يرى عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، أن تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد خص مغاربة العالم بمكانة مهمة، كما شدد على أهمية المدخل الثقافي لتعزيز الروابط مع هذه الفئة من المواطنين المغاربة. ويشدد بوصوف، في الإطار نفسه، على أن الحكومتين السابقتين لم تستطيعا التفاعل بالشكل المطلوب مع المقتضيات الدستورية التي تجسد المواطنة الكاملة للجالية المغربية بالخارج، ولم تبلورا سياسة عمومية شاملة ومندمجة تراعي خصوصيات مغاربة العالم، ويرى أن الولاية الحكومية الجديدة تحتاج مقاربة بديلة. في ما يلي نص الحوار بالكامل: أعطى تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد مكانة مهمة للجالية المغربية بالخارج، ما هي أهم الأدوار التي تلعبها هذه الفئة من أجل المساهمة في تنمية المغرب؟ يضطلع أبناء الجالية المغربية بالخارج بأدوار مهمة، سواء بالنسبة لتوازن الاقتصاد الوطني كمورد للعملة الصعبة، أو كسفراء فوق العادة ما فتئوا يعبرون على ارتباطهم القوي بوطنهم الأم ويدافعون عن مصالحه العليا ويقربون المجتمع المغربي من مجتمعات دول الإقامة، دون أن ننسى الكفاءات التي تتوفر عليها الجالية المغربية في كل المجالات والتي أظهرت في أكثر من مناسبة ارتباطها الوثيق بوطنها الأم واستعدادها للمشاركة في تنميته. وقد برهن أبناء الجالية المغربية بالخارج مرة أخرى خلال الأزمة الصحية التي عرفها العالم جراء تداعيات جائحة "كوفيد-19′′، على مدى ارتباطهم بوطنهم الأم واستعدادهم غير المشروط للوقوف إلى جانبه في مواجهة جميع التحديات؛ فعلى الرغم من توقف الأنشطة الاقتصادية في مجموعة من الدول بسبب إجراءات الإغلاق والحجر الصحي، إلا أن أفراد الجالية المغربية بالخارج لم يتوقفوا عن مواصلة دعم أسرهم في المغرب، لتصل تحويلاتهم المالية مستويات قياسية خالفت توقعات المؤسسات النقدية الدولية بأن تعرف تحويلات المهاجرين عبر العالم انخفاضا كبيرا، بالإضافة إلى مساهمتهم في صندوق تدبير جائحة كورونا، وأيضا مد يد المساعدة للمغاربة العالقين في مختلف الدول بعد توقف حركة النقل الجوي. وفي هذا الإطار جاء تقرير لجنة النموذج التنموي ليخصص مكانة مهمة لإسهامات الجالية المغربية بالخارج والفرص التنموية التي يمكن أن يوفرها التدبير الجيد لهذا الملف، وهو الأمر الذي يقتضي بالدرجة الأولى الفهم العميق للمسألة من كافة جوانبها ووضعها في سياق دولي متغير يعرف منافسة شديدة على استقطاب الكفاءات وعلى ولوج الأسواق الخارجية. وقد شددت اللجنة على أهمية المدخل الثقافي لتعزيز روابط الجالية المغربية بوطنها الأم وتقوية التواصل معها باعتبارها حلقة وصل بين المغرب وباقي بلدان العام. بعد أزيد من عشر سنوات على دستور 2011 الذي أفرد مكتسبات للمغاربة المقيمين بالخارج، هل يمكن القول إن الحكومتين السابقتين نجحتا في تنزيل المضامين الدستورية المتعلقة بالجالية المغربية بالخارج؟ جسدت الوثيقة الدستورية المواطنة الكاملة لأفراد الجالية المغربية بالخارج، وأكدت على مسؤولية الدولة في حماية الحقوق والمصالح المشروعة للمواطنات والمواطنين المغاربة المقيمين في الخارج وحرصها على الحفاظ على الوشائج الإنسانية معهم كما أبرزها صاحب الجلالة في العديد من الخطابات التي حملت رسائل توجيهية إلى كل الفاعلين، سواء ضمن القطاعات الحكومية أو المؤسسات الدستورية، بضرورة التنسيق والعمل بصفة مشتركة للاستجابة لمتطلبات الجالية، وتحسين الخدمات الموجهة إليها. وعلى الرغم مما تتيح المضامين الدستورية من حقوق لفائدة أفراد الجالية المغربية بالخارج، إلا أن الحكومتين السابقتين لم تستطيعا التفاعل إيجابيا بالشكل المطلوب مع هذه المقتضيات، ولم ترتق منجزاتهما في ملف مغاربة العالم إلى بلورة سياسة عمومية شاملة ومندمجة تراعي