تتميز الأنظمة السلطوية بأنها تعمد إلى التضليل الإعلامي وقلب الحقائق من أجل السيطرة وتوجيه الرأي العام. وتقوم بالتسريب المقصود للمعلومات المضللة، أي بنية مبيتة للتغليط والتعتيم على الأخبار الحقيقية، واختيار ما يناسب للترويج ويتوافق مع تحقيق الأهداف المرجوة، حيث يأخذ هذا النوع الجديد من الحرب أشكالا مختلفة تمثل استمرارا للسياسة، لكن بوسائل أخرى كما قال" كلاوزفيتز". وعلى الرغم من أن الحقيقة متاحة على نطاق واسع، إلا أنه يمكن طمرها في قعر بحر من الأكاذيب والتضليل. لقد كشف بيان لرئاسة الجمهورية الجزائرية يوم الأربعاء 3 نونبر 2021 خبر مقتل ثلاثة مواطنين جزائريين يعملون في مجال النقل البري على خط ورقلة الجزائرية والعاصمة الموريتانية "نواكشوط" عند دخولهم أراضي الصحراء المغربية، وفق منطوق البيان الذي سارع إلى توجيه أصابع الاتهام للمغرب بالوقوف وراء ذلك، فيما لم تتردد وسائل الإعلام الجزائرية في حملة تحريض للرأي العام ضد المغرب، مع العلم أن الأركان العامة للجيش الموريتاني أصدرت بلاغا يوم الثلاثاء 2 نونبر الجاري، أوضحت فيه أن "أي هجوم استهدف شاحنات جزائرية شمال البلاد لم يحدث داخل التراب الوطني"، ودعا الجيش الموريتاني المواقع والمنصات الإعلامية لتوخي الدقة في المعلومات والحذر في التعامل مع المصادر الإخبارية المشبوهة. إنها حرب إعلامية قذرة يقوم بها النظام الجزائري من أجل بث الإشاعات والمعلومات الخاطئة والمغلوطة للتأثير في نفسية الشعب الجزائري المغلوب على أمره، وبيع الوهم له، وسلب الإرادة منه، وجره إلى حرب مدمرة، بحيث إن الجزائر تحاول أن تخرج العلاقة بين البلدين من حالة توتر تحت السيطرة إلى حالة الحرب (state of belligerency) مع حملات إعلامية وتعبئة عسكرية ومناورات وتجييش ديبلوماسي، مع العلم أن حالة الحرب يمكنها أن تنتقل إلى الحرب، وليس من الحكمة العبث بالنار في وضع قابل للاحتراق لا نستطيع التحكم في مستوى تصعيده المستقبلي، مما قد يحمل تداعيات كبيرة على المنطقة بأكملها. إن إشعال فتيل الحرب، والتوهم أنها ستكون عبارة عن إبراز للعضلات وأنها ستكون خاطفة أو محدودة، خاصة وأن حكام الجزائر ألفوا التوظيف السياسوي للأساطير وتعمد صناعتها من أجل تحقيق أهداف ايديولوجية معينة، الشيء الذي يلزمهم أن يرجعوا إلى النظريات العسكرية التي تؤكد أن الحرب المحدودة هي في أفضل الأحوال تسمية خاطئة وطريق إلى مستنقعات تهلك الأرواح والثروات بينما تطلق العنان للخراب والدمار. إن الهدف المحدود يمكن أن يفسح المجال لهدف غير محدود، لقد حاول المؤرخ العسكري الأمريكي" دونالد ستوكر" تقديم رؤية تحليلية نقدية لمفهوم "الحرب المحدودة"، التي يمكنها أن تصير حرب استنزاف طويلة الأمد ألا وهي "الحرب الشاملة". إن إغراء تكديس سلاح الخردة والريع النفطي، يمكن أن يوهم بأن إعلان الحرب هو بمثابة القيام بنزهة، إلا أنه لا يمكن تعريف الحرب المحدودة وفقا لكم الوسائل والموارد المستخدمة في الحرب، وإنما يجب تعريفها وفقا للغايات والنتائج، وهذا ما أكده المفكر البروسي "كلاوزفيتز" قبل حوالي قرنين من الزمن، حين أشار إلى أن الحرب يجب أن تحدد الأهداف السياسية المطلوبة وليس مستوى الموارد المستخدمة لذلك. إن قراءة التاريخ تجعل فرضية الحرب واردة، وإن كانت ضعيفة، لكنها ستشكل قفزة في الفراغ، لذا يحرص المغرب، ملكا وحكومة وشعبا، وهو في أوج قوته واستعداده لأي طارئ أو تصرف أرعن، على عدم الانجرار إلى الحرب من خلال الاستفزازات والتهديدات، كما أن المغرب لم ولن يستهدف أي مواطن جزائري مهما كانت الظروف والاستفزازات. لقد علمنا تاريخ الفكر السياسي أن الاعتماد على القوة وحدها ضعف في حد ذاته، وأن أي دولة تحلت بوهم الجبروت زائلة لا محالة، وأن الدول التي اتخذت من الجيو-سياسة الميتافيزيقية كما نظر لها "فيخته" و"شليغل" جوهر الحكم، تلك هي طريقها إلى الهلاك.