كما كل صباحاته التي لا تحمل لنا سوى الفواجع, اقتحم علي "فيسبوك" صباحي بفاجعة أخرى تنضاف إلى سابقاتها، ليحمل إلي خبر رحيل صديق عزيز وفنان مقتدر وأحد رواد الفن الكاريكاتوري بالمغرب والوطن العربي. رحل عنا اليوم الفنان عبد السلام المريني الذي عاش بشخصية مسكونة بهموم الفن والإنسان، ليلتحق بزمرة من رفضوا أن يعيشوا في زمن التفاهة تاركا فراغا آخر وجرحا أليما يغوص في نفوسنا ونفوس أفراد عائلته ومحبي فنه. رجل خبر الصبر والأنفة وشموخ الرجال في صراعه مع الحياة والمرض والإهمال، حيث جعل من شرارة ريشته عنوانا للسخرية والرفض والإبحار في انتظارات اليومي.. كما كان صرخة في وجه بشاعة الزمن على امتدادات العمر. رحل "السي عبسلام" كما كنت أحب أن أناديه كلما سنحت لي فرصة زيارته ببيته بمدينة طنجة للاطمئنان على أحواله والاستمتاع بنقاشاته الفنية والسياسية الساخرة وهو يتحدث بلكنته الزيلاشية المعهودة نسبة إلى مسقط رأسه مدينة أصيلة التي ولد بها سنة 1952 ليترك وراءه إرثا فنيا حافلا بالسخرية والمواقف الإنسانية وبالمنع أيضا. هو الذي اشتغل بأكثر من 13 منبرا صحافيا، وحاز على العديد من الجوائز محليا وعربيا، كما تم الاحتفاء به وبفنه في مناسبات أثبت فيها حضورا متميزا ومتحديا آلام المرض. رحيله يضيف إلى محكمة الصمت والتهميش جلسات أخرى ستظل مفتوحة على معاناة الفنان.. جلسات تؤكد بقاء الحال على حاله. وقد صدق الشاعر د. عبد الجواد الخنيفي حينما كتب منذ خمس سنوات كلمة في حق الراحل وهو يصارع المرض، حيث قال: "فبعد كل هذا وغيره، وقبله وبعده... كيف نفسّر هذه الرغبة الجامحة في الصمت تجاه الفنان المريني؟ وكيف يتلمّسه هذا الراهن الأعمى الذي لم نعد نعرف له لا أفقا ولا طريقا؟ وماذا نقول حيال هذا النفي لرمزية الفنان وتغريب قامته بين شموخ طنجة ومسؤوليها بإدارة الظهر لكل ما قام به من مواقف إنسانية في الفن وفي الحياة؟ هو الذي لم يقتنص يوما فرص الواقع الجديد وسيناريوهاته! بل ظل على مسافة، حتى من الأضواء ولهفة الحضور". رحم الله الفنان الكبير "السي عبسلام" المريني الذي وإن غادرنا جسديا فهو باق بيننا، روحيا وفنيا بإبداعاته التي تلخص قيم المحبة وعزة النفس، جاعلا من مدينة طنجة رفقة آخرين جسرا ممتدا على فن الكاريكاتير.