تقديم: بعد ما جرى لغنيمة الفرنسية التي اختفت بغتة من مخزن الغنائم ،في غمرة الفرح المُسكر بالاستقلال ،وتوهم المغاربة أنهم على قلب رجل واحد حتى تعليميا . وبعد أن عاث نسور الأمازيغ إقصاء في معهد ملكي، وثق الملك أنهم لن يدخلوه إلا مقترنين بلغتين وطنيتين يبادلونهما نفس الحب،ويعدلون بينهما ،كما أمر كل معدد لزيجاته. وبعد أن أيقظنا عيوش ،ومن معه،من حلمنا الوردي حيث تراءت لنا مؤسساتنا التعليمية جنات تجري من تحتها المعارف وتروي عقول أبنائنا ،من نفس المعين ،وبنفس القدر. بعد اكتمال ثلاثية الأثافي هذه أصبح من واجبنا وحقنا طرح سؤال الأمن اللغوي. أولى الأثافي: نتفهم وضعية المغرب ،وان مستقلا،إزاء الدولة الفرنسية ؛من حيث علاقات الإسناد، وحتى التكافؤ،في مختلف المجالات،بما فيها المجال اللغوي والثقافي الذي بهمنا هنا.سنظل بحاجة إلى فرنسا وستظل بحاجة إلينا؛وستزداد هذه العلاقات قوة في مستقبل عولمي محكوم بالتقارب وتلاشي الخصوصيات. في كل هذا تظهر اللغة الفرنسية كرافعة أساسية لكنها لا تتحرك إلا على قاعدة واحدة ؛وهذا ان كان لازما في رافعات الموانئ مثلا، فهو عيب في العلاقات بين الدول التي تطمح إلى إدماج جميع الشرائح الاجتماعية حتى لا تستفيد فئة فقط وتخسر أخريات. لقد سحبت فرنسا كل رموز استعمارها الظاهرة، لكنها خلفت وراءها لغتها لتديرها ،لأول مرة, نخبة البلد المسيِّرة؛ولعلها لم تفكر قط في العودة إليها لمراجعة مآلاتها على مدى عشرات السنين التي تفصلنا عن الاستقلال. ان استقراء الحاضر التعليمي المغربي ،من زاوية اللغة الفرنسية,يجعلنا نجزم بأن الفرنسية التي أدارت أمرها فرنسا ،طيلة الحماية،وجعلتها حقا- مُحرَّضا على ممارسته- لكل تلميذ مغربي يلج مؤسساتها التعليمية ؛هي غير الفرنسية الغنيمة التي أدارتها النخبة الحاكمة في المغرب المستقل،بكل خبث لغوي . ان الفرنسية التي أقبل عليها المغاربة باعتبارها نافذتهم الوحيدة صوب الحداثة ؛خصوصا وقد أشاعتها دولة الحماية في الحضر والسهل والجبل،وشجعت عليها ،أُدخِلت مَخزنَ الاحتكار لِتُسَرَّب عبر الأبواب الخلفية إلى مؤسسات بأبواب موصدة لا تعرف العامة الطريق إليها؛بل وبُغض إليهم حتى السؤال عن وجهتها. أما باب المخزن الكبير هذا فقط عُلقت به معلقات من أناشيد الوطنية تحت لافتة التعريب الكبيرة. هكذا تكون فرنسا الاستعمارية قد حققت العدل اللغوي ،حتى في ما يخص العربية والأمازيغية،في حين وضعت الحكومة الأولى،في المغرب المستقل، بنيات حيف لغوي نعاني منه اليوم أكثر من أي وقت مضى. ان قناعة إشاعة اللغة والثقافة الفرنسيتين بين جميع المغاربة – وان لم تتحقق كاملة لعوامل ذاتية وموضوعية- عوضها نقيضها تماما: توظيف هذه اللغة لتحقيق نوع من الانتخاب الطبقي الذي يُمكن النخبة المسيرة من إعادة إنتاج نفسها. نحن اليوم ،لغويا ،أمام نظام تربوي متوحش ،خارج النظام الرسمي الذي تؤطره المراسيم و القوانين والمذكرات التنظيمية،معززة بأطقم بشرية مركزية وجهوية وإقليمية . كل مؤسسات التعليم الخاص الراقية ،تشتغل- لغويا- ضمن النظام المتوحش .يبدأ فرنسيا في المرحة الأولية ليستدخل ،بعدها،باستحياء، اللغة الدستورية الأولى؛ولا ذكر إطلاقا للأمازيغية ،لأن لا أحد يرغب في المغامرة برأس ماله.الأمازيغية التعليمية تقتحم قلاع الأمازيغيات لتفسدها. الآباء يريدون هذا . جواب تسمعه حينما تريد أن تفهم؛ويؤكد صحته كونهم يدفعون ويدفعون ،دون شَكاة.يتجاوز الواجب الشهري،أحيانا ،راتب موظف عمومي في أعلى السلم. هل هو مكر التاريخ أن يُصار إلى مغرب مستقل، تُحْرمُ فيه الطبقة الشعبية التي شكلت العمود الفقري للحركة الوطنية ،من غنيمة المستعمر؟ وفي الضفة الأخرى تعاني فرنسا اليوم من صعوبة اندماج أجيال العمال المغاربة الذين توافدوا عليها ،منذ انفتاح أوراش الأعمال الكبرى،عقب الحرب العالمية الثانية؛وهي غير منتبهة الى السبب ؛ولا مدركة للحلول خارج مقولة الإسلام الأصولي المتشدد. يعود السبب الى أن هؤلاء العمال من الذين حرموا من غنيمة الفرنسية في بلدهم ؛بل وأقصاهم النظام التربوي المغربي كلية ،ولم تستوعبهم حتى سوق الشغل. وخير دليل أن الأطر العليا المغربية لا تعاني مشكلا في ما يخص الاندماج في المجتمع الفرنسي. ان مقولة الإسلام الأصولي المتشدد نتيجة وليست سببا؛ومن هنا ضرورة تعويضها بالحيف اللغوي والثقافي الممارس في حق الفئات الشعبية.هذا الحيف هو أصل الداء حتى في المغرب ،في ما يخص التطرف ؛وكم أستغرب حينما أسمع من ينال من التربية الإسلامية النظامية ،دون أن ينتبه الى أنها صمام الأمان . ان الطبيعة لا تحب الفراغ ،وكذلك العقيدة ؛فإذا لم ترب أنت فسيظهر من سيربي على هواه. أتعجب للسيد عصيد حينما يلقي الكلام هكذا على عواهنه دون دراية بالحقل الذي يتحرك فيه.تماما كما يفعل عيوش. ان كل المؤشرات تدل على أن مستقبل العلاقات المغربية الفرنسية يجب أن يتجاوز الرهان على النخب الى الرهان على الشعبين. من كان يتصور أن يصبح المغرب قبلة ل " اليد العاملة" الفرنسية التي لا تقدر حتى على السكن في الأحياء الراقية ،كما كان يحصل سابقا. ومهما يكن من أمر الحيف اللغوي الثقافي فإنني لاأقول بعودة فرنسا لتدبير لغتها في المغرب ،بكيفية مباشرة لأنني أثق في مقدراتنا التربوية والتدبيرية شريطة أن يفسح لها المجال ،وفق نفس الزخم الذي تم التعامل به مع عيوش ومن معه. ثانية الأثافي: تتمثل في هذه الأمازيغية التي انتقلت من مطلب لغوي ثقافي مشروع ؛فقط في زمننا المغربي الحديث،لأنه مطلب بدون تاريخ،كما يشهد حتى تراث الدول المغربية الأمازيغية المتعاقبة ؛التي لم يكن بعوزها السيف والقلم لتقضي كلية على الفصحى ،وتنطق حتى الطيور بأهازيج الأطلس والريف. أقول انتقلت من مطلب لغوي ثقافي إلى معيار لقياس هوية المغاربة ؛ تماما كما كان علماء النازية وهم يقيسون جماجم الألمان لانتقاء الجنس الآري الخالص الذي سيحقق الإنسان الأسمى الذي حلم به نيتشه. ثم بدل تشكل مجموعات ثقافية منتجة تبهر المواطنين، خصوصاغير الأمازيغ، وتغريهم وتشوقهم الى التأهل