بعد ازيد من ثلاثة اشهر من مسلسل الانتظار والترقب تم الاعلان عن النسخة الثانية من الحكومة، التي حاولت ان تدافع عن اطروحة ما سمي بالاستثناء المغربي والحفاظ على الاستقرار السياسي وتجنيبه اعادة انتاج السيناريوهات التي عرفتها دول الربيع العربي، ثم الدفاع عن خيار التغيير من داخل المؤسسات، باعتباره ضامنا للعملية السياسية والديمقراطية في المغرب. ويبدو ان أطروحة الاستثناء أو الاسقرار وكذا خيار التغيير من داخل المؤسسات، أثبت الواقع والممارسة السياسية في المغرب عدم جدواها خصوصا مع العقلية التي تتحكم في صناعة القرار السياسي وفي تدبير السياسات العامة في المغرب، حيث جعلنا التعديل الاخير للحكومة في نسختها الثانية، نقف على مجموعة من الملاحظات يمكن اجمالها في : أولا: هاجس التحكم والعبث السياسي طغيان هاجس التحكم في المشهد السياسي وعن العقلية المتحكمة التي تعرفها الساحة السياسية بشكل عام، وعن فشل اطروحة الاستقرار السياسي، مقابل هيمنة التحكم والتسلط ونزع المصداقية عن بعض الفاعلين السياسيين الحزبيين بالمغرب، بل تكرس كل أساليب العبث السياسي وإفراغ الحياة السياسية من كل مصداقية وأخلاق سياسية، والتي لن تزيد إلا في العزوف السياسي وعدم الثقة في العمل السياسي وخصوصا التحالفات الحزبية السياسية الضيقة، التي افتقدت لكل المقومات التي يتميز بها العمل السياسي النبيل، بل يكرس منطق وواقع التراجع والانتكاس السياسي. ثانيا: خرق سافر للوثيقة الدستورية فبالرجوع الى الوثيقة الدستورية، بالرغم من علتها وعيوبها الشكلية والموضوعية، فإننا نسجل خرقا واضحا لفصول الوثيقة الدستورية التي لم تتحدث عن الوزراء المنتدبين لا من قريب ولا من بعيد خاصة اذا توقفنا عند الفصل 87 من دستور 2011 الذي تحدث عن ثلاثة انواع من مكونات الحكومة وهي أولا: رئيس الحكومة ثانيا: الوزراء وثالثا: كتاب الدولة ؛ فالقبول بوزراء بدون حقيبة وزراء منتدبين هو خرق واضح للدستور ويطرح إشكالا دستوريا حقيقيا؛ مما يؤكد عن هيمنة وتحكم في القرار السياسي من خارج المؤسسات الدستورية. ثالثا: هيمنة السلطوية ووزراء السيادة والتكنوقراط وترتبط هذه الملاحظة برجوع وهيمنة وزراء السيادة والتكنوقراط على مجموعة من الوزارات التي ترتبط بالسياسات العامة القطاعية، حيث اصبحنا اليوم بعد هذا التعديل الحكومي المتحكم فيه، على مجموعة من الوزارات السيادية (الداخلية، الأوقاف والشؤون الإسلامية، الفلاحة، التعليم،الحكامة..) من دون التزام وغطاء سياسي وهذا يضرب في الصميم مبدأ المسؤولية مع المراقبة والمحاسبة، وبالتالي لن نجد اي جهة سياسية يمكن أن تحاسب؛ ثم ان هذه الوزرات لن تخرج عن السياق التحكمي والسلطوي. رابعا : سياسة ارضاء الخواطر بالرجوع الى توزيع الحقائب الوزارية يكرس هاجس إرضاء الخواطر وطغيان الريع السياسي في التركيبة الجديدة للحكومة وزيادة عدد الحقائب الوزارية التي وصلت الى 39، وان الممارسة السياسية لازالت حبيسة منطق ارضاء الخواطر وطغيان الحزبية الضيقة، مع تحالف حزبي هجين في غياب واضح لاي تكامل وانسجام حكومي؛ بل الخضوع لسياسة العفاريت أو التماسيح التي تتحكم في اللعبة السياسية، بعيدا عن المؤسسات الدستورية والقانونية المنتخبة. واجمالا؛ فالإعلان عن الحكومة في نسختها الثانية بعد طول انتظار يؤكد على فشل اطروحة التغيير السياسي من داخل المؤسسات في ظل الاستقرار كما يكرس واقعا ينزع نحو العبثية السياسية، ويتجه الى منطق التراجع والنكوص الذي يعرفه المشهد السياسي المغربي ، وان المغرب الحالي بعيد كل البعد عن الزمن السياسي الذي يقطع فيه مع الفساد والاستبداد وتسود فيه الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لجميع المواطنين. وخلاصة القول، فان الازمة السياسية المغربية لا يمكن ان نختزلها في الوضع السياسي او التعلميي أو الاقتصادي فقط، بل هي ازمة شمولية وعامة تحتاج الى جبهة وطنية بإشراك جميع الفاعليين السياسيين، دون اقصاء أو تهميش لقواه الحية والمجتمعية، لمواجهة الاستبداد والفساد كهدف إستراتيجي يمكن تحقيقه إن وُجدت لدى كل الفاعليين الإرادةُ السياسية الحقيقية والجرأة والشجاعةُ السياسية اللازمة لوضع الأسس اللازمة للبناء المجتمعي الذي نريد. *باحث في العلوم السياسية