انفجر في الآونة الأخيرة، أي في الأيام القليلة اللاحقة على انتخاب أعضاء المجالس الجماعية والجهوية، والتي تسبق تواريخ تشكيل المكاتب المسيرة وانتخاب رؤسائها، جدل كبير حول تفسير مقتضيات المادة 20 من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية. وكان وراء إشعال هذا الجدال لجوء عدد من التنظيمات الحزبية إلى إشعار منتخبيها بالجهات والجماعات بضرورة التقيد الصارم بقرارات الحزب وتوجيهاته في مسألة التصويت لاختيار رئيس ومكتب الجماعات والجهات التي ينتمون إليها، تحت طائلة طردهم من صفوف الحزب وتحريك المادة 20 ضدهم من خلال اللجوء إلى المحاكم الإدارية المختصة لتجريدهم من عضوية المجالس الترابية التي فازوا بمقاعدها، بناء على تزكية أحزابهم. ويأتي هذا الوعيد بناء على اعتبار الأحزاب المعنية أن "تمرد" المستشار الجماعي أو الجهوي على توجيهات حزبه هي بمثابة حالة من حالات التخلي عن الانتماء السياسي، تصبح معه مسألة تطبيق المادة 20 والتجريد من العضوية أمرا مشروعا. لكن إلى أي مدى يستقيم هذا التفسير؟ يمكن القول إننا أمام قراءتين مختلفتين، لكل منهما مسوغات وأدوات دفاع قد تبدو مقبولة. القراءة الأولى تذهب إلى أنه لا مجال لتطبيق المادة 20 في حالة المستشار الذي خرج عن توجيهات حزبه في مسألة التصويت داخل المجالس، أي أن هذا الخروج لا يشكل بأي شكل من الأشكال مصوغا قانونيا لتجريده من عضويته في المجلس. ويكفي للدفاع عن هذا الموقف أن نعود إلى منطوق النص القانوني. فالمادة 20 من القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية تنص على أنه "يتم تجريد كل عضو من عضويته بمجلس جماعة ترابية أو غرفة مهنية بطلب يقدم لدى كتابة الضبط بالمحكمة الإدارية المختصة من لدن الحزب السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات". ومن الواضح أن هذا المقتضى، على عموميته، يفتقد للدقة من خلال توضيح وتدقيق الحالات التي ينطبق عليها. وحيث إن الأمر يتعلق بالجماعات الترابية، فيمكن العودة إلى القوانين التنظيمية لهذه الأخيرة قصد البحث عن هذا التدقيق. وهو ما تسعفنا به المادة 51 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات حين نصت على إمكانية تجريد المستشار الجماعي من عضويته بالمجلس إذا "تخلى خلال مدة الانتداب عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه". هنا ينتقل النقاش إلى تفسير مسألة التخلي عن الانتماء، إذ هل يمكن اعتبار التصويت خارج توجيهات الحزب وقيام هذا الأخير، بناء على ذلك، بطرد العضو المتمرد أو غير المنضبط، تخليا عن الانتماء؟ هنا يكمن جوهر الاختلاف. من المؤكد أن فعل التخلي هو بالأساس وبالمنطق فعل إرادي طوعي يقوم من خلاله المستشار بالاستقالة من حزبه، بغض النظر عن التحاقه بحزب آخر من عدمه. وقد كرس القضاء الدستوري هذا التفسير من خلال العديد من القرارات. ففي القرار رقم 981.15 كما في القرار 982.15، الصادرين في الجريدة الرسمية عدد 6427 بتاريخ 4 يناير 2016، اعتبر المجلس الدستوري أن التجريد من صفة عضو بأحد مجلسي البرلمان رهين بالتخلي الإرادي للعضو المعني عن انتمائه السياسي، وهو ما لا ينطبق على العضو الذي تم فصله بقرار من حزبه. ففي القرار الأول تعلق الأمر بحالة السيد محمد حماني أما الثاني فهم حالة السيد عبد العالي دومو، وهما اللذان ترشحا لانتخابات مجلس النواب سنة 2011 باسم حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي أصدر بعد ذلك في 2 مارس 2015 قرارا بالتشطيب عليهما من العضوية بالحزب. وفي السنة نفسها، ترشح المعنيان بالأمر للانتخابات الجماعية بدون انتماء سياسي. وقد رفض المجلس الدستوري تجريدهما من عضوية مجلس النواب انطلاقا من كون ترشحيهما للانتخابات الجماعية، بصفتهما لا منتميين، كان لاحقا عن قرار فصلهما. تشبث المجلس