يعتبر مخطط المغرب الأخضر، الذي أطلقته وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات سنة 2008، استراتيجية طموحة تهدف إلى أن تجعل القطاع الفلاحي رافعة حقيقية للتنمية السوسيو-اقتصادية للمملكة المغربية، عبر تسريع النمو، وتقليص الفقر وتقوية اندماج الفلاحة في الأسواق الوطنية والدولية. وتتمحور استراتيجية مخطط المغرب الأخضر حول مقاربة شاملة تغطي مجموع الفاعلين على اختلاف أهدافهم، وترتكز بالأساس على ركيزتين أساسيتين (الفلاحة العصرية والتضامنية). كما خصص المخطط مكانة هامة لتطوير سلاسل إنتاج فلاحية، خاصة قطاع التمور. وعلى مستوى جهة درعة تافيلالت، خاصة أقاليم الرشيدية وتنغير وزاكورة، يعتبر قطاع التمور قاطرة المجال الفلاحي، لكونه يؤشر على آفاق واعدة في الإنتاج والتسويق، وذلك بفضل المشاريع والمبادرات المنجزة لتعزيز نموه وتطويره. الإحصائيات التي وفرتها وزارة الفلاحة عبر موقعها الإلكتروني الرسمي، تشير إلى أن العدد الإجمالي لنخيل التمور بواحات جهة درعة تافيلالت يناهز 4 ملايين و853 ألف نخلة، وتمتد زراعة النخيل بهذه الجهة على مساحة حوالي 50 ألف هكتار، بمتوسط إنتاج يصل إلى 100 ألف طن في السنة، أي ما يمثل 84 في المائة من الإنتاج الوطني من التمور. وتوفر سلسلة نخيل التمور نحو 3 ملايين يوم عمل في السنة على مستوى جهة درعة تافيلالت، وتساهم في استقرار الساكنة القروية بالواحات من خلال المساهمة بنسبة تصل إلى 65 في المائة في تكوين دخل الضيعات بالواحات، وفق المعطيات الرسمية ذاتها. التمور .. قطاع واعد سجل قطاع التمور بجهة درعة تافيلالت تطورا ملحوظا خلال السنوات الماضية، وكان متوقعا أن يعرف الإنتاج ارتفاعا كبيرا في المستقبل، وذلك بعد استفادة القطاع من العديد من الإجراءات والبرامج التي تم تنفيذها في إطار مخطط المغرب الأخضر، خاصة في هذه الجهة التي تنتج نحو 85 في المائة من الإنتاج الوطني من التمور. وزارة الفلاحة أكدت في منشور حول إحصائيات القطاع أن سلسلة نخيل التمور حققت نتائج مهمة، مشيرة إلى غرس مليونين و440 ألف فسيلة نخيل، منها مليون و380 ألف فسيلة بمناطق التوسعات ومليون و60 ألف بالواحات التقليدية، بالإضافة إلى تنقية مليون و21 ألف نخلة من أعشاش النخيل، وبناء وتجهيز 37 وحدة تبريد بسعة تخزين وتوضيب سنوية تبلغ 26 ألف طن. وتضم هذه السلسلة 196 تعاونية، و19 مجموعة ذات نفع اقتصادي و10 جمعيات مهنية. وسجل قطاع التمور ما بين 2008 و2019 زيادة مهمة من المساحات المغروسة بلغت نسبتها 28 في المائة، حيث انتقلت من 38 ألفا و870 هكتارا إلى 49 ألفا و564 هكتارا، مقابل زيادة في الإنتاج خلال الفترة نفسها من 65 ألفا و752 طنا إلى 128 ألفا و500 طن، أي بزيادة تقدر ب 95 في المائة. وبخصوص مؤشرات التأثير، بلغ رقم المعاملات خلال سنة 2008 ما مجموعه 781 مليون درهم، مقابل 3050 مليون درهم سنة 2019، أي بزيادة ناهزت 291 في المائة، وانتقل عدد أيام العمل في القطاع من مليون و85 ألف يوم عمل سنة 2008 إلى مليونين و47 ألف يوم عمل خلال سنة 2019، أي بزيادة بلغت 33 في المائة، فيما بلغت القيمة المضافة سنة 2008، 742 مليون درهم، لتنتقل إلى 2083 مليون درهم سنة 2019، أي بزيادة بلغت 181 في المائة. ويلعب قطاع التمور دورا كبيرا في خلق التوازنات الاقتصادية والاجتماعية بجهة درعة تافيلالت، ويعتبر من الركائز الأساسية والمستقبلية للاقتصاد الجهوي والوطني عموما، بحسب عبد المجيد بن طالب، مستثمر في القطاع بالجهة. وأوضح المتحدث نفسه، في تصريح لهسبريس، أن رفع وزارة الفلاحة