمدينة دون مكة؛ لمعان منها أنهم كانوا مرابطين بالمدينة. فإن الرباط هو المقام بمكان يخيفه العدو ويخيف العدو؛ فمن أقام فيه بنية دفع العدو فهو مرابط والأعمال بالنيات. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل} رواه أهل السنن وصححوه. ..واعلموا -أصلحكم الله- أن النصرة للمؤمنين والعاقبة للمتقين وأن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. وهؤلاء القوم مقهورون مقموعون. والله سبحانه وتعالى ناصرنا عليهم ومنتقم لنا منهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فأبشروا بنصر الله تعالى.. واعلموا -أصلحكم الله- أن من أعظم النعم على من أراد الله به خيرا؛ أن أحياه إلى هذا الوقت الذي يجدد الله فيه الدين ويحيي فيه شعار المسلمين وأحوال المؤمنين والمجاهدين، حتى يكون شبيها بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار. فمن قام في هذا الوقت بذلك كان من التابعين لهم بإحسان الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم. فينبغي للمؤمنين أن يشكروا الله تعالى على هذه المحنة التي حقيقتها منحة كريمة من الله، وهذه الفتنة التي في باطنها نعمة جسيمة؛ حتى والله لو كان السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار -كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم- حاضرين في هذا الزمان؛ لكان من أفضل أعمالهم جهاد هؤلاء القوم المجرمين. ولا يفوِّت مثل هذه الغزاة إلا من خسرت تجارته وسفه نفسه وحرم حظا عظيما من الدنيا والآخرة؛ إلا أن يكون ممن عذر الله تعالى كالمريض والفقير والأعمى وغيرهم. وإلا فمن كان له مال وهو عاجز ببدنه فليغز بماله؛ ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من جهز غازيا فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا}. ومن أراد التخلص من الحرام والتوبة ولا يمكن رده إلى أصحابه فلينفقه في سبيل الله عن أصحابه فإن ذلك طريق حسنة إلى خلاصه.. فالله الله: عليكم بالجماعة والائتلاف على طاعة الله ورسوله والجهاد في سبيله؛ يجمع الله قلوبكم ويكفر عنكم سيئاتكم ويحصل لكم خير الدنيا والآخرة. أعاننا الله وإياكم على طاعته وعبادته وصرف عنا وعنكم سبيل معصيته وآتانا وإياكم في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ووقانا عذاب النار وجعلنا وإياكم ممن رضي الله عنه وأعد له جنات النعيم إنه على كل شيء قدير وهو حسبنا ونعم الوكيل. والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه وسلم.