اللغوي الأمازيغي – كل حسب أمازيغية جهته- ،تشكلت كتائب عرقية مُؤَطرة ،صوتيا ورقميا –وغدا عضليا- لتمارس أشكالا من الإرهاب ،دونها إرهاب الدين ؛لأنها لا تقبل نصرة ،أو رأيا من أحد، ما لم يكن على لغتها المعيارية الافتراضية التي أنتجها بروتوكول أمازيغي سري ،الله وحده يعلم كل تفاصيله. لقد وثقت الملكية في طرح أمازيغي معتدل ،ومتفهم لخصوصية المغرب العقدية واللغوية ؛وبرهنت على ذلك ،قولا وعملا،سواء من خلال خطاب أجدير ،أو ظهير تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ،لتختم برعاية دستور اشتغل لغويا بكل وضوح ،ووعد بتنزيلات تفصيلية لا حقة . وقد تعاملتْ بكل ثقة أيضا ،وهي تحدد لائحة من نشطاء الأمازيغ – فقط- للدخول الى الركح العلمي ؛غير مستحضرة أن نشطاء العربية يعنيهم أيضا حتى أمر الأمازيغية؛ مما يجعل حضورهم في المعهد،ضمن زملائهم الأمازيغ، ضرورة ملحة ليتحقق التوازن والتشارك ،خدمة للغتين معا . اليوم نحن أمام نتائج صادمة في قمة الخذلان لثقة مولوية لا تزال مجرد حلم في دول الجوار : *معيرة غير قائمة على أسس علمية لسنية؛ولا على مقتضيات واقع لغوي أمازيغي متنوع،ولا على معطيات لغوية ديموغرافية. *رسم أبجدي تعوزه آلاف السنين من الاكتمال و التطور والصقل ،عبر الى الايركام غير منتبه الى ما مر به في طريقه من رسوم أبجدية عربية وغير عربية. رسم صادم للعين ،ومثقل للأنامل حتى حينما تقبل عليه . رسم يقولون بأنه أصبح قدرا منزلا لا نقاش فيه ؛ويرفعون أمره الى المقام الملكي السامي باعتباره محسوما في أمره. *تسويق فج للمعيارية والأبجدية معا ؛فبدون تجريب على مستوى الجهات – يشمل الراشدين والمتمدرسين والمدرسين- تم بناء برامج مدرسية ،وتأليف كتب مدرسية- بكيفية أحادية لم يزكها أحد من أكاديميينا اللغويين . وفي انغلاق تام إزاء النقد أصبح تعامل الساحة التعليمية مع هذا المكون اللغوي في منتهى الارتجالية والفوضى:من الإهمال التام المصحوب بالتبخيس الى التعصب الأعمى والجهر بحقارة الفصحى... *ومن الناحية السياسية يبرز مستوى غريب من النقاش ،يبدأ لغويا لينتهي إلى عرقية مقيتة وتعريض صريح ومؤلم بلغة القرآن الكريم ،وبالأمة العربية قاطبة ؛وكأن قوم الغلاة لا ينتظرون غير التوقيت المناسب لتنقضوا على تلاحم وطني أنتجته العقيدة واللغة وقرون من التشارك. *وأكثر من هذا –وفي غياب العمل اللغوي والثقافي الجاد الذي يلح عليه خطاب أجدير- وصل الأمر الى النيل من المصالح العليا الخارجية للبلاد الواجبة المراعاة ؛وبصفة خاصة عدالة القضية الفلسطينية التي يعتبر المغرب الرسمي والشعبي من أشرس المدافعين عنها. *التهافت والتفرد بصياغة مشروع القانون التنظيمي للأمازيغية ،دون اشراك جميع الفاعلين المعنيين بالسياسة اللغوية. لولا اليقظة الملكية التي ألزمت بسحب المشروع لكنا أمام حرج تشريعي كبير. ثالثة الأثافي: ما صبَّحنا به السيد عيوش ومن معه من كونه ،ومنذ سنوات، يعتمد نظاما تربويا خاصا بمؤسسات ،مبثوثة في الأوساط الشعبية فقط. لم