من بين البنود التي تضمّنتها مدوّنة الأسرة، التي صادق عليها البرلمان سنة 2006، رفْعُ سِنّ الزواج إلى 18 سنة، وهو البُند الذي كانت المنظمات النسائية تتوقع أن يساهم في تخفيض زواج القاصرات، غير أنّ العكس هو الذي حصل، إذ انتقل عدد القاصرات المتزوّجات، سنتين قبل المصادقة على مدونة الأسرة، أي في سنة 2004، من 18341 زيجة، إلى 39 ألفا خلال سنة 2011، حسب أرقام صادرة عن وزارة العدل. لماذا لم تستطع مدوّنة الأسرة تقليص زيجات القاصرات؟.. نجاة إخيش، رئيسة مؤسسة "إيطو" للنساء ضحايا العنف، تقول، جوابا على السؤال، إنّ هناك أسباباً عديدة وراء استمرار زواج القاصرات، خصوصا في العالم القروي، يأتي في مقدمتها انقطاع الفتيات عن التمدرس، حيث اعتبرت أنّ الفتاة القروية بمجرد انقطاعها عن الدراسة وقعودها في البيت، "يبحث لها أهلها عن زوج، حتى لا تظلّ عالة عليهم، وهذه مسألة خطرة جدّا". وأضافت إخيش، في اتصال مع هسبريس، أنّ هناك عواملَ أخرى تساهم في استمرار زواج القاصرات، منها ما هو ثقافي، ومنها ما هو مرتبط بالأعراف والتقاليد المتوارَثة، والتي تجعل البعضَ ينظر إلى المرأة على أنّها "خُلقت من أجل الزواج والإنجاب فقط"، ومضت قائلة "مثل هذه الأفكار التي كانت سائدة خلال العقود الماضية، والتي ما تزال مستمرّة إلى اليوم تدلّ على أننا نعود إلى الوراء عوض أن نسير إلى الأمام"، منتقدة استمرار العائلات في تزويج القاصرات، "حيث إنّ هناك طفلات يتزوّجن في سنّ 12 أو 13 سنة، وبعد عام أو عامين من الزواج تأتيهنّ العادة الشهرية" من الأسباب الأخرى التي عدّدتها نجاة إخيش، التي تشتغل المؤسسة التي تترأسها، بالخصوص على نساء العالم القروي، الفقر، موضحة أنّ الأسر الفقيرة التي لديها بنات، وليس لديها ما تعيل به أبناءها، تضطر إلى تزويج الفتاة في سنّ صغيرة، "من أجل التخلّص منها ومنحها لرجل آخر ليعيلها"؛ إخيش انتقدت المفهوم السائد للزواج لدى المغاربة، قائلة إنّه يكون في الغالب مبنيا، لدى الرجال، على إثبات أنهم ليسوا عاقرين، "لذلك بمجرّد ما يتزوّجون يشرعون في الإنجاب". وربطت رئيسة مؤسسة "إيطو" للنساء ضحايا العنف بين تمدرس الفتاة وتخفيض زيجات القاصرات، قائلة إنّ على الدّولة، إذا أرادت أن تحدّ من هذه الظاهرة، أنْ تضمن حقّ التمدرس للفتيات، خصوصا في العالم القروي، "لأننا إذا ضمِنّا الحق للفتيات في التمدرس، ووفرّنا لهنّ مقرات الإيواء الكريم، والتغذية وظروف التحصيل العلميّ الجيّدة، فإنّ الفتاة ستتمكّن، على الأقل من إتمام دراستها إلى حدود الباكالوريا، وحينها ستكون قد بلغت من العمر 18 سنة، وهي السنّ التي حددّتها مدوّنة الأسرة سنّا قانونية للزواج". علاقة بذلك، انتقدت إخيش الإحصائيات الرسميةَ بخصوص تفشّي الأمية في صفوف النساء بالعالم القروي، قائلة إن هذه الإحصائيات بعيدة كل البعد عن الحقيقة، وأنّ الرقم الحقيقي للأمية في صفوف نساء العالم القروي، تصل إلى 90 بالمائة، على حدّ تعبيرها، مضيفة أنّ الفتيات عندما يَصِلْن إلى مستوى السنة السادسة من التعليم الابتدائي ينقطعن عن الدراسة، لبُعْد الإعداديات، وهو ما يدفع الآباء إلى عدم السماح للفتيات بمتابعة الدراسة. وإذا كانت إحصائيات وزارة العدل تحصر عدد زيجات القاصرات في حدود 40 ألف زيجة، فإنّ رئيسة مؤسسة "إيطو"، تعتبر أرقام زيجات القاصرات بالعالم القروي أكبر بكثير، قائلة "أربعون ألف زيجة، رقم رسميّ، وما خفي أعظم، لأن زواج القاصرات بالعالم القروي يتمّ بشكل مكثف، وهناك طفلات يتزوجن في سن 7 أو 8 سنوات"، وذهبت إلى أنّ الأرقام الصادرة عن وزارة العدل والحريات تتعلق بالحالات المسجّلة لدى المحاكم، "أما ما لم يصل إلى المحاكم فهو أكثر بكثير". وبخصوص الأسباب التي جعلت الدولة عاجزة عن الحدّ من زيجات القاصرات، رغم تحديد مدوّنة الأسرة لسِنّ الزواج القانونية في 18 سنة، قالت نجاة إخيش، إنّ المسؤولين يُرجعون ذلك إلى "العادات والأعراف والتقاليد"، وأضافت أن القانون يجب أن يسموَ على الأعراف والتقاليد والعادات، "والقانون يجب أن يطبّق على الجميع، وفي ربوع البلاد، وعدم تطبيقه معناه أنّ الدولة ليست قادرة على تطبيق القانون"، تقول نجاة إخيش.