على مدى سنوات حظي موضوع المرأة باهتمام عدد من المؤسسات والهيئات الوطنية، التي دأبت على إصدار تقارير تتناول وضعية المرأة على مستويات عديدة. وتتباين صورة المرأة في هذه التقارير بين الإشادة بما تحقق من إنجازات لصالحها على المستوى القانوني والاقتصادي والاجتماعي وبين رصد المعيقات التي تحول دون أن تبوئها المكانة التي تستحقها. وسيحاول هذا المقال تتبع صورة المرأة في أهم التقارير الوطنية؛ بداية من تقرير الخمسينية الذي جاء كاستجابة لخطاب الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى الاستقلال سنة 2003، وصولا إلى تقرير لجنة النموذج التنموي الذي تم تقديمه للملك محمد السادس في ماي 2021. تقرير الخمسينية جاء تقرير الخمسينية استجابة لخطاب الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى عيد الاستقلال 20 غشت 2003، وهو تقرير يقيم 50 سنة من التنمية في المغرب منذ الاستقلال ويستشرف آفاق مغرب 2025. وقد خصص التقرير حيزا للحديث عن وضعية المرأة المغربية، مستحضرا الأدوار التي لعبتها في تطور الإمكان البشري. واعتبر التقرير أن المرأة المغربية استطاعت بفضل كفاح طويل قطع أشواط مهمة لا ينكرها أحد. ويبدو أن السياق الذي صدر خلاله التقرير جعله يركز على الإنجازات التي تحققت للمرأة المغربية، خاصة ما يتعلق بإصلاح مدونة الأسرة وقانون الجنسية. وسجل التقرير أن هذه المبادرات المتقدمة لتتويج النشاط الدؤوب لحيوية الحركة النسائية ونضالها جاءت نتيجة طبيعية للانفتاح السياسي والديمقراطي. وعموما، فقد قدم هذا التقرير صورة إيجابية عن المرأة والحركة النسائية التي كانت آنذاك تسعى إلى توسيع دائرة المشاركة المواطنة وتثبيت هوية المجتمع المدني. تقارير وزارة التضامن والمرأة دأبت وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة على إصدار عدد من التقارير التي تهم وضعية المرأة. وتنقسم هذه التقارير إلى تقارير يتم بعثها إلى الأممالمتحدة تنفيذا لالتزامات المغرب مع المنتظم الدولي، وتقارير أخرى وطنية تتناول وضعية المرأة في قضايا محددة. وقد تطرقت التقارير التي تم تقديمها أمام لجنة وضع المرأة بالأممالمتحدة إلى الإجراءات التي اتخذها المغرب من أجل تمكين المرأة اقتصاديا في عالم الآخذ في التغير، كما هو الشأن بالنسبة للتقرير الذي تم تقديمه في الدورة ال61 للجنة وضع المرأة في مارس 2017. واستعرض هذا التقرير أهم الأشواط التي قطعتها المملكة المغربية في مسيرة تمكين النساء، خاصة على المستوى الاقتصادي، معتبرا أن المرأة كانت، ومازالت، في قلب دينامية الإصلاح، وفي صلب الحراك والبناء الاقتصادي الذي تشهده بلادنا، كما استعرض هذا التقرير الآفاق المستقبلية لأوضاع المرأة في المغرب. أما في سنة 2021، فقد قدم المغرب تقريرا إلى لجنة وضع المرأة حول موضوع "المشاركة الكاملة والفعالة للمرأة واتخاذها القرارات في الحياة العامة، وكذلك القضاء على العنف لتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة وجميع الفتيات. واستعرض هذا التقرير جميع الإجراءات والبرامج التي قام بها المغرب من أجل ملاءمة تشريعاته الوطنية مع الاتفاقيات الدولية، كما تطرق لتمثيلية المرأة في مختلف الهيئات الدستورية ومراكز اتخاذ القرار. وخلص التقرير إلى أنه "بالرغم من كل هذه المستجدات المهمة، يبقى موضوع المساواة بين الجنسين، وخاصة مشاركة المرأة الفعالة في الحياة العامة، موضوعا متجددا يطرح رهانات جديدة بفعل الدينامية الاجتماعية المتغيرة". ولفت التقرير إلى أن الاهتمام بموضوع المساواة يبقى رهينا بمواصلة تطوير آليات التدخل المؤسساتية وتعزيز الترسانة القانونية وتوفير الشروط اللازمة لمراكمة شروط الرقي بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية والثقافية للمرأة. من جهة أخرى، أصدرت وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة عددا من التقارير حول ظاهرة العنف ضد النساء. في هذا الصدد، أصدرت الوزارة سنة 2015 أول تقرير لها حول العنف ضد النساء؛ وهو تقرير تم انطلاقا من التحليل الإحصائي للمعطيات المستقاة من خلايا استقبال النساء ضحايا العنف الموجودة على مستوى محاكم المملكة والمستشفيات ومراكز الشرطة. وسجل التقرير أن الفئة العمرية للنساء ما بين 18 و45 سنة هي الأكثر تعرضا للعنف بجميع أشكاله، كما أشار إلى أن نسب العنف الجسدي المسجلة بمختلف الخلايا تظل الأكثر ارتفاعا. مقابل ذلك، أصدرت الوزارة في يوليوز 2019 نتائج البحث الوطني الثاني حول انتشار العنف ضد النساء بالمغرب. وكشف هذا البحث، الذي أنجز على مستوى جهات المملكة، أن نسبة انتشار ظاهرة العنف على الصعيد الوطني تصل إلى 54.4 في المائة. كما وضع العنف النفسي على رأس أشكال العنف الذي تتعرض له النساء في المنزل والشارع وأماكن العمل. ولا يختلف هذا التشخيص عما توصلت إليه المندوبية السامية للتخطيط، التي أكدت في مذكرة إخبارية لها العام الماضي بمناسبة ذكرى اليوم العالمي للمرأة أن 57 في المائة من نساء المغرب تعرضن سنة 2019 لأحد أنواع العنف. موقع المرأة في النموذج التنموي خصص تقرير النموذج التنموي، الذي تسلمه الملك محمد السادس العام الماضي من طرف لجنة عينها لهذا الغرض، حيزا مهما للحديث عن دور المرأة في التنمية. وقدم هذا التقرير عددا من التوصيات من أجل دعم استقلالية النساء وضمان المساواة بين الجنسين. واعتبر التقرير أن ولوج النساء إلى الشغل من شأنه أن يساهم في الرفع من الناتج الداخلي الخام بنسبة تتراوح ما بين 0.2 في المائة و1,95 في المائة، فضلا عن انعكاساتها الاقتصادية الإيجابية. كما رصد التقرير ثلاث رافعات أساسية من شأنها توسيع المشاركة النسائية وتحقيق استقلاليتهن؛ وذلك من خلال رفع الإكراهات الاجتماعية التي تحد من مشاركة النساء، لا سيما من خلال تعزيز الحماية الاجتماعية للنساء النشيطات خلال فترة الحمل والأشهر الأولى بعد الولادة، وإقرار المساواة في الأجور، ودعم آليات التربية والتكوين والإدماج والمواكبة، وكذا النهوض بقيم المساواة والمناصفة وتنميتها وعدم التسامح مع كافة أشكال التمييز ضد المرأة.