بنَفس دفاعيّ عن جهود الوزارة في إصلاح منظومة العدالة وآخر تفاؤلي بشأن مواجهة تكاليف وثمن تلك الجهود، تحدث وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، ب"افتخار" عن المسار الذي اتخذه الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، الذي أفرز ميثاقاً، اعتبره مشروعا للدولة وليس فقط للقضاة، مشيرا إلى أن هذا الإصلاح ستؤدي فتورته الوزارة، التي ستتحول إلى مؤسسة تقنية مُهمتها فقط البناء والتجهيز والتحديث والإدارة، فيما سيذهب "الجزء السيادي" فيها إلى جهات أخرى، على حد تعبير الرميد. "بطبيعة الحال المغاربة غير راضون عن القضاء في بلدهم"، يجيب الوزير على سؤال لهسبريس، على هامش اللقاء الصحفي الذي نظمته وكالة المغرب العربي للأنباء اليوم بالرباط، مشددا على أن هناك تحسّنا بالمقارنة مع السنوات السابقة، "ينتظرنا عمل كبير لكي نصل إلى مستوى متقدم من الرضا لدى المغاربة"، يضيف الرميد. وتحدث الوزير، أثناء الندوة التي حضرها ممثلون عن السلطة القضائية والهيئات الحقوقية، عن كون مراحل إصلاح منظومة العدالة، الشاملة للقضاء، لم تنتهي بعد، مشيرا أن الذي يُميّز المرحلة الراهنة هو البعد الشامل والعميق، "الذي يتجاوز المقاربات السابقة والسائدة"، معتبرا أن هذه الأخيرة لم تذهب بعيدا لسبب المنهجية المتبعة، مضيفا في الوقت ذاته أن المنظومة القضائية عرفت اختلالات، "إلا أن خطاب 9 غشت 2009 شكل مرجعا مؤسسا للدعوة إلى إصلاح العدالة بالمغرب". إطلاق حوار وطني "تاريخي" وأشار مصطفى الرميد إلى أن الوزارة اعتمدت من أجل الوصول إلى بلورة الميثاق إصلاح منظومة العدالة، الذي تم تقديمه يوم 12 شتنبر الماضي أمام رئيس الحكومة بعد موافقة الملك، على إجراء حوار وطني شامل وعميق، عبر مؤسّستين، هما الهيئة العليا لإصلاح منظومة العدالة، المكونة من 40 شخصية، ثم هيئة إدارة الحوار الوطني، المكونة من أكثر من 190 مؤسسة، فيما تم تنظيم 11 ندوة وطنية في مختلف المدن المغربية. وحول الجدال والانتقادات التي واجهت عمل الهيئة العليا، ردّ المريد بأنه الانتقادات حول تمثيلية وتكوين الهيئة أمر عادي، مشيرا إلى أن الاحتجاجات التي قامت ضد الحوار والميثاق لم تكن مفاجئة له، "أفهم بواعث تلك الجهات وأعيها وهي واضحة للعيان"، مستغربا في الوقت نفسه رفض "الجهات"، التي لم يسمها، لبعض نصوص الميثاق رغم مشاركتها في إنجازه. "لم يكن هناك إصلاح ما عبر التاريخ مرّ في صمت، ولم يقابل بالرفض من أي جهة" هكذا أقفل الرميد قوس تعقيبه على الاحتجاجات التي صاحبت صدور ميثاق العدالة، معتبرا أن أي إصلاح لا بد أن يكون له ثمن وتكاليف، فيما أكد أن بعض المقاربات التي تعبر عن اختلاف وجهات النظر أمر طبيعي ويمكن تفهمه، "اجتهدنا ما وسعنا الاجتهاد لتكون الهيئة مستوعِبة للكفاءات ولأغلب الهيئات والفعاليات". الحوار لا زال مستمرا.. في غضون الأسبوع القادم، ستخرج الصيغة النهائية لمشروعيّ قانونَيْن مهمَّين، هما "المجلس الأعلى للسلطة القضائية" و"النظام الأساسي لرجال القضاء"، هذا ما قاله الرّميد، الذي أوضح أن تلك الصيغة جاءت بعد إجراء حوار وطني شاركت فيه جميع الدوائر القضائية بالمغرب، وذلك بعد توصل الوزارة باقتراحات 4 جمعيات (الودادية الحسنية للقضاة، والمرأة القاضية والجمعية المغربية للقضاة ونادي قضاة المغرب). وفيما أشار الرّميد إلى أن المشروعين سيأخذان مَسَارُهما الطبيعيّ صوب الأمانة العامة للحكومة والديوان الملكي ثم المصادقة عليهما في المجلس الوزاري، ثم البرلمان، قال إن السنة القادمة ستكون حُبلى بالحوار وإصدار قوانين هامة تتعلق بقانون المسطرة المدنية والتنظيم القضائي وقانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، ومدونة التجارة.. إضافة الى نصوص تهم مهن المحاماة والتوثيق العدلي والتوثيق العصري والمفوضين القضائيين..فيما أكد على خروج نص جديد حول مسطرة العفو، في الشهور القليلة القادمة، بعد فضيحة العفو عن البيدوفيل الإسباني دانيال كالفان. "الصراع" مع المحامين "ليس بيني وبين المحامين معركة كبيرة ولا صغيرة"، هكذا ردّ المحامي الأسبق الوزير الحالي حول الاحتجاجات الأخيرة التي نقلها محامون أمام قبة البرلمان، مطالبين بإسقاط ميثاق إصلاح العدالة، مشيرا إلى أن الخلاف حاصل فقط مع "جهات" قال إنها لم تحدد التوصيات التي ترفضها في الميثاق، "لأنها أصلا غير قادرة على إعلانها وسيُدخلها في مواجهة بين المواطنين والجمعيات الحقوقية". واعتبر الوزير الإسلامي، الذي عبّر عن غضبه من احتجاجات زملائه، أن المحامين يرفضون بندا في الميثاق يتحدث على أن النقيب "لا يجوز انتخابه إلا مرة واحدة"، "هناك من يريد أن يبقى مخلدا على رأس النقابات"، مضيفا أن هناك فئة من أصحاب البدل السوداء يُريد خوصصة المهنة، إضافة إلى ما يتعلق بالمجلس التأديبي "الذي أعطينا فيه الحق للمواطن كي يشتكي مباشرة للنقيب". واستغرب الوَزير لعدَم اعتبار القضاة أنفسهم تلك البنود مسّاً باستقلالية القضاء، مُتهما بعض المحامين بالسعي إلى تحويل المحاماة ل"ضيعة خاصة يتصرف فيها كيف شاء"، مضيفا "استقلال القضاء عندنا أهم من استقلال مهنة المحاماة"، يضيف الرميد، الذي شدد على ضرورة إصلاح المهنة وتخليقها، "المحاماة ستكون بلا شك هي الفائزة في هذا الإصلاح".