تعوّد المغرب والمغاربة على الخيبات ليس في الرياضة وحسب، بل في مجالات عديدة، وخيبة الخيبات هي تعود بعض صناع القرار على التغطية على تلك الخيبات ببعض الإنجازات وأغلبها من طبيعة التطور؛ إلا أنهم يربطون تحققها بأفضال بركاتهم السحرية وعبقرياتهم الفذة ... وبذلك، تبتعد البلاد غالبا عن مواجهة أسباب الخيبات وعوامل السقطات، فلا نضيع التطور والزمن والجهود والأموال فقط، بل تتم محاصرة الأمل وتغذية عدم الثقة أيضا. مسؤولية الكرة وغياب المساءلة طاحت الفرقة سيعلقون بعض اللاعبين، وحتى المدرب "بعض الشيء" وتشغيل ضغط المباريات المقبلة، لتفادي مساءلة الأسباب ومحاسبة الفساد وصناعة الأوهام والتبذير وسوء التدبير... أجل، ينبغي الآن العودة إلى العقد المبرم مع المدرب "الدولي" خليلوزيتش، هل يتضمن فعلا شرط مرور الفريق الوطني لكرة القدم على الأقل إلى نصف نهاية كأس إفريقيا؟... لكن قبله وبعده هناك "مسؤولون" عن الكرة وعن الرياضة وعن "السياسة "في المجال... والمعنى الحرفي للكلمة: من يطرح عليهم السؤال؟ ولا ينبغي أن يتحولوا كما يفعلون عادة إلى "سائلين" بالمعنيين يطرحون الأسئلة عوض الإجابة عنها، ويسألون "التجاوز والنظر للمستقبل" وغيره كثير لتبرير المحافظة على الأوضاع كما هي، بل قد يعززون كما السائل في الزقاق سؤالهم ب"دعوات" الخير والنجاح والنماء والفلاح... هناك وزارة تهتم بالرياضة التي أصبحت جزءا من وزارة التربية مما يعطيها أهمية أكبر... وهناك جامعة ضخمة للكرة... وللمنتخب طواقم إدارية، تقنية وصحية عريضة طويلة لا نشك في أن لبعض أفرادها كفاءة فلماذا لم يتم استثمار تلك الكفاءات؟ فيما نسمع مثلا عن النقص في الجانبين الذهني والتكتيكي كما لو أن هذين الجانبين لا يحضران إلا خلال المقابلات ولاوجود لهما إبان التحضيرات والتدريبات... ويمكن طرح بعض أسئلة من قبيل لماذا هرم إن لم يكن قد شاخ الإطار مصطفى حجي في مهمة مساعد المدرب الوطني لمدة عشرين سنة؟ ما هو عمله؟ ما هو تأثيره؟ أسئلة من هذا النوع وأنواع أخرى تطرح على مختلف مكونات المسؤولية على كرة القدم... لماذا أصبح السيد لقجع شبه نبي "يتكلظم" على المغاربة ولم يكفه ومن وراءه أو من ينفخ فيه الاعتراف بقدراته التسييرية ونجاحه في مهام كروية و"تكويرية" كذلك، فإذا به يصبح وزيرا، بعد أن كان مديرا للميزانية وما أدراك ما الميزانية، علاوة على أنه ممثل للمغرب وإفريقيا في الفيفا، ومسؤول ب"الكاف" ورئيس للجنة بها ورئيس للجامعة ومسير عن بعد لنهضة بركان و... و... فحتى لو كان سوبرمان لما استطاع القيام بالمهام الضخمة وتتبع الملفات المعقدة أحيانا التي يتطلبها كل منصب من هاته المناصب، وكأن المغرب عاقر والأطر فيه نادرة... التسيير الرياضي بين "التكوير" والتدبير غياب جودة التسيير وحسن التدبير واضحة فيما هو جماعي وما هو فردي في الأخذ بأمور الفريق الوطني في مختلف المستويات، إذ لم يسبق ربما أن توفر للفريق الوطني كل هذا العدد من اللاعبين المتميزين؛ فلديه على الأقل ستة لاعبين من أحسن اللاعبين في أوروبا إن لم يكن في العالم، ولديه لاعبون شبان بإمكانيات ومهارات هائلة ستبرز أكثر ولا شك في المستقبل، والمتتبع للبطولة الوطنية ورغم ما تعانيه من سوء تسيير يمكن أن يقترح ما لا يقل عن عشرين لاعبا في مختلف مواقع اللعب قابلين للتجريب والتأهيل والتطوير، ولا يحتاجون إلى أن تلتقط بعضهم عيون الأندية الأوروبية والخليجية حتى يتم الانتباه إليهم ... ثم أين هي فرق الأمل والشبان والأولمبي والمحلي ... وأين هي أكاديمية محمد السادس للتكوين في كرة القدم... أين لاعبوها؟ وما جدوى كل الملايير التي صرفت على الفريق الوطني ومحيطه؟ فطيلة ثلاث سنوات نادرا ما أضيف للمنتخب واحد منهم؟ فإما أن نظام التكوين والتأهيل غير صالح، أو نظام الاختيار و"الانتخاب" ما دام الحديث عن "منتخب وطني" معطوب، ولعل "النظامين" معا مهترئان ... علما أنه مع وجود إدارة تقنية متمرسة وبتخصصات متعددة، لم يعد بالإمكان الحديث عن "ناخب" وطني بالمفرد، فمدرب المنتخب ليس له أكثر من المسؤولية الأولى والحسم بين المقترحات عندما تتباين ... والمدربون المهنيون لا يقعون فيما وقع فيه خليلوزيتش من حرمان الفريق الوطني من عناصر لها موقعها فيه، ومن ضمنهم عنصران متميزان زياش وهو أحسن مغربي صانع للألعاب كرويا والذي نسي الكثيرون أنه كان نموذجا في التضحية من أجل الفريق الوطني وزميله مزراوي كمدافع أيمن يمكنه أن يعزز إحدى نقط قوة المنتخب المتمثلة في اللامع أشرف حكيمي وتمكينه من القيام بأدواره الهجومية دون عناء ولا خسائر... ولن يتخلى هذا المدرب عن مزاجيته في التعاطي مع اللاعبين والتمييز بينهم، والغريب هو أنه قضى أكثر من سنتين ونصف السنة في تجريب العديد منهم دون أن يصل إلى تشكيلة منسجمة من 24 لاعبا يمكنها أن تخوض مقابلات بخطط متنوعة مع فرق قوية مثل غانا ومصر... كنا سنتفهم معاقبة اللاعبين بعدم دعوتهما إلى مباراة أو مباراتين، أما أن يركب المدرب رأسه وكأنه إزاء فريق حي صغير بمدينة صغيرة؛ فهو يؤكد أنه لا يعي معنى تدريب فريق وطني، يتابعه الملايين بأفئدتهم ويعولون عليه لتجسيد وتجديد انتمائهم الوطني. الكرة الفرجة والدوخة والكرة اللحمة أجل لا يمكن أن يختزل الوطن في كرة أو حتى في فريق رياضي، كما تحاول التجارة بالكرة أن تقنع به العالم والمغرب ضمنه. وعندما لا تكون الكرة "تكويرا" يجعل الاهتمام بالفريق الوطني يعوض باقي الاهتمامات، وعلى الخصوص منها الاهتمام بالسياسة بما هي تدبير للشأن العام يتطلب مشاركة مواطنة واسعة وفاعلة. وسيروج منظرو "التكوير" بألا علاقة لكرة القدم بالسياسة، عندما يفيدهم ذلك؛ ثم يتناقضون ويغرقونها في السياسوية عندما يجدون ذلك في مصلحتهم، ألم يكن تعيين لقجع على رأس الجامعة سياسيا، وتدبير البطولة والجامعة والعلاقات مع المؤسسات والحكومة والمجالس المنتخبة والاتحادات الأجنبية و... ألم يخلط مسيرو كرة القدم بالمغرب بين السياسوية والكرة وقد فاز عشرة منهم بمقاعد برلمانية في سابقة تؤكد أن هذا الخلط سيؤثر سلبا على السياسة والرياضة معا ولا سيما تكريس "تدويخ الجماهير بالكرة "وهو" التكوير" بعينه. بينما يفرض الاعتدال أن تكون الرياضة شأنا مجتمعيا يضمن للجميع حقه في ممارستها في إطار "الرياضة للجميع" وليس "فرجة" لتدويخ الجميع. ومن حق المواطنات والمواطنين بعد ذلك أن يتطلعوا إلى مختلف فرقهم الرياضية ولمواطنيهم المتفوقين في كل الرياضات ليمثلوهم أحسن تمثيل، فقد كانت المنافسات الرياضية وتزايدت اليوم أكثر صانعة لامتدادات واقعية للعلم الوطني ومرسخة للحمة الوطنية. تماما كما يتطلعون إلى أن يرفع اسم المغرب بواسطة المبدعين والعلماء والباحثين وكافة النوابغ والنابغات في مختلف التخصصات، لا سيما في بلد مثل المغرب حيث ما زالت بعض النعرات والشعارات تكسر تلك الامتدادات وتسعى إلى فسخ تلك اللحمة. بينما يريدها البعض "لحمة" يفتك بها كما يفتك الطفيلي بطاجين اللحم بالبرقوق، ثم يدعو إلى وضع أوراقه في "الصندوق"... فدائرة الفرق الوطنية هي بحجم الوطن، ولا يمكن أن يخضع تدبيرها لهرمية قاتلة ولأهواء المسيرين كما هو حاصل اليوم؛ بل لا بد له من الدمقرطة والكفاءة والعمل الجماعي واحترام التخصصات وتغليب الروح الوطنية والمصلحة العليا والتضامن والتعاون. (*) صحافي وكاتب