ما تزال النسخة الثانية من حكومة عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية"، تثير الجدل في المغرب، خصوصا على مستويين اثنين، هما عدد الحقائب الوزارية ونصيب كل حزب منها. وبحسب مراقبين، يعتبر حزب "العدالة والتنمية"، أكبر الخاسرين من هذا التعديل، ففي حين ارتفع عدد الحقائب الوزراية للحكومة إلى 38 بدلا من 31 في الحكومة السابقة، دون احتساب رئيس الحكومة، ظل رصيد حزب بنكيران من المقاعد بلا تغيير. والأكثر من ذلك هو تخلي حزب بنكيران عن حقيبة وزارة الشؤون الخارجية، وهي حقيبة سيادية، حيث أعفي منها سعد الدين العثماني، القيادي بالحزب، وتم تعويض هذا الإعفاء، الذي اعتبره العثماني نفسه "عاديا" بدعوى أن "المسألة ليست مسألة أشخاص"، بتعيين سمية بنخلدون، القيادية بالحزب، وزير منتدب لدى وزير التعليم والبحث العلمي وتكوين الأطر، ولا حاجة، في هذا الصدد، إلى الحديث عن الفارق الكبير في الأهمية بين الحقيبتين. كما تنازل حزب بنكيران، في هذه النسخة، عن حقيبة هامة مثل الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، إضافة إلى حقيبة الوزارة المكلفة بالشؤون العامة، والتي انتزعت من القيادي الإسلامي محمد نجيب بوليف لتسند لمحمد الوفا، القيادي المقال من حزب الاستقلال (محافظ)؛ لرفضه الانسحاب من الحكومة السابقة. ورغم أن القيادي بالحزب، عبد القادر عمارة انتقل من الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة إلى وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة، فإنه سيتشرك في تدبير هذه الوزارة مع قيادتين من حزبين مختلفين، هما حكيمة الحيطي (حزب الحركة الشعبية)، الوزيرة المنتدبة المكلفة بالبيئة، وشرفات أفيلال (حزب التقدم والاشتراكية) الوزيرة المنتدبة المكلفة بالماء، علما بأن قطاع الصناعة والتجارة يعتبر في المغرب أهم من الطاقة والمعادن والماء والبيئة، خصوصا أن المغرب يستورد أكثر من 96% من احتياجاته من الطاقة ويشكل الفوسفات المعدن الأبرز في البلاد. أكثر من ذلك، انتزعت صلاحيات هامة من قياديين بارزين في "العدالة والتنمية"، بينهم الحبيب الشوباني الذي صار في النسخة الثانية من حكومة بنكيران وزيرا للعلاقات مع البرلمان بعد أن كان يشرف أيضا على المجتمع المدني في النسخة الأولى، وهو ما رأى فيه مراقبون تقليصا واضحا من وزن وحضور الحزب الإسلامي في الحكومة الجديدة مقارنة مع سابقتها. ويكاد الاحتفاظ بإدريس الأزمي الإدريسي، الوزير المكلف بالميزانية، أهم نصر لبنكيران في هذه الحكومة، إلى جانب الإبقاء على رفيق دربه وساعده الأيمن، عبد الله باها، في منصب وزير الدولة. وفي المقابل، يؤكد مراقبون أن الوافد الجديد للجهاز التنفيذي، أي حزب التجمع الوطني للأحرار، أكبر رابح من حكومة بنكيران الثانية، فقد دخل الحكومة لتعويض حزب الاستقلال، لكنه كان أوفر حظا من الاستقلاليين في الحكومة السابقة، ففي حين كان للاستقلاليين 6 حقائب وزارية فقط، إضافة إلى رئاسة مجلس النواب، استطاع "الأحرار" أن ينتزع 8 حقائب، إلى جانب رئاسة مجلس النواب. وعلاوة على انتزاع رئيسه صلاح الدين مزوار حقيبة الشؤون الخارجية والتعاون من سعد الدين العثماني، حقق الحزب رغبته في الإشراف على وزارة الاقتصاد والمالية عبر محمد بوسعيد، محافظ مدينة الدارالبيضاء (وسط)، التي تعتبر العاصمة الاقتصادية للمغرب، موازاة مع تعيين محمد عبو على رأس التجارة الخارجية. وقد رأى محللون في وضع "التجمع الوطني للأحرار، يديه على القطاعات الاقتصادية، حرصا من الحزب على تولي حقائب ذات أهمية بالغة في هذه الظروف التي يعاني فيه المغرب، منذ العام الماضي، أزمة اقتصادية، رغم أن تفاؤل التوقعات الخاصة بالنمو المرتقب تحقيقه خلال العام الجاري، حيث تتوقع الحكومة نموا في حدود 4.8%، وفق ما قاله إدريس الأزمي الإدريس، الوزير المكلف بالميزانية، في مقابلة سابقة مع وكالة الأناضول. كما أن الحزبين الآخرين الشريكين في الائتلاف الحكومي، وهما الحركة الشعبية (وسط)، والتقدم والاشتراكية (يساري)، استطاعا أن يقنعا بنكيران خلال مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة بضرورة رفع عدد حقائبهما الوزارية إلى 6 للحركة الشعبية (بدل 4) وإلى 5 للتقدم والاشتراكية (بدل 4)، وهو ما يعني أن العدالة والتنمية هو الشريك الوحيد في الحكومة الذي لم تعرف حقائبه الوزارية أي زيادة في النسخة الثانية من حكومة يقودها منذ 3 يناير 2012. وتطرح حاليا تساؤلات عن المسؤول عن تخلي "العدالة والتنمية" عن حقائب هامة مثل الشؤون الخارجية والتعاون، وكذلك الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، إضافة إلى الوزارة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة.