من تلمسان إلى تافيلالت، ومن القيروان إلى فاس، ومن مراكش إلى أدغال الصحراء، كانت القوافل التجارية، والبعثات الطلابية، ورجال التصوف، والجيوش النظامية، ورعاة الدواب.. يعبرون جغرافية المغرب الكبير على طول وعرض الجهات الأربعة، يرسمون التاريخ التليد، ويصنعون الحضارة المتميزة ماديا وروحيا، إلى درجة باتت معها منطقة ما يسمى بالمغرب الكبير تكتسي ثقافتها الخاصة، التي لم يستطع الاستعمار الفرنسي أن يفتت من عضدها. وكان رواد الحركة الوطنية قد سارعوا، إبان فترة الاستعمار الفرنسي خلال القرن الماضي، في كل من تونسوالجزائر والمغرب، إلى المطالبة بتحرير المنطقة من نير الاستعمار الجشع انطلاقا من القاهرة، غير أنه بُعيد الاستقلال الذي حصلت عليه دول المغرب الكبير، طفت على السطح المشاكل المتعلقة بالحدود بين المغرب والجزائر على وجه التحديد.. الدولتان الجارتان اللتان تجمعهما اللغة والدين والموروث الحضاري، دخلتا في صراعات سياسية وعسكرية ترجمتها "حرب الرمال" في مطلع ستينيات القرن الماضي، حيث قامت الجزائر، بعد عقد من الزمن من تاريخ حرب الرمال، بإجراءات انتقامية تمثلت أساسا في زرع ورم سرطاني بالمنطقة اسمه "البوليساريو"، حيث دافعت عنه في كل المحافل الدولية. ولا زالت تبعات وذكرى "حرب الرمال" راسخة في مخيلة الجيل الذي عاشها، وحاول تثبيت ذكراها المليئة بالأحقاد والضغينة للأجيال التي تلته من أبناء الجزائر، وخلق عدو دائم وأبدي، ألا وهو الجار المغربي. فهل الاختلافات السياسية بين المغرب والجزائر ستساهم في تسميم العلاقات بين الشعبين الشقيقين؟ وهل سيتأثر التداخل الثقافي والروحي والوجداني الذي يجمع الشعبين بفعل السياسة ومكرها، أم أن الأواصر الثقافية ستتغلب على النزعات السياسية، ولو بعد حين؟ أسئلة طرحتها جريدة هسبريس الإلكترونية على عينة من المغاربة، حيث أجمع العديد منهم عن كون الشعبين المغربي والجزائري تؤلف بينهم الكثير من القواسم المشتركة، وأن جنرالات حرب الرمال رسخوا النظرة العدائية في أجيال اليوم. الشعبان متقاربان وفي هذا الصدد قال الصحفي المغربي أمين السبتي، في تصريح لهسبريس، إنه "لا يجد هناك فرقا بين مغربي وجزائري، فالشعبان قريبان كثيرا ثقافيا وحضاريا، ويتشابهان في الكثير من العادات والتقاليد، وحتى اللهجة متقاربة ومفهومة من الجانبين". وأردف السبتي قائلا: "صحيح أن بعض المشاكل طبيعية بين الجهات والمناطق قد توجد حتى داخل نفس البلد، غير أن موضوع الصحراء يبقى طاغيا على العلاقات بين البلدين، لكن الأمر يبقى سياسيا ونزاعا بين حكومتين لا تطال شراراته العلاقات بين الشعبين".. وانتقد الصحفي في قناة الجزيرة الرياضية ما سماها "الحرب التي يشنها البعض على مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة للتفرقة بين الشعبين، متجاهلين التاريخ والجغرافية والثقافة والحضارة والعوامل المشتركة بين البلدين، حيث يقدمون معلومات مغلوطة، ويتكلمون باسم الشباب المغربي الذي لا يهتم بالجزائر، بقدر ما يهتم بمعاناته في إيجاد عمل وضمان عيش كريم". صراع نفسي بثوب سياسي ومن جهتها اعتبرت هاجر لكراتي، عضو رابطة القوميين العرب، أن "تشنج وتوتر العلاقات الجزائرية المغربية اليوم، سببها تراكم الأحداث والخطابات الارتجالية إلى حد اللامسؤولية، وعدم احترام أواصر الأخوة والعروبة، ثم الدين الذي يجمع بين الشعب المغربي والجزائري". وزادت لكراتي، في اتصالها مع هسبريس، بالقول إن "الصراع الجزائري المغربي صراع مرضي نفسي يتلون بألوان السياسة لإقناع الشعبين بمعتقدات باطلة، لينجحوا فيما فشل فيه الاستعمار الفرنسي، وهو طمس الهوية العربية الإسلامية للمغاربيين". وذهبت