أثار ملف الجنس مقابل النقط الذي شهدته محاكم مدينة "سطات" نقاشا مجتمعيا كبيرا، بين مناصر لحقوق الضحايا وبين ملتمس للمتهمين أعذارا مسقطة للمسؤولية الجنائية، ولكن بين هذا وذاك تثار إشكالية اللامساواة وأثرها على التنمية البشرية وآفاق التطور المجتمعي. فإذا كانت قضية النقط المنقولة جنسيا تسائل نصوص القانون الجنائي حول المواد ذات الصلة لتجريم ومعاقبة الجناة، فإن القضية ذاتها تسائل مبدأ دستوريا يتحدث عن المساواة. أجل، المساواة، لأن الأمر أبعد من جريمة وعقاب بل له آثار وخيمة على مستقبل بلد، فحين يطلق العنان للعواطف والاحتياجات الجنسية للأساتذة في مواجهة الطالبات تثار افتراضات واقعية منتجة لمخرجات كلها مساس بصدقية الديبلومات والشواهد الجامعية ويمكن اختزال هذه الفرضيات مبدئيا في ثلاث صور: – رفض الطالبة للابتزاز الجنسي؛ – التردد في اتخاذ القرار؛ – الاستسلام للابتزاز الجنسي ومجاراة الأستاذ في نزواته. وعليه، تجابه الرافضة والمترددة بنقط لا تعكس مستواها العلمي الحقيقي، وتأجر المستسلمة بنقط وشواهد وديبلومات تفوق استحقاقها العلمي. وبالتالي يصبح دور الأستاذ الجامعي متحورا من واجب صناعة النخب وصناعة العقول إلى أداة للتزوير والتزييف في الحقائق، وتمكين فئة دون أخرى من ميزات في النقط أو الشواهد لا تعكس المستويات الحقيقية، وحرمان آخرين من فرصة إتمام الدراسة أو إجبارهم على تغيير الكلية أو المسار أو الحصول على شواهد بميزات لا تخولهم الولوج لأسلاك علمية أعلى درجة. وهذا، ما يسيء للرأسمال اللامادي أو الرأسمال البشري المعول عليه في تحريك عجلة الرقي والتنمية ويصبح الشخص المناسب في مكان لا يناسب والعكس صحيح. ويظل النقاش الحقوقي المثار من قبل الرأي العام والجمعيات المهتمة قائما بتساؤلات مشروعة حول طبيعة العلاقة بين طالبة وأستاذ، وكيف أن الرضائية مختلة التوازن بين طرف ذي سلطة ونفوذ وبين طالبة قد تكون في وضعية استضعاف وهشاشة، وهو النقاش الذي يفرز الاستفهام حول الأساس المعتمد في سلطة ملاءمة ارتأت تصنيف الجرائم المرتكبة في خانات التحرش الجنسي والتمييز بسبب نوع الجنس، واستغلال النفوذ والعنف النفسي تجاه امرأة. دون استحضار أركان جريمة الاتجار بالبشر التي ترتكز على أسس ذات صلة وثيقة بالأفعال موضوع المتابعة. فشراء النقطة بالجسد، أو ابتزاز الطالبات وإجبارهن على شراء النقط والشواهد بالجنس، والضغط على أخريات والتحرش بهن تحت وطء التسلط واستغلال النفوذ، كلها ملامح قائمة البنيان لجريمة الاتجار بالبشر أو محاولتها. ولعل التعامل بسياسة التجنيح مع هذا النوع من السلوكيات الإجرامية، أو الحكم بالتخفيف في قضية موازية بذات المدينة راجت أمام محكمة الاستئناف في متابعة تتعلق بهتك عرض أنثى بالعنف، أجبرت فيها الضحية مرة أخرى تحت وطء الهشاشة والفقر والاستضعاف، لشراء أمنها بتعويض خارج سياق الانتصاب كمطالبة بالحق المدني وتقديم التنازل لمن استباح عرضها وعرض غيرها من اللائي اخترن الانزواء في ركن الصمت، حيث يحكم على مصيرهن بالمجهول من الأمراض النفسية، والانغلاق في خانة الضحية بدل الانفراج بمركز الناجية. هذا التعامل اللين وهذه السياسة التجنيحية في المتابعة أو في العقاب، قد تسفر عن نتائج مختلة في تبليغ المجتمع رسائل الحزم والردع العام، التي قد توقف مسلسل الإجرام الجنسي الجامعي وتحد من آثاره على مستقبل وطن..