بشكل ملحوظ من الاستثمارات العمومية الموجهة للقطاع الفلاحي، أنتج بشكل واضح ارتفاعا في المساحات المزروعة، خاصة قطاع التمور، التي تثير اهتمام العديد من الفاعلين في مجال التنمية الفلاحية. أرقام تحرقها النيران التطور الذي حققه قطاع التمور بجهة درعة تافيلالت، سواء على مستوى الإنتاج والمساحات المغروسة أو أيام العمل التي يوفرها، عرف تعثرا خلال السنتين الأخيرتين بسبب الحرائق التي أتت على مساحات كبيرة من واحات النخيل بمنطقة أوفوس بإقليم الرشيدية ومناطق متعددة بإقليم زاكورة. الحرائق التي شهدتها واحات النخيل بإقليمي الرشيدية وزاكورة بفعل ارتفاع درجات الحرارة بشكل استثنائي خلال السنتين الأخيرتين، التهمت آلاف أشجار النخيل، خاصة بمنطقة أوفوس، الأمر الذي تسبب في تراجع نسبة إنتاج التمور، وفي تبعات اقتصادية واجتماعية وبيئية للساكنة المحلية. توالي حرائق واحات النخيل أدى إلى تراجع التطور المسجل في قطاع التمور؛ إذ أكد مصدر تابع للمديرية الجهوية لوزارة الفلاحة تراجع معدل الإنتاج خلال السنتين الأخيرتين من 85 في المائة إلى حوالي 60 في المائة من الإنتاج الوطني، أي بنسبة انخفاض بلغت 25 في المائة. وقال المصدر ذاته، في تصريح لهسبريس، إن "الأرقام المسجلة خلال السنوات الأخيرة بفضل مخطط المغرب الأخضر الذي ساهم في تطوير قطاع التمور والرفع من معدل الإنتاج، تهاوت بشكل ملحوظ بفعل الحرائق المتوالية على الواحات بشكل عشوائي وغريب"، مشيرا إلى أن هناك مجهودات تبذل الآن من أجل إعادة إحياء الواحات المحترقة. وأوضح المتحدث أن "الحرائق السابقة تسببت فيها عوامل عدة، منها ما هو مرتبط بالمناخ وما هو مرتبط بالعامل البشري"، موردا أن "عدم تنقية الواحات من الأعشاش والأعشاب اليابسة يتسبب في اشتعال النيران على وجه السرعة وانتشارها في وقت قياسي". حلول لإنقاذ الواحات من الحرائق تعد حرائق الواحات بالجنوب الشرقي (درعة تافيلالت) من الكوارث الطبيعية المناخية التي يتسبب فيها ارتفاع درجات الحرارة، فتلتهم مساحات مهمة من الواحات بالرغم من المجهودات المبذولة من طرف السلطات المحلية والوقاية المدنية والدرك الملكي والقوات المسلحة، وذلك بسبب صعوبة الوصول إلى مكان اندلاع شرارة النيران وسط الواحات وبعد مصادر المياه. ومن أجل تيسير مكافحة الحرائق بالواحات، شدد حميد سعداوي، فاعل جمعوي بمنطقة زاكورة، على "ضرورة إحداث مسالك متعددة المداخل والمخارج وسط الواحة من أجل تسهيل وصول شاحنات الإطفاء وتسهيل تنقل رجال المطافئ أثناء حدوث حريق وسط الواحة". وأضاف سعداوي، في تصريح لهسبريس، أن "إحداث هذه المسالك ووضع خرائطها مسبقا لدى السلطات المختصة، سيسهل عملية محاصرة النيران قبل أن تتسع رقعتها بشكل خطير، بالإضافة إلى ضرورة إحداث مواقع مخصصة للمياه وسط الواحات قصد استغلالها في مثل هذه الكوارث الطبيعية الخطيرة"، وفق تعبيره. من جهتها، حثت جميلة آيت علي، من ساكنة واحة أوفوس، الفلاحين على "التخلص من المواد القابلة للاشتعال وسط الواحة، خاصة الأعشاش، والاتصال بالسلطات بمجرد نشوب الحريق دون تردد أو انتظار، واستخدام الوسائل التقليدية لإطفاء النيران قبل وصول المصالح المختصة للتدخل للسيطرة على الحريق". وطالبت آيت علي وزارة الفلاحة ب"تنظيم دورات تكوينية لفائدة الفلاحين بالواحات من أجل توعيتهم بأهمية الحفاظ على الواحة وتنقيتها، وكيفية التعامل مع الشرارة الأولى في حال حدوثها"، مشيرة إلى أن الفلاحين في حاجة إلى تكوينات في المجال، سواء في كيفية التعامل مع الحرائق أو تطوير سلاسل الإنتاج.