يرفض عبد الإله بنكيران معارضة الحكومة الجديدة لأنه يعرف مسبقا أن معركة سياسية من هذا النوع لن تؤتي أكلها، ليس فقط باعتباره رئيسا سابقا للحكومة، لكن لأن حزبه المنهزم انتخابيا هو الذي ساهم في بيع الوهم لعدد كبير من المغاربة، بعد ركوبه أمواج الربيع العربي، الذي انكشف زيفه، وهو نفسه الذي تكلف شخصيا بإفراغ مؤسسة رئيس الحكومة من اختصاصاتها؛ لذلك لجأ إلى اختلاق معركة ليست موجودة على أرض الواقع بقوله إن حزبه "متشبث بالمرجعية الإسلامية"، وكأن المسلمين يوجدون فقط في العدالة والتنمية، بينما المغرب كله دولة إسلامية. حصل ذلك في الاجتماع الأخير للجنة الوطنية ل"حزب المصباح". وتكمن خطورة إشهار ورقة الإسلام في التنافس السياسي، فضلا عن كونها موجهة إلى نوع معين من المواطنين القابلين للتجييش، في أنها تقسم المجتمع إلى حزب مسلم في مواجهة "أعداء الإسلام"، وهذا الأمر غير حقيقي، لأن الإسلام لا يوجد في حزب العدالة والتنمية فقط؛ كما أن حماية الأمن الروحي للمغاربة ليست مرتبطة بحركة التوحيد والإصلاح، بل هي من صميم اختصاصات إمارة المؤمنين. هذا من جهة، أما من جهة ثانية فقد غرق بنكيران، الذي يفترض فيه ممارسة سياسة معقولة، بعد تجربته الحكومية، في النقاش الأخلاقي، إلى درجة تخصيص اجتماع حزبي للحديث عن ظاهرة "المثلية" و"العلاقات الجنسية"، وهو ما يعني العودة إلى الخطاب القديم للحركات الإسلامية، بعد الفشل السياسي الذريع؛ فمثل هذه المواضيع تحشد الأنصار، من خلال ربط المشاكل التي تعاني منها الدولة ب"الفساد الأخلاقي"، بينما الفساد الحقيقي هو فساد السياسيين، الذين يتناوبون على الصعود على ظهر الشعب بمبررات مختلفة. ولا شيء أخطر على هذه البلاد من "متحور سياسي" يتطور حسب ما تقتضيه كل مرحلة، إذ تلعب الخبرة السياسية دورا في منح حياة أكبر لمن هم قادرون على "التحور" والتحول حسب متغيرات الزمن. ما معنى أن يصبح الداعية رجل سياسية؟ وما معنى أن يترك "الفقيه" المسجد من أجل منصب حكومي وبعدها يتنكر للجميع، قبل أن يعود إلى "الدعوة" بعدما فشل في السياسة؟. إن مشكلة المغاربة ليست أخلاقية بالأساس، بل مع كائنات سياسية طورت نفسها لتبقى على رأس الجميع دون أي إضافة للوطن. فيم ينفع النقاش الأخلاقي بعد كل هذه الدروس التي تركتها لنا الجائحة؟..فقد علمتنا كورونا أن الجائحة جزء منا وتعيش بين تفاصيلنا، وعلمتنا أن الموت جزء من الحياة وأن المشاعر الحقيقية عملة نادرة، بل وزائفة أحيانا؛ فما بالك بخطاب صادر عن متحورات سياسية.