الدستوري بمنطوق النص القانوني، وفسر مسألة التخلي تفسيرا محددا لا يهم إلا حالة التخلي الإرادي عن الانتماء الحزبي، ولم يقبل تجريد عضو من عضويته، كما تظهر ذلك قرارات عديدة، إلا في هذه الحالة. وحتى عندما تبنى المجلس الدستوري مسألة التخلي بحكم الواقع عن الانتماء الحزبي، فإنه ربطها بالترشح خلال المدة الانتدابية عن حزب معين ثم بالترشح لاحقا بصفة لا منتمي. وهي حالة السيد طارق القباج، كما أوردها قرار المجلس الدستوري رقم 979.15 بتاريخ 19 دجنبر 2015، الذي ترشح للانتخابات التشريعية لسنة 2011 باسم حزب سياسي معين، ثم تقدم خلال مدته الانتدابية، إلى الانتخابات الجماعية لسنة 2015 بدون انتماء حزبي. فما كان من المجلس الدستوري إلا أن أعمل مسطرة التجريد من العضوية. علاوة على هذه القرارات، لا بد أن نستحضر اعتراض المجلس الدستوري على الصيغة الأولية للفقرة الثانية من المادة 51 من مشروع القانون التنظيمي للجماعات، وهي الفقرة التي كانت تنص على أنه "يعتبر عضو مجلس الجماعة من منظور هذا القانون التنظيمي في وضعية تخلي عن الحزب الذي ترشح بتزكية منه إذا قرر هذا الحزب وضع حد لانتماء العضو المنتسب إليه، بعد استنفاد مساطر الطعن الحزبية والقضائية". وقد اعتبر المجلس الدستوري أن هذا المقتضى يشكل مساسا بالانتداب الانتخابي وتوسعا في تطبيق الفصل 61 من الدستور. أخيرا، تنص المادة 60 من الدستور على أن التصويت "حق شخصي"، وهو الأمر الذي سيفقد كنهه إذا أصبح مجرد تطبيق لتوجيهات وأوامر من أجهزة الحزب. هذه مسوغات التفسير الأول للمادة 20 والذي لا يسمح بالتجريد من العضوية في حالة التصويت خارج التوجيهات العامة للحزب. أما التوجه الثاني، والذي اعتمدته العديد من الأحزاب غداة الانتخابات قصد تشكيل تحالفاتها، فهو الاتجاه الذي يعتبر الخروج عن توجيهات الحزب تخليا عن الانتماء يبرر تفعيل المادة 20. إن هذا التوجه لا يجد مشروعيته داخل القانون، الذي يتبنى موقفا دقيقا محددا عبرت عنه قرارات المجلس الدستوري، بل يجدها في روح القانون. إن مسألة التجريد من العضوية، إذا قبلنا بها، عقب الخروج عن توجيهات الحزب، تتجاوز مسألة عقاب المستشار، لأنها تحمل في كنهها الرغبة في تخليق الحياة السياسية وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا عبر تقوية الجهاز الحزبي وحماية التحالفات بما يضمن استقرار المجالس وتمكين الأغلبية الناتجة عن صناديق الاقتراع تطبق برنامجها. إنه نوع من ترسيخ التعاقد السياسي بين الناخب والمنتخب واحترام لإرادة هذا الأخير إبان عملية التدبير، وتفضيل البرامج الانتخابية على الاختيارات والمواقف وحتى المصالح الشخصية. لقد سبق لأحزاب سياسية أن توجهت إلى المحاكم الإدارية بناء على هذه القراءة للمادة 20، إلا أن نسبة الأحكام والقرارات الصادرة والمؤيدة لهذا الاتجاه تظل قليلة ومعزولة. ويمكن أن نسوق هنا حكما للمحكمة الإدارية بوجدة، صدر سنة 2019، والذي جرد أحد أعضاء جماعة لقطيطير بتاوريرت من عضويته في المجلس الجماعي بناء على طلب تقدم به حزب الاستقلال الذي كان ينتمي إليه المستشار المعني بالأمر. ويتعلق الأمر بالحكم رقم 1734 في الملف عدد 19/2019. كما يمكن أن نسوق قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط سنة 2021 في قضية السيد عبد الرحيم العباسي بجماعة المحمدية. في الختام، سيكون من الجميل تأويل النصوص القانونية بما يخدم الأخلاقيات والتعاقد في الممارسة السياسية. إلا أن ذلك يفترض أن هذه الممارسة تحتكم للأخلاقيات في اختيار المرشحين وفي تسمية وكلاء اللوائح وفي ترشيح المناضلين وفي منح التزكيات، ويفترض أيضا أن تشكيل المكاتب واختيار الرؤساء تخلص من السلوكات التي يعرفها القاصي والداني. إلا أنه والأمر غير ذلك، "فمن الخيمة خرج مايل"، وليصوت المصوتون كما شاءوا أو كما شيء لهم.