قبل الصعود إلى الطائرة كانت الوجهة تشي بأنها تختلف عن باقي الإتجاهات الأخرى، النساء بدأن في تغيير ملابسهن المحلية إلى لبس العبايات السوداء، حتى الأجنبيات منهن مع فارق ترك شعر الرأس منسدلا من دون غطاء، أما بعض "بنات البلد" اللواتي كن مسفرات فبعد نزول الطائرة في مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة لم يعد يظهر منهن إلا العينين. في صالة المطار يلفت انتباهك إلى أن المنتظرين والعاملين من الأجانب بملامح بنغالية وباكستانية، وأفريقية..، يفترشون الأرض أو واقفين منتظرين قريبا أو صديقا، تظهر عليهم سحنة التعب، لغتهم المشتركة هي الانجليزية مع عبارات عربية. من بوابة الخروج إلى الفندق كانت الطريق فرصة لفتح نافذة للنقاش مع السيد محمد القحطاني، بادرته بالقول إن صدى منع المرأة من السياقة وصلت إلى كل حارة من الكرة الأرضية فما السبب؟ "اسمع يا أخي، المرأة السعودية بالنسبة لنا مثل الأميرة، وهل الأميرة تسوق السيارة؟ أبدا، لهذا نحن نضعها في هذه المكانة ونوفر لها السائق والخادمة بجانبها، ما عليها إلا أن تطلب ونحن ننفذ، لهذا يجب أن تبقى في أعيننا هكذا، نعم هناك من يريد أن يغويها بالحداثة وغيرها من العبارات الرنانة فقط ليصلوا إليها ولن يكون لهم ذلك"، غير أن الناشطة الجمعوية ذكرى العطاس حين أعدت لها ما قاله "القحطاني" أجابت بابتسامة ساخرة "إنها ديباجة يرددونها دائما، هؤلاء يحرموننا جزء من حقنا المشروع، ليس كل العائلات السعوديات بمقدورها أن توفر للمرأة سائقا وخادمة، أصحاب هذا الطرح لهم أحادية الفكر، ويجب عليهم أن يغيروا رأيهم هذا". مع ذلك فإن ذكرى العطاس ذات الثالثة والعشرين ربيعا وافقته فكرة تواجد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في شوارع بلاد الحرمين، مع بعض التحفظ على أشخاص منهم يعتبرونهم متشددون، ولا يجيدون أسلوب الحوار والنقاش، فهمهم للدين سطحي، يسرد لنا "القحطاني"واقعة كان شاهدا عليها للتأكيد على أهمية الهيئة الدينية التي كانت ولاتزال تخلق النقاش حتى خارج بلاد آل سعود، " كانت هناك سيارة تركن في مرآب على الشارع العام، بداخلها امرأة تجلس في المقعد الأمامي بجانب زوجها، حين دخل إلى محل للتسوق، باغتها أحد الشباب بتقبيلها من فمها، ومن سوء حظه العاثر أن تصادف وجود الهيئة بالمكان، فحين شرعوا في جلده بدأ بعض المارة يستنكرون على الهيئة فعلتها، أما الشاب فلم يشنعوا عليه جريمته، هل من المقبول ذلك!، لو لم تكن الهيئة يا سيدي لعاث هؤلاء الشباب وغيرهم في هذه الأرض المباركة فسادا، خذ بعين الاعتبار هذه النقطة، السعودية تختلف عن باقي الدول الأخرى". أثناء شرحه المفصل، كانت أذني تصغي إليه وعيناي تنظر إلى طريق طويل على جنباته أبراج وبنايات شاهقة، علقت على جدرانها لوحات إشهارية لشركات محلية وعالمية، وبين مفترقات الطرق تلاحظ يافطات تذكر المارة بعدم نسيان ذكر الله، وبترديد آيات قرانية صغيرة، صمت لهنيهة ثم بادرته بسؤال آخر، ما رد فعلك بعد الأحدات التي وقعت بين العمال الأثيوبيين والسلطات الأمنية ما دفعها لترحيلهم؟، لم أنته من طرح السؤال حتى كان مستعدا للإجابة عنه" هؤلاء بالغوا في استفزاز العامة، كانوا سببا في الكثير من المشاكل بمناطق متعددة في مختلف أرجاء الدولة، مع أن الكثير منهم وصل إلينا بطرق غير قانونية، كانت السلطات تتغاضى عنهم، ولم ترحلهم، لكنهم خلقوا مشاكل جمة بلا استحياء ولا حرمة للضيافة، نرحب بكل العمالة الأجنبية وهم ضيوف عندنا بشرط الالتزام بقوانين الدول" بحسب رأي القحطاني. مع أول بزوغ لشمس اليوم التالي من الفندق نحو شوارع مدينة جدة التي تقع غرب المملكة العربية السعودية، تلقب بعروس البحر الأحمر وتعد العاصمة الاقتصادية والسياحية للبلد، تتميز بمشاريعها المعمارية الضخمة كالأبراج وناطحات السحاب، وتعتبر ثاني أكبر مدن المملكة بعد العاصمة الرياض، أمام هذه المعطيات يلفت انتباهك على أرصفة الطريق نساء من جنوب أفريقيا يفترشن الأرض، جاءت بهن الأقدار إلى هذه البلاد بحثا عن قوت العيش وهربا من فقر بلدانهن، مع أن هذا القدر كان يخبؤ لهن معاناة أكبر اسمها البحث عن "الكفيل" و"مورد رزق" لهن ولأطفالهن الصغار التي كانت الشمس القوية تلفح وجوهم تحت درجة 33. التقيت ب "محمد.ب" من أصول يمنية، ولد في السعودية لكن القوانين لا تسمح له بحمل جنسية الدولة التي ولد فيها، يشرح لي كيف أن"القانون ظالم"، يجعلك في ملك "الكفيل" طول حياتك، وأيضا إلى مزاج السلطات السعودية حين قامت بترحيل بعض "السعوديين" إلى بلادهم الأصلية اليمن مع أنهم ولدوا ودرسوا وعاشوا هنا، ولم يذهبوا قط إلى اليمن السعيد، لا يعرفون أحدا من عائلاتهم هناك" يقول, ثم يستدرك"لكن أعتقد أن الأوضاع ستتغير مع مستقبل الأيام”. "في مرحلة الابتدائي كنت دائما أعرف نفسي بأنني سعودي، كنت أستحيي من القول أن أصولي أفريقية، وبالضبط من دولة تشاد، لكن قبل سنتين زرت موطني الأصلي، وبعض الدول المجاورة لها، فاكتشفت أنها من رياض الجنة، وندمت لماذا تأخرت في صلة رحمها، هناك وجدت ذاتي وراحتي، منذ عدت وانا أقول للجميع بافتخار وبدون أي مركب نقص أنا سعودي من أصول تشادية" هكذا لخص لنا "راشد.ع" حكايته أثناء دردشة قصيرة معه. https://www.facebook.com/ammar.elkhalfi