لكراتي إلى أن أغلبية المغاربة لا يحقدون على الأشقاء الجزائريين، بالرغم من مبالغة النظام والإعلام الجزائري في سياسته الشيزوفرينية لإفساد العلاقة الودية بين الشعبين، ولكنه من المؤكد أنه لن يفلح في مسعاه". وأضافت المتحدثة: "أرفض أي تطاول على الوحدة الترابية للمغرب، وأرفض بشدة سياسة التمزيق العرقي والجغرافي الذي بات ينخر خريطة الوطن العربي، وجعلنا أقطارا متفرقة حتى ينفرد بنا الأعداء"، مبدية أملها في أن "يتعامل المغاربة والجزائريون بحزم وذكاء، عبر الاستفادة من حال الأقطار المشرقية الدامية". الفرق بين الشعب والنظام بالجزائر من جانب آخر، يرى الباحث المغربي، محمد بودن، أن الشعبين المغربي والجزائري يمتلكان العديد من القواسم المشتركة: دينية ولغوية وأثنية ودموية وعاطفية وجدانية، وجغرافية وتاريخية وثقافية"، مستدركا أن "النظام الشمولي الذي ابتلي به الشعب الجزائري الشقيق يريد أن يتجاهل كل هذه الروابط المتينة، ويتصلب في الاهتداء إلى الطريق الصحيح، ويستمر في الشحن والتهييج، وما إلى ذلك من أساليب مقيتة" يورد بودن. وأضاف الباحث في القانون العام والعلوم السياسية، في تصريح لهسبريس أن "الشعبين المغربي والجزائري متناغمان بشكل وطيد من خلال وشائج قوية وعلاقات عائلية متجذرة خصوصا في الشرق المغربي والغرب الجزائري، علاوة على النضال المشترك والتضامني للشعبين ضد المستعمر". وتابع بودن أن "أحفاد الشهداء الجزائريين الأحرار يدركون مكانتهم في قلوب المغاربة، وهذا ما يتجسد في عدة محطات، من بينها التعاطف الكبير للجمهور المغربي مع انتصارات المنتخب الجزائري لكرة القدم في استحقاقاته الرسمية، حيث يفرح بفوزه ويرفع العلم الجزائري، ويتقاسم الحسرة مع الشعب الجزائري في حالة الهزيمة، وهذا الشعور أقوى من كل فبركة للمعارك الوهمية التي يراد تسويقها". واسترسل ذات المتحدث "أنا كمغربي أحب الشعب الجزائري وأقدره وأحيي شبابه المعطاء، والدليل على ما أقول هو ما تقاسمته مع ثلة من الشباب الجزائري المثقف والواعي من أفكار، من بينها تحويل فكرة الاتحاد المغاربي للشباب إلى مشروع، فحبذوا الفكرة واستحسنوها إلى جانب نظرائهم من باقي دول الاتحاد". واستطرد بودن بالقول: "لكنني في مقابل هذا، لا أحترم النظام الجزائري الدموي الذي يزرع الشوك في طريق كل مبادرة، ويعطل كل مشروع تنموي مغاربي". لحظات الصفو والإخاء وبدورها قالت الصحفية اعتماد سلام إن "الشعب الجزائري ذكي بما يكفي لكي لا يترك المجال للعسكر، من أجل أن يكون لديهم الصورة التي يريدها هو عن المغرب"، مشيرة إلى أن "بعض الجزائريين ترسخت لديهم نظرة توجس اتجاه المغرب". واستدركت سلام بأن "غالبية الجزائريين يعرفون جيدا أن المغرب بلد شقيق وما يجمعه ببلدهم أكثر وأقوى مما يفرقهما، ولذلك لا مبرر لأي موقف عدائي قد يتخذ نيابة عنهم"، متابعة بأنه "في عز الهجمة الإعلامية الشرسة على المغرب من طرف بعض وسائل الإعلام الجزائرية، فإن هناك عددا من الزملاء الصحفيين الجزائريين الذين تمسكوا بصوت العقل والحكمة، وأظهروا احتراما كبيرا للمغرب". وذهبت الصحفية إلى أنه "لا يوجد البتة فرق بين الشعب المغربي والجزائري، خصوصا أنهما يشتركان في أشياء عدة، من بينها اللهجتان المغربية والجزائريين اللتان تشبهان بعضهما كثيرا"، قبل أن تسجل "لحظات الإخاء في مجموعة من المواقف، من بينها مباريات المنتخب الجزائري القارية حيث كان الجمهور المغربي يسانده بشكل عفوي وتلقائي". ودعت سلام، في ختام حديثها لهسبريس، إلى "تجاوز الخلافات بين البلدين الشقيقين الذين تبقى علاقات شعبيهما أكثر قوة وتجدرا من أي نظرة يرغب العسكر في تكريسها"، وفق تعبير المتحدثة.