لا أعرف إذا ما كانت الإمكانيات متاحة في مدينة الرباط لضمان نجاح الدورة القادمة من المعرض الدولي للكتاب، لكني بكل تأكيد أحيي مبادرة السيد الوزير لبعث الحياة في المعرض عوض حالة الجمود الحالي والإلغاء الصامت للدورة السابقة بسبب تفشي جائحة كورونا. كذلك جاءت دعوة الوزير إلى "ترشيد" الدعم المخصص للمهرجانات السينمائية مبادرة لا تحتاج سوى بعض التعديل لمراعاة توجيه جزء من الدعم نحو إنشاء قاعات العرض وتعزيز الأندية السينمائية. بالنسبة للكتاب، ثمة دعم يصرف منذ سنوات غايته دعمه (وكذلك المجلات الثقافية)، غير أن الحقيقة أنه لم يعرف أي تحسن (إلا على مستوى الكم، مع استثناء الاجتهادات الفردية)، والكاتب، الذي هو أساس الإنتاج الثقافي، لا ينال محض نصيب من ذلك الدعم الذي يذهب كله إلى "الناشر". وكلمة الناشر هنا مبالغة ساخرة لا شك. تلك المؤسسات أغلبها إن شئنا الابتعاد عن فخ التعميم لا علاقة لها بالنشر لا من قريب ولا من بعيد، ولا تكاد تبذل أي جهد لتطوير الصناعة الثقافية، وليس تفعل إلا أن تطلب مبالغ فادحة من كُتاب مُغرر بهم لطباعة كتبهم التي لا تحمل أي مستوى فني، وليس تفعل إلا تقديم دستة من الكتب سنويا إلى الوزارة لتحصل منها على دعم يفترض أن يغطي جزءا من تكلفة النشر، لكنها تلتف حول الأمر حتى تحصل من الوزارة على مبلغ يغطي كامل تكلفة طباعة كتب ستبقى تتعفن في المخازن. هو الأمر نفسه يحصل مع الدعم المخصص لحضور المعارض الدولية للكتاب. كما لا يخفى على المتتبعين أن الإجراء ذاته يعتمده بعض المنتجين للحصول على دعم يغطي كامل تكلفة إنتاج أفلامهم. النتيجة في المحصلة أنه بعد كل هذه السنوات من دعم الوزارة مازلنا غير قادرين على الحديث عن امتلاك صناعة ثقافية حقيقية في المغرب، إن على مستوى النشر أو السينما أو على مستوى أي نشاط ثقافي آخر. وهكذا تبقى "الثقافة" لدينا غير قادرة على النضج وأن تستقل بذاتها لتنتج بنفسها مواردها وإيراداتها، ولتساهم بدورها في الاقتصاد الوطني، لا من جهة الموارد المادية ولا من جهة الرقي بفكر المواطن المغربي. قد يقال إن الثقافة بطبيعتها فعل نخبوي، لكن هذا مجانب للصواب؛ هي صناعة لديها سوق واسع لتغطيته. هناك دوما الإمكانية لإنتاج أفلام تجارية ترفيهية تشبع نهم فئات واسعة من المجتمع وتحقق للمنتجين إيرادات يمكن توجيه نسبة منها لإنتاج أفلام فنية أكثر نخبوية. وكذلك هناك دائما حاجة كبيرة إلى كتب ذات طبيعة ترفيهية يمكنها أن تحقق مبيعات عالية وإيرادات تسمح للناشرين بحرية المغامرة في نشر كتب تجريبية أو نخبوية. أتمنى أن تعيد الوزارة الوصية على قطاع الثقافة النظر في برنامج الدعم المخصص لدعم الكتاب والنشر. الصيغة الحالية لا تفيد في تطوير النشر نحو تكوين صناعة حقيقية لتلبية الحاجات الوطنية، وكذلك التصدير إلى الخارج كما أي صناعة ترفيهية أخرى. نحتاج إلى من "يعلمنا كيف نصطاد لا أن يمنحنا السمكة". التوصل للبديل سيحتاج حتما تفكيرا معمقا ومشاركة مع الأطراف المعنية للوصول إلى خطة أنجع. لكن على الأقل ثمة أفكار أبسط يمكن البدء بها، مثل: إنشاء مكتبات عامة في كامل مدن المغرب، مع دعم المكتبات المدرسية. شراء الكتب، والمجلات، من الناشر (أو المؤلف) لإمداد المكتبات، عوض الدعم المباشر للطباعة. تعزيز منح التفرغ للكُتاب لفترات بحث وإنتاج تمتد بين ستة أشهر وسنة. إحداث صندوق لدعم ترجمة الكتاب المغربي، بالتنسيق مع الناشرين والجامعات في العالم. برنامج دعم وتمويل لإنشاء مكتبات بيع الكتب. * روائي مغربي صدر له: "كافكا في طنجة"، "أحجية إدمون عمران المالح"، وقريبا روايته "ليل طنجة – الرواية الأخيرة"