في الصورة النجمة المغربية المتألقة نجاة الوافي التي شكلت لوحدها عنصرا مضيئا في المشاهد التي لعبت فيها "" "الإخوة كرامازوف" ينزلون في آزرو وتقنيات الإخراج المسرحي تغزو بنية العمل الدرامي شكلت بعض الانتاجات الدرامية الرمضانية خلال السنة الماضية، محطة مهمة لدى المشاهد المغربي وما زالت مشاهدها، على الرغم من مرور شهور عديدة على عرضها، راسخة في ذهنه حتى اليوم. في هذه الزاوية نتوقف مع تجربة مسلسل «وجع التراب» الذي اقتبسه الفنان شفيق السحيمي، عن رواية «الأرض» للكاتب الفرنسي إميل زولا، إنتاج القناة الثانية التي عرضته في شهر رمضان الماضي، ولاقى نجاحاً كبيراً لدى الجمهور المغربي محققاً نسبة عالية من المشاهدة، وكان المسلسل كما سلفت الإشارة بطولة و اقتباس الممثل و السيناريست شفيق السحيمي إخراج :رضوان القاسمي بطولة: شفيق السحيمي، محمد البسطاوي، سلوى الجوهري، فاطمة وشاي، حسن مضياف، جميلة الهوني، أمين الناجي، نفيسة الدكالي، العربي الساسي وآخرين. شفيق السحيمي يطل هذه السنة مرة أخرى على شاشة القناة الثانية، من خلال شخصية الأب في مسلسل «تريكة البطاش»، المقتبس عن رواية«الإخوة كارامازوف» لفيودور دوستويفسكي، ويكرس نفسه كاتبا للسيناريو ومخرجا في هذا العمل الدرامي الجديد المتكون من ثلاثين حلقة. يشارك في المسلسل الذي يعرض يوميا على القناة الثانية ، نخبة من الوجوه الفنية منها: الفنانة نعيمة إلياس، نجاة الوافي، السعدية أزكون، عمر السيد، ابن إبراهيم، مصطفى اهنيني، اليزيدي محمد، محمد عاطفي، آمال الثمار، ميلود الحبشي، مجموعة جيل جيلالة وآخرون. وقد امتد تصوير أحداث المسلسل على مسافة زمنية قدرت بثمانية أشهر بكل من أقاليم الحاجب، إفران، آزرو، ومكناس. ما يهمنا في هذه الورقة هو طرح سؤال بسيط، عن سر هذا التراجع الواضح مقارنة بالسنة الماضية وبتجربة "وجع التراب" وأين يكمن العائق إذا كانت الإمكانيات التي رصدت وفيرة ومتنوعة، ماديا لوجيستيا، مع تجنيد كوكبة من الممثلين المغاربة النجوم، ، وخبير في مجال المسرح كالأستاذ شفيق السحيمي ورواية من روائع الأدب العالمي. ومع أن الرواية الروسية ذائعة الصيت، قد شكلت مادة مسرحية وسينمائية بالنسبة للعديد من الانتاجات الدرامية العالمية، شأنها بطبيعة الحال شأن رواية الأرض لإميل زولا، فان بصمة شفيق السحيمي برزت واضحة في محاولة لخلق تطابق بين أحداث الرواية وواقع القرية المغربية الراهن، مع المحافظة على بنية و نسق القصة الأصلية، هذا الاستنبات الذي كلل بالنجاح مع إميل زولا في نسخة "وجع التراب" ، وهو التزام أدبي وفني لم يكن دائما على الموعد خلال العمل الدرامي الجديد " تريكة البطاش" ، الذي شاهدنا أغلب حلقاته، لحد الآن، دون أن يبدو فيه ما يستطيع حقا شد انتباه المشاهد، ويمكن أن نجزم كمشاهدين أو كممارسين لنوع من النقد الانطباعي البسيط، بأنه لن يستطيع أن يترك الصدى المطلوب جماهيريا، وذلك لعدة اعتبارات، من بينها أنه شكل جنسا فنيا جديدا ولد على تماس بين لوحات المسرح والدراما التلفزيونية، يستعير الكاميرا بكادراتها المتحركة، المحملة بمشاهد غابات الأطلس المتوسط الرائعة وصورا لمشاهد خارجية منتقاة، فانه دون شك يبقى وفيا لتقنيات الإلقاء المسرحي على مستوى الحوار، ويكاد المتفرج يشعر بالممثلين يتحركون بحرج داخل ركح ضيق، دون الحديث عن كل ذلك التمطيط والتطويل في الحوارات بشكل مقصود وغير مبرر، مع إقحام لمشاهد فارغة المحتوى أو غير متحكم فيها، إضافة إلى تحرك بطيء للأحداث وغياب عنصر المفاجأة، لدرجة أفقدت العمل عنصر التشويق، مع الاستعانة بشخصية الراوي الذي يكرر سرد الأحداث، وهو ما زاد الطين بلة، حوارات مطولة على شكل خطب، ووصلات شعبية للشيخات داخل ما سمي ب " لوبيرج ديال الفاسي " ربما لشد انتباه، ولقطات مطولة لرقص شخوص العمل كل على حدة، التطويل أو التمطيط هو ما نجح المسلسل فيه، مايزيد عن 30 في المائة من إحدى الحلقات كانت عبارة عن إعادة متعمدة لمشاهد سبق عرضها، ثم جاء المنعطف الذي تتحول معه "تريكة البطاش" إلى مسلسل بوليسي، وصارت حلقاته تمر داخل مكتب التحقيق بكلمات مكررة ومعادة بين محققين ومتهم، في حين تم تجميد طاقم هائل من النجوم فوق كراسي الكوميسارية وتحويلهم بالتالي إلى كومبارس إن لم نقل إلى قطع ديكور، والمسلسل في هذا صار يرقى إلى مرتبة روبورطاج عن الشرطة العلمية وطرق اشتغالها وجو الحرية والحوار الديمقراطي داخل مكاتب التحقيق، وعن الوسائل التي تمتلكها الشرطة من بنايات رائعة وسيارات جديدة لم تشغل قبل تصوير المسلسل، ولقطات مطولة عن شوارع نظيفة مضاءة ومتسعة تمر منها سيارات الشرطة الجديدة، دون أن يكون استنبات رواية "الإخوة كرامازوف" في التربة المغربية يتطلب كل هذا العناء، إضافات هنا وهناك دون تنسيق أو حسن توظيف، شخصية الراوي غير مقبولة مطلقا خصوصا بالشكل العاري الذي قدمت به وتحولها شيئا فشيئا إلى جزء من الأحداث، دون مقدمات، وكاننا بخيوط اللعبة قد أفلتت من يد المخرج ولم يعد يتحكم في مسارها. يبقى أن نشير إلى أن "تريكة البطاش" لم تخل كذلك من حسنات على رأسها نخبة الممثلين الذين شاركوا في هذا العمل الدرامي،من بينهم شفيق السحيمي نفسه والمقنع في تشخيصه عبد الفتاح البطاش، عفوا الفنان مصطفى هنيني، ونخبة من الممثلين الذين لهم مكانتهم