"نكتة أخرى تقربنا من الموضوع أكثر، في المغرب عندنا تجار معروفون بنوع من البخل، و هم من عرق معين، لن أقوله حتى لا أتهم بالعنصرية في المغرب.. فيقولون أن احدهم، و من خوفه من أن يسرقه مساعدوه في المتجر و فرط حرصه على ماله، وضع مرآة في قعر درج النقود، فإذا فتحه ينظر في المرآة حتى يتأكد أنه هو من فتح الدرج وليس غيره.." كان هذا كلام السيد المقرئ أبو زيد الإدريسي، النائب في الغرفة الأولى عن حزب العدالة و التنمية، خلال 29 ثانية الأولى، من فيديو عمره 4 دقائق و 28 ثانية، مأخوذ من محاضرة يبدو أن زمنها أطول، نُظِمت بإحدى دول الخليج، منذ سنوات، و نقلتها قناة "الرسالة" الفضائية. النكتة جاءت للتدليل، حسب المقرئ، على "خرق مفهوم بديهي" مفاده "أن الهوية متطابقة شعوريا بالذات" ثم يسترسل النائب البرلماني ليقول كلاما أكثر تعقيدا بقوله "فأنا عندما أُسَلِمُ على الدكتور طارق سويدان، لا أستنجد بأخٍ كريم و أقول له أتيني بالمرآة لأنظر من أنا و من هو؟ من هو مني؟ لعلي أُسَلِمُ على نفسي أو هو يسلم علي.. !" ظهر الفيديو مؤخرا في "اليوتوب" في قناة تحل إسم “free boy” تحت عنوان "المقرئ أبو زيد الإدريسي يسب الامازيغ من أهل سوس في محاضرة بالسعودية" (أنا على الأقل اطلعت عليه هناك) فانتشر المقطع كالنار في الهشيم، على الشبكات الاجتماعية وعدد من المواقع الالكترونية، تصاحبه تعليقات بين مستنكر للعنصرية البادية في كلام البرلماني و مدافع عن الداعية و البرلماني الاسلامي و مستغل للهفوة من أجل تصفية حسابات سياسية لا لبس فيها. ليس الغرض من هذا المقال مناقشة النكتة في حد ذاتها و تبيان أن السخرية من لون أو عرق أو دين، عندما ترتفع من مجال التداول الشعبي إلى فضاءات "الفكر" و السياسة، تتحول إلى قنبلة قد تنفجر في فاه المستدلين بها، تماما كما انفجر النقد و الانتقاد في وجه عبد اللطيف عبد اللطيف وهبي، رئيس الفريق النيابي لحزب الأصالة و المعاصرة داخل الغرفة الأولى، بمناسبة انتقاد الأخير لمشروع "تامسنا" السكني و قوله داخل لجنة قطاعية بالبرلمان، أن المُنْتَجَ السكني "لا يصلح إلا لْشي شْلْحْ ايبيع فيه الزريعة.." فكان أعضاء حزب العدالة والتنمية أول المستنكرين لهذا "الوصف العنصري البغيض". نفس العاصفة مر منها، بكثير من الخسائر، وزير الداخلية الفرنسي "بريس اورتفو"، أيام حكم ساركوزي، و الذي هبت ضده رياح غضب عاتية ودعاوى قضائية بسبب سخريته من العرب و المسلمين خلال الجامعة الصيفية لحزب "التجمع من أجل الحركة الشعبية" مما اضطره للاعتذار و مشاركة المسلمين إفطار رمضان، مرتين في أسبوع واحد، تكفيرا عن "زَلْكَةٍ" معلوم أنها ليست حكرا على ساسة المملكة، على كل حال. الغرض من هذا المقال هو مناقشة رد فعل عدد من الأعضاء المنتمين لحزب العدالة و التنمية، الشباب على وجه الخصوص، و الذين ينظرون الى حزبهم بوصفه روضة عطرة تجمع عددا من الصحابة و أولياء الله الصالحين الذين لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم و لا من خلفهم. هؤلاء الشباب، الذين ترعرع جلهم داخل حزب قضى سنواته، منذ التأسيس، في صفوف المعارضة حاملا سيف النقد للسياسات العمومية متسلحا بخطاب أخلاقي يدغدغ عواطف العامة منافحا عن "الهوية العربية و الإسلامية" في وجه "التغريب"، لم يستوعبوا بعد أن حزبهم يوجد اليوم داخل الحكومة و أن أعضاءه قاموا بحملة تعبئة قوية داخل مجلس النواب من أجل تمرير قانون مالية 2014 الذي جاء من بين بنوده قرار يقضي برفع الضريبة على المشروبات الكحولية القوية، من بينها "الويسكي" و "الفودكا"، و أن عائدات هذه الضريبة ستذهب إلى أجورنا و أجورهم و أجور عدد من المنافحين عن "الهوية الطاهرة" بمن فيهم رئيس الحكومة الذي يحمل السبحة ذاكرا الله حتى إبان مناقشة تضريب المشروبات الروحية. هؤلاء الشباب، الذين تعلم بعضهم تبجيل الشيخ داخل "حركة الإصلاح و التوحيد"، لم يستوعبوا بعد أن المشايخ قصوا اللحى و نزعوا العمائم و ارتدوا ربطات العنق "الغربية" و جالسوا نظراءهم الغربيين على طاولات عشاء عمل تتوسطها زجاجات نبيذ أبيض، بياض جلابيبهم أيام الجمعة، و أشرف وزراؤهم على دعم مهرجانات ثقافية مليئة ب"الحب" و العناق و القبل كمهرجان "مراكش للفيلم الدولي" الذي يديره موظف سام تحت إمرة السيد مصطفى الخلفي، وزير الاتصال، و الذي قَبَّلَتْ فيه ممثلان، من شمال أوروبا البارد، بعضهما على الشفاه، قبلة حارة، نالت تصفيق الحاضرين تحت قبة قصر المؤتمرات، مباشرة بعد إطلاق سراح مراهقين من الناظور أسالت قبلتهما الكثير من المداد و أبانت عن فصام مرضي يعانيه هذا البلد المعاقِبِ لقبلة في الناظور، بين مراهق و مراهقة، و المصفق لقبلة بين شابة و أختها في الجنس في مراكش و على أرض نفس الوطن و تحت سمائها و سمع و أبصار حكامها المحافظين و الحداثيين، في نفس الآن، حسب قدرة المحافظة و الحداثة على خدمة نظام الحكم الراكب لأرجوحة تتأرجح بأريحية من نقيض إلى نقيض. هؤلاء الشباب الذين لم يطرحوا السؤال على قيادتهم، الجالسة على رأس عدد من القطاعات الحكومية، و القول لبنكيران: أيها الشيخ الورع و الأخ الكريم: لما لم تُقْدِم على إعادة 90 ألف موظف شبح إلى وظيفتهم أو تغييرهم بهذه الجحافل من أبناء الأمة الذين تروي دماؤهم الحمراء عشب شارع محمد الخامس الأخضر؟ لماذا لا يقولون للرباح: أيها الأخ الكريم، لما تحولت لمدافع عن مشروع القطار الفائق السرعة، الذي كان الحزب من أكبر معارضيه، و لم توجه ميزانيته الضخمة لاستكمال السكة الحديدية نحو أكادير أو بناء نفق "تشيكا" التي تحصد منعرجاتها الأرواح أو فك العزلة عن قرى تنتقل فيها النساء الحوامل على ظهور الدواب؟ هؤلاء الشباب الذين لم يسألوا الأزمي، وزيرهم في الميزانية، عن أسباب تردده و "رعدة ركابيه" أمام قرار شجاع يقضي باسترجاع 66 مليار درهم من الضرائب المستحقة، وفق شهادة نور الدين بنسودة، الخازن العام للمملكة، الذي كان يتبادل العلاوات مع وزير سابق للمالية وصفه أصحاب المصباح بالفاسد قبل التحالف معه و ترك من فضحوه يستجدون لافتات التضامن أمام محكمة "ديور الجامع" الابتدائية في مشهد يثير الشفقة. يا شباب العدالة و التنمية انزعوا عنكم جلابيب الدروشة و انظروا إلى قيادتكم بعين فاحصة لسلوك "الأولياء" الذين حجوا من منابر الوعظ، أفواجا فواجا، نحو كراسي الممارسة السياسية. صفقوا لقيادتكم إن أصابت و قوموها بالنقد الرصين إن أخطأت، و ما أكثر أخطاءها. قولوا لأبو زيد أنه زاد و أخطأ، من حيث لا يدري، عندما ألصق صفة البخل بعرق معين و أخبروا بنكيران أنه ضاجع الاستبداد و تدثر بغطاء الفساد على سرير السلطة و أن شعار "صوتك فرصتك لإسقاط الفساد و الاستبداد"، الذي تمت قرصنته من الحراك الشعبي الذي شكك فيه "صاحب السبحة"، يتحول رويدا الى "صوتك نكستك لتأبيد الفساد و الاستبداد". و حده عنفوان الشباب و حلمه القادر على إنقاذ النخب السياسية الشائخة من عشقها لانبطاح تصفه زورا بالواقعية. وحدها القدرة على النظر لقيادة حزب العدالة و التنمية بوصفها "بشر" قادرة على إخراج فتيل المصباح من إناء الزيت المغشوش الذي نقع فيه. وحده النظر الى وجه الحزب، في مرآة السلطوية الملتصقة بدرج التحكم، قادر على جبر خاطر سواسة، صمام الأمان الحقيقي و أصحاب "كناش لكريدي" الضامن للاستقرار الفعلي، و معهم كل بنات و أبناء المغرب الزاخر بغناه. سواسة، الذين خرجوا يتظاهرون أمام البرلمان منذ أيام رافعين الصوت ضد البند 145 مكرر من قانون المالية الجديد، أكرم و أكبر من نكتة غبية تتوسل ابتسامة قوم احترفوا الأخذ و المنة من عطايا دولاب مليء بزيت البترول الأسود.. دولاب لا يشبه دولاب أمازيغ سوس العَطِر، في شيء. دولاب يختلط فيه عرق الجبين بالاستقامة و التضامن.. تلك الخصال الغائبة عن سياسات حكومية اختزلت جرأتها في التضييق على البسطاء. و لا تنسوا أن الله من وراء القصد.