تجد جمعيته التي تدير هذا القطاع الفوضوي هدية تقدمها لأبناء الفقراء المغاربة عدا الدارجة لغة للتعليم في مرحلة ابتدائية من ثلاث سنوات فقط. ويؤكد –وهنا لا بد يستغرب كل عارف بالقطاع – بأن تلاميذ هذه المؤسسات يتفوقون على تلاميذ المؤسسات العمومية في الامتحان الاشهادي ،وهو يتطلب كما نعلم ست سنوات ،عدا سنتي التعليم الأولي. هذا نظام تروي آخر متوحش ،لكن في الاتجاه المعاكس للنظام المفرنس الغالي الثمن. نظام عيوش نبت كالفطر على هامش كل الترسانة التشريعية المنظمة للحقل التربوي.بل وخارج الدستور الذي حدد التراتبية اللغوية المعروفة. نظام متوحش لم يجد راعيه غضاضة في الإعلان عنه ،جهارا نهارا ،كأي إشهار تجاري من اشهاراته. والأدهى أنه يرغب في تحكيمه في رقابنا ،حتى لا يتحدث أحد- مستقبلا-أو يكتب، بالفصحى الا مهربا لنصوصه خارج المغرب. لا مبالغة في هذا واسألوا الأقلام التي انبرت من الآن للكتابة بالدارجة والاصطفاف الى جانبها ،بكل خذلان للغة فصحى لم تعطها بعد كل فرصها لتؤطر الحداثة في جميع الدول العربية. ورابعة الأثافي ،ان شئنا، هذا الحلف الذي افترضت فقط وجوده – في مقال سابق- بين عيوش وبعض النشطاء من الأمازيغ؛فإذا به ، فعلا،' حية تسعى". انه حلف حقيقي لتدمير لغوي من أخطر ما نتعرض له، منذ عزل الجالس على العرش،المرحوم محمد الخامس، ونفيه مع أسرته خارج البلاد. ألسنا ،مع كل هذا ،بحاجة الى أمن لغوي؟ حتى الحكومة يبدو أنها غير مهتمة بما يجري ؛وهي لا تسائل عيوش من أين لك هذا؟ هذا الذي يجعلك تعلن أمام المغاربة قاطبة أنك ترعى نظاما تربويا خارج التشريع. وزارة التربية الوطنية والتكوين التي أصبحت تضرب حتى المطالبين بمجرد حقوقهم الإدارية لم يصدر عنها أي موقف لغوي معلن ،لطمأنة آباء وأولياء التلاميذ الذين لا يزالون يثقون بأنها تدبر القطاع . هل أصبحت الساحة التربوية مستباحة الى هذا الحد؟ كيف نأمن ألا يظهر ،مرة أخرى "روكي" آخر يتحرش بلغاتنا الوطنية؟(لفظ الروكي كان المغاربة يطلقونه على كل خارج عن العرش). كيف نعيد الثقة إلى كل الناطقين بالأمازيغيات العديدة في الجهات ،والتي يرونها اليوم مهددة بأمازيغية أغلبها مخبري ميت ،وبحروف تجعلهم يفكرون ليس في القلم وإنما في الممحاة. لا تحقير لأنها مجرد صناعة فرنسية أكملت بعض ما تبقى من رموز سحرة الطوارق في الجنوب الجزائري؛ ولدي السند من الأرشيف الفرنسي. أمازيغية مخبرية فاقدة لكل الأحاسيس الإنسانية؛ لم يبك بها أحد ولم يضحك بها أحد.لم يحب بها أحد ولم يكره بها أحد. أهازيج الرعاة الأمازيغ في الجبال أصدق تعبيرا منها.حتى الشعر الأمازيغي يتحاشاها . انه حق الأمازيغيات الجهوية التي لم يقل أحد بأنها غير صالحة للتعليم. ان الدعوة موجهة إلى كل سياسيينا ليفكروا بجدية في ميثاق للأمن اللغوي في المغرب. ولِتعلم كلُّ الكتائب الرقمية المعروفة أن سِبابها - وحاشا أن يكون نقاشا-مرحب به ما دام يقيم الحجة على صدق المضمون،ونبل المطلب. [email protected] Ramdane3.ahlablog.com