خصوصيات هذه الفئة. لقد حقق المغرب تراكما مهما في تدبير ملف المواطنات والمواطنين في الخارج، إلا أن ذلك لم يرق إلى مستوى تطلعات هذه الفئة. كما أن المستجدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلدان الإقامة تفرض تحديات جديدة على الهجرة المغربية، مما يجعل منها مسألة دائمة التحول، وهو ما يستجوب على جميع الفاعلين التتبع المستمر لقضايا مغاربة العالم، وبلورة برامج حكومية تستجيب لانتظاراتهم وتجعل مقاربة الهجرة في صلب مختلف السياسات العمومية. ما هي أهم التحديات التي تواجه الجالية المغربية في بلدان الإقامة؟ تتمثل أهم التحديات التي تواجه أبناء الجالية المغربية، خصوصا في أوروبا، في تداعيات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها جائحة كورونا، بالإضافة إلى التحديات السياسية التي كرستها الأزمة الصحية، مثل استمرار صعود اليمين المتطرف وتوسع رقعة انتشار خطابه المعادي للتعدد وللأجانب، سواء في وسائل الإعلام الكلاسيكية أو حتى في مواقع التواصل الاجتماعي وما تتيح من إمكانيات للتأثير تصل إلى درجة الاستعانة بالأخبار الكاذبة لما يتماشى مع أجندتها السياسية. من هذا المنطلق، وبمناسبة الإعلان عن تشكيل الحكومة، ارتأى مجلس الجالية المغربية بالخارج التفاعل مع الحكومية الجديدة، من خلال إحاطتها علما ببعض الإشكاليات ذات الأولوية ضمن قضايا الهجرة المغربية، بغية استحضارها في إعداد التصريح الحكومي وبلورة مقترحات عملية للإحاطة بها في برنامج الولاية الحكومية. بصفتكم مجلسا استشاريا، ما هي الملفات التي تعتبرونها ذات أولوية أمام الحكومة الجديدة فيما يخص المغاربة بالخارج؟ أولا، تنزيل المضامين الدستورية المرتبطة بالجالية المغربية بالخارج التي سبق لصاحب الجلالة في خطاب العرش أن دعا إلى تفعيلها، خصوصا تلك المتعلقة بإدماج ممثلين عن الجالية المغربية بالخارج في المؤسسات الاستشارية وهيئات الحكامة والديمقراطية التشاركية، لتعزيز مشاركة مغاربة الخارج في الحياة الوطنية. كما يعتبر الإسراع في إخراج قانون لمجلس الجالية المغربية بالخارج من بين النقاط ذات الأولوية لاستكمال تفعيل مضامين دستور 2011. المسألة الثانية هي تبسيط المساطر الإدارية الموجهة إلى مغاربة العالم، سواء في القنصليات والسفارات أو في الإدارات العمومية في المغرب. وقد تم تسجيل تحسن نسبي في العمل القنصلي في شقه الإداري في السنوات الأخيرة بفضل التوجيهات الملكية. أما فيما يتعلق بباقي القطاعات، فإنه على الرغم من الرغبة التي عبرت عنها الحكومة السابقة في مجال تبسيط المساطر الإدارية وتحسين الخدمات الإدارية الإلكترونية المقدمة إلى الجالية المغربية بالخارج، إلا أن وتيرة الإنجاز لم ترق إلى الوعود المعبر عنها في هذا الباب. كما تعتبر حماية الهوية الثقافية والدينية لمغاربة العالم مسألة ذات أولية استراتيجية في ظل ما تعرفه معظم دول الإقامة من تحولات وبروز قوانين جديدة متعلقة بالحمائية الثقافية والدينية، وهو الأمر الذي سيزيد من تعقيد مسألة التأطير الديني والهوياتي لمغاربة العالم وفقا للنموذج المغربي المتسم بالوسطية والاعتدال. من أجل ذلك، فإن الحكومة مدعوة إلى التفكير في مسألة التأطير الديني لمغاربة العالم وتكوين الأئمة العاملين في بلدان الإقامة بتعاون مع المؤسسات الأكاديمية في هذه الدول، وتوفير معرفة علمية حول النموذج الديني المغربي، ودعامات تربوية باللغات الأوروبية لإبراز تعدد الثقافة المغربية وتقوية حضورها في أوساط الجالية المغربية. في نفس الإطار، فإن التأطير الثقافي لمغاربة العالم يبقى مسألة ذات بعد استراتيجي بالنسبة للمغرب، خصوصا بالنسبة للأجيال الجديدة التي يختلف ارتباطها مع بلدها الأصلي على ما كانت عليه الأجيال المهاجرة الأولى. من أجل هذا الهدف، وتماشيا مع توصية لجنة النموذج التنموي، فإن خلق وكالة ثقافية موجهة إلى الجالية المغربية بالخارج، وإلى بلدان الاستقبال بصفة عامة، أصبح حاجة ملحة تضمن ليس فقط تلقين الأجيال الجديدة عناصر الثقافة المغربية المتعددة والمنفتحة، بل تمكن أيضا الثقافة المغربية من الانفتاح على الثقافات العالمية وجعل عناصرها قابلة للتسويق على الصعيد الخارجي، وهو ما سينعكس إيجابا على صورة المغرب في الخارج ويزيد من التعريف به في العالم كوجهة مفضلة للسفر واكتشاف مختلف جوانب فن العيش المغربي. في إطار توصيات لجنة النموذج التنموي المتعلقة بالجالية المغربية، تم التأكيد على قضية تعبئة الكفاءات المغربية بالخارج من أجل المساهمة في التنمية الوطنية، ما هي في نظركم الأسس التي تنبني عليها هذه التعبئة؟ أخذا بعين الاعتبار العدد المهم من الكفاءات ذات التكوين العالي المنحدرة من الهجرة المغربية، فقد أوصت لجنة النموذج التنموي في تقريرها باعتماد مقاربات محفزة تعزز جذب مغاربة العالم ذوي المؤهلات العالية والعاملين في القطاعات المتطورة. وهي التوصية التي تأخذ طابع الاستعجالية بالنظر إلى شدة التنافس على هذه الفئات، وأيضا لما للمعرفة العلمية من أهمية مركزية في بناء لبنات مغرب المستقبل. لقد أظهرت جائحة كورونا والمجهودات التي بذلتها دول العالم للخروج منها في أسرع وقت ممكن، المنافسة الكبيرة على الكفاءات العلمية والتقنية على الصعيد الدولي، والإغراءات الاقتصادية والاجتماعية التي تقدمها مختلف الدول للكفاءات العالية من أجل استقطابها والاستفادة من مؤهلاتها، سواء في المجال الطبي أو التقني أو في مجال الذكاء الاصطناعي. لذلك، فإن إشراك مغاربة العالم في تنمية وطنهم الأم يجعل من الضروري رفع العراقيل الإدارية أمام الكفاءات المغربية بالخارج الراغبة في الاشتغال أو الاستثمار في المغرب، وتحديدا فيما يرتبط بمطابقة الشهادات الجامعية والاعتراف بخبرتهم العلمية والتقنية المكتسبة في بلدان الإقامة، خصوصا في ميدان التعليم العالي وفي المجال الصحي، وتسهيل عملية التسجيل في الهيئات المهنية، مثل هيئة الأطباء وهيئة الصيادلة وهيئة المهندسين، وتوفير ظروف ملائمة لتسهيل استقرار هؤلاء الكفاءات وعائلاتهم، وضمان سلاسة ولوج أبنائهم في النظام التعليمي. تعاني العديد من الفئات الهشة في الهجرة المغربية من مشاكل مرتبطة بوضعيتها في دول الإقامة، مما يؤثر على حقوقها الأساسية، خصوصا فئة المسنين في المهجر التي تبقى غائبة عن النقاش العمومي، ما هي السبل الممكنة لحماية حقوق هؤلاء وكرامتهم؟ لقد أمضى آلاف المواطنين المغاربة المسنين جزءا مهما من حياتهم المهنية في مجموعة من الدول الأوروبية، وهم حاليا في وضعية هشة ولا يستفيدون في الغالب سوى من معاشات وتعويضات هزيلة. ومع ذلك، فإنهم مجبرون على المكوث في دول الإقامة في ظروف معيشية صعبة من أجل الاستمرار في الاستفادة من هذه التعويضات، وهو ما يحد من تحركهم نحو بلدهم الأم ويمنع عودتهم إليه. لذلك، فمن الضروري العمل على إيجاد حل لتحسين وضعية مواطنينا المسنين في دول الهجرة، وتسهيل تحركهم وعودتهم إلى المغرب، وضمان إمكانية نقل التعويضات التي يحصلون عليها والحقوق المرتبطة بها إلى المغرب لتوفير العيش الكريم. وبهذه المناسبة، نذكر بأن حماية الحقوق الاجتماعية لجميع فئات المهاجرين المغاربة تتطلب إعادة النظر في اتفاقيات الضمان الاجتماعي واتفاقيات اليد العالمة التي تجمع المغرب مع البلدان الأساسية للهجرة المغربية، بتحيينها وتضمينها بنودا إضافية تماشيا مع الإشكالات الجديدة التي تهم هاته الفئة. من جهة أخرى، فقد أصبح من الضروري توسيع دائرة الاتفاقيات لتشمل دولا أخرى لإقامة الجالية المغربية، لأن الاتفاقيات سارية المفعول حاليا لا تشمل سوى 14 بلدا، في وقت يوجد المغاربة في أكثر من 50 دولة عبر العالم.