إلَى قاعدةِ ينكفئُ فيهَا مهاجرُو إفريقيَا جنوب الصحرَاء، تحولَ ميدانٌ فسيحٌ بالقربِ من جامعة وجدَة، انتخبَتْ فيه الجاليات الإحدَى عشر ممثلِين عنها، وعهدت إليهم بمفاوضة الحكومةَ المغربيَّة، حولَ الجوانب المتعلقةِ بتقنين وضعيتهم. "كوامِي"، واحدٌ من سكان المخيم، بعد مقدمهِ من الناظور، التِي لا تبعدُ كثيرًا من هنا، ظلَّ مختبئًا لمدة من الزمن، في الغابة، على جبل "كوروكُو"، المشارف على مدينة مليليَّة "مع الليلُ يحينُ الهجوم، كذلكَ نسميه، نصعدُ جميعًا فِي الوقتِ نفسه، كيْ تكونَ حظوظنا أقوى في العبور إلى مليليَّة". إلَّا أنَّ كوامِي منيَ بخيبةٍ وقدْ همَّ باجتياز حاجز الأمتار الستة المسنن، واضطرتهُ الشفرات الجارحة التِي نصبتها إسبانيَا إلَى أنْ يعُود أدراجه، كي يتلقَّى العلاج، في النقطة المسمَّاة "مدرسة"، بمحاذاة الحي الجامعِي، حيث أقامَ المهاجرون مخيمًا لهمْ منذ ما يربُو على سنواتٍ عشر. بخيامٍ تسندهَا أعمدة خشبيَّة، فيما تلوحُ البطانيات والأغطية البلاستيكيَّة أمام نوافذِ المدرجات. حواليْ 300 شخصٍ، غالبيتهم من الرجال، يعيشون في المكان الفيحي، حيثُ يلزمهم المشيُ على القدمين لمدة نصف ساعةً، كيْ يلجُوا إلى ماءٍ لا يصلحُ فِي الأصل للشرب، وبمدخلٍ كلِّ خيمةٍ من الخيام، أكوام فضلاتٍ تسرُّ الكلاب الضالَّة، أمَّا أثناء الليل فقدْ تنزل الحرارة إلى 0 درجة مئوية، ومن الناحية العمليَّة، فإنَّ كل المهاجرين الإفارقة القادِمين من جنوب الصحراء، مرُّوا من هُنَا، سواء كانُوا من غانا أو النيجر أو بوكينافاصُو. وجدة التِي تقدرُ ساكنتها ب400 ألف نسمة، ولا تبعدُ عن مليليَّة، الخاضعة للنفوذ الإسبانِي سوَى بساعاتٍ، كما تفصلها عن الجزائر كليومترات خمس، لا أكثر، أصبحتْ بمثابة طورًا من أطوار العبور من إفريقيا إلى أوربا، التِي يصبون إلى بلوغها في نهاية المطاف، فإلى وجدة يحجُّون لدى الوصول إلى المغرب، وإليها يلجؤون حينَ يُصَدُّون على الحدود الجزائريَّة، وفيهَا يمكثُون عندَ دحرهم من حدود سبتة أو مليليَّة. كوامِي يقول إنَّهُ مستعدٌ ليقفلَ راجعًا إلى الناظور، متَى ما استردَّ عافيته، فأبدُولايْ ريمَا كابرِي، جعلهُ يشطبُ الحلمَ الأوربِي من قائمته "الأمرُ صعبٌ جدًّا، لقد حاولتُ أكثر من مرةٍ أنْ أجتاز حدود الناظور، لكننِي لم أفلح فِي ذلك". وماذَا عن البحر؟ "أخشَى المَاء"، يجيبُ كراموِي، الذِي حلَّ فِي المغرب سنةَ 2005، بعدمَا بدأَ رحلتهُ من بوركينافاصُو، وقصد مخيم وجدة مباشرة، حيثُ ظلَّ الكثيرون مثله. بين الخيام هناك خيمةٌ بلاستيكية بها حلاق، وأخرَى تبدُو كمَا لوْ أنَّ بهَا مطعمًا. فيما تراصتْ حجراتٌ فِي المدخل راسمةً حدود مسجد. "فِي المدرسة، "لقب المخيم"، نحن مطمئنون"، يقول كوامِي، دونَ أنْ يعنِي ذلكَ أنَّ الأمور كانتْ دومًا على ما يرام، "فيما سبق، كانت هُناك سرقات، وضوضاء بين المهاجرِين القادمِين من عدة دول إفريقية في جنوب الصحراء"، يستطرد المتحدث. المهربوُون كانُوا يضطلعُون بتنظِيم الحياة داخل المخيم وفرض قانونهم. كلٌّ يعمل من جانبه، وكانتْ هناكَ مراجعاتٌ للحساب، بشكلٍ دورِي، فقبل أشهر فقطْ، قتلَ مهاجرٌ غانِي على يدِ نيجيريين، فما فكان أن عوقبوا بالترحيل من وجدة، وحرق خيامهم، قصاصا مما أتوْا، "لقدْ هيأنَا أنفسنَا منذُ 2007، وجمعنا كلَّ الجنسيات، وكانَ لنَا هدفٌ واحد نرمِي إليه: بلوغ الضفة الأخرى للمتوسط، فلمَ نضيعُ وقتنا في الشجار ؟ كلُّ جاليةٍ من الجاليات الإحدَى عشر، تضمُّ ما يقاربُ الأربعِين فردًا. عينتْ زعيمهَا على أساس الأقدميَّة، الماليُّون والكونغوليون يشكلون الأغلبيَّة، "منذ البداية والناس يجتمعون هنا، لقد كانت الحاجة ماسَّةً إلى منظمَةٍ تفرضُ القانون"، يقول أبدولايْ كما لوْ كان يتحدثُ بدستور أثينا لأرسطُو. "هنا، يوجدُ الاتحاد الإفريقي الحقيقي"، يقول الإيفورِي، دريسَا داموِي، وهُو يشيرُ إلى أكبرِ خيمةٍ. فِي داخلها، حواليْ 12 مقعدًا بلاستيكيا، تم جلبها لتستقبلَ ممثلين عن الجاليات الإفريقية، ومن يترجمُون لهم. "نجتمعُ كلَّ يوم أربعاء، لبحث المشاكل التِي تعانيها جالياتنا، ولنوزع المساعدات الغذائيَّة التي نتلقاهَا من جمعيات دعم المهاجرين فِي وجدَة. كما نجدُ وسائل لعلاج الجرحَى" يوضح داموِي، زعيم الإيفوارين بالمخيم، الذِي عينهُ منتخبون عن جاليات أخرى كاتبًا عامًّا. وهُو يفضلُ كلمة "منتخب"، "نحنُ نعيشُ هُنَا فِي ديمقراطيَّة". للديمقراطيَّة قواعدها في المخيم. كل زعيمٍ يتولَّى مهمة شرح القوانين المعمول بها للوافدين الجدد، "هي قواعد بسيطة، تقضِي ألَّا يسرقُوا، وألَّا يثيرُوا الشغب، وألَّا يزعجُوا الطلبة المغاربة، ولا المغاربة عمومًا" يقول داموِي. أمَّا فيما يتعلقُ بالعقوبات، فإنَّ منتخب كل جالية هو الذِي يقدر العقوبة على بنِي جلدته. فلدَى المنحدرِين من بوركينافاسو، مثلا، يجبرُ السارقُ على إعادة المسروق إلى صاحبه، ولا يتعرضُ إلى عقوباتٍ أخرى، أمَّا الكونغوليُّون، فأقلُّ رأفةً ومنهم، ويلقَى السارقُ ضرباتٍ بالسوط، أمَّا العقوبة القُصْوَى فهيَ أنْ يتمَّ تسليمُ المذنبِ إلَى السلطات المغربيَّة، "لكن ذلك نادرٌ جدًّا، لأنَّ الأمر يقتضِي موافقة جميع رؤساء الجاليات". "فيمَا قبل، كانت الشرطَة المغربيَّة دائبةً الدخول إلى هنا، لإخلاء المهاجرين، حتَّى أنَّ خيامًا كانت تحرق، لكنهُم ما عادُوا يدخلون، اليوم، فنحن من نبحث مشاكلنا ونسويهَا، يقول أبدُولايْ، فيما يرتقبُ أنْ يصبحُوا المحاورِين الأثيرين، لحكومة بنكيران، حول تقنين وضعيتهم، بعدَمَا أعلنَ المغربُ سياسيةً جديدةً للهجرة، فِي أعقابِ ما لقيه من عتابٍ حقوقِيٍّ.