لتوضيح الموضوع منذ البداية، فنحن لا نشير للأخطاء الإملائية ولا حتى للأخبار المكذوبة التي تتناقل بين الجرائد، بل لخطأ فكري ومعرفي لهذا أخترنا بالعنوان لفظ "غلط" على لفظ "خطأ" لأن الأول يفيد التشديد أكثر من الثاني باللغة. فالأخطاء الإملائية قد يكون لها تأثير إلا أن الأخطاء الفكرية لها وقع أشد. الأمر هنا حول خبر تناقلته أغلب الجرائد المغربية حتى صرنا نخشى أن نقول "دون استثناء"، وهو حول خبر "اعتقال سلفي تزوج أربع نساء بشهادة عزوبة مزورة" ويكفي أن تنسخ الجملة بخانة البحث بGoogle حتى ترى كم عدد الجرائد التي تناقلت الخبر (أحيانا بالنقل الحرفي فيما بينها) ولا زالت تتناقله الجرائد منذ صدوره ببداية هذا الشهر لغاية الآن.. والغلط هنا هو في مصطلح "سلفي" الذي له معنى دلالي لشخص يعتنق أفكار مذهب ديني (أو بالأصح دعوة دينية) تشكل له رؤية نحو العالم المادي وتمنحه تفسيرا لمعطيات الواقع والتاريخ مختلفة عن باقي المعتقدات الفلسفية والدينية أو المذهبية من نفس الدين. فأول مالفت انتباهنا بالعنوان هو هذا المصطلح، مايعني أن المقال/الخبر سيتطرق لعلاقة المذهب بالحدث المحكي عنه، لكن الغريب أن المقال أو التقرير يحكي عن "مواطن" مغربي قام بعمليات تزوير ليتسنى له النصب على أربع نساء، أي أن مواطنا قام بجنحة/جريمة يعاقب عليها القانون طبقا للمواد التي يتضمنها بين فصوله. مادخل انتمائه الديني أو السياسي حتى ؟! أم أن الأمر له علاقة بالترويج الصحفي وجذب القراء ؟. الغلط سيظهر بأوضح صوره عندما تنمو النزعات الطائفية والمذهبية مستقبلا التي تقوم بزراعتها مثل هذه الأخطاء الصحفية الطفولية، فالصحافة تعتبر منبرا ثقافيا واجتماعيا يساهم في التنوير وإيصال الخبر بصدق، لا التحريض على النزعات القبلية، فالمغرب كدولة لا نقول أنه لا يعرف (أو لم يعرف) صراعات طائفية/سياسية أو دينية، إلا أنها ليست بشدة وقسوة الصراعات التي تعرفها/عرفتها مناطق عربية أخرى، فالمغرب منذ استقلاله يرى مواطنيه كمغاربة وليس كسلفيين أو علمانيين أو أمازغيين أو تكشبيليين ! . فعندما يقوم مواطن بجريمة، فإنه يعتبر مدانا بحسب القانون والعرف الاجتماعي لا دخل لانتماءه السياسي أو الديني بالأمر، وإلا سنصبح بعد ذلك نرى في الجرائد والمواقع أخبارا مثل : "تم القبض على علماني متهم بالاغتصاب" .. "تم توقيف ملحد يتاجر في المخدرات" .. "تم استجواب شيعي وأمازيغي لضلوعهما في عمليات سرقة" فما هذا السخف؟ التهمة لها علاقة بالتزوير والاحتيال ولا علاقة لها بالدين أو الدعوة حتى يتم ادراج الاعتقادات بالتقارير الصحفية، فهذا يكشف عن اغلاط بالمهنة لأن الاحترافية تتطلب الموضوعية، والموضوعية تفرض أن يكون العنوان "اعتقال شخص تزوج أربع نساء بشهادة عزوبة مزورة"، بمعنى انه " مغربي" فذوي الانتماء الجغرافي المغاير تتم الإشارة إليهم للتعريف ك "اعتقال بريطاني .. اعتقال سنغالي .." باعتبار أنه حدث غير نمطي. وليس ب"سلفي" كأن المنتمين إلى السلفية نوع آخر من البشر (يندُرُ قيامهم بالجنح والجرائم). ونعلم أن الإشارة هنا للانتماء الاعتقادي تفيد النقد، لكن النقد يطال الأفكار والرؤى المذهبية وليس التشهير بالمنتمين (فهل ستزيد العقوبة الحبسية بسبب قناعاته !! أم سيُحاكم كأي مواطن عادي ؟).. أما بالنسبة للتشدد الديني فهو يعالج نفسيا ولايُنتقد ! لأنه بدأ يصنف مؤخرا كنوع من الاضطرابات مثله مثل ضرب الأطفال وأمور أخرى لا عقلانية (راجع دراسة كاثلين تايلور - Kathleen Taylor). أفلم يبيّن النبي محمد : "أنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ.. (تتمة الحديث بصحيح البخارى)" ؟ .. مع ذلك تجد من يشاد الدين، وهذا نتيجة اضرابات نفسية ! لم يحترم كلام محمد (وما له من مكانة دينية) فهل سيحترم كلامك ؟! . أمام القانون يُعتبر الناس مواطنين ، فيتم الحكم انطلاقا من تحديد التهمة واتباثها على "الجاني" دون اهتمام باستنباط ما يجول بذهنه أو انتمائه الاقليمي أو المذهبي. وإلا صار القاضي ينطق الحكم ب "حكمت المحكمة حضوريا على الدكالي فلان.. على الحنبلي فلان .. الخ" . من المعروف أن السلطات والتقارير الصحفية تحدد نوعا من المعتقلين ب"المعتقلين السلفيين". غير أن الأمر هنا يختلف، فهؤلاء يتم الإشارة لهم بذلك نظرا لأنه تم الحكم عليهم كمنظمة اجرامية مدفوعة بفكر معين، لدى فإن المعتقد له علاقة بالحادثة، مثلما كانت تشير سلطات وصحف الولاياتالمتحدةالأمريكية ل"الطائفة الداودية"، كجماعة اقدمت على انتحار جماعي انطلاقا من معتقدات "داودية"، لكن لو أن داودي(منتسب للجماعة) قام بسرقة متجر، فسيشار له ب : "اقتحم شخص متجرا و.." . فمن الحماقة المهنية أن يتم الخلط بين الأمرين. زيادة على أن التقارير الصحفية تنقل الاحداث الدولية والوطنية، لدى فإنها تعنى بالمواطنة والانتماء الاجغرافي لتحديد هويات من يخصهم الخبر (خاصة الجنح والجرائم كما اسلفنا) دون اهتمام ان كانوا يعلقون "صليبا" على صدورهم أم لا ! أو يقومون بالصلوات ل"كالي" و "كرشنا" كل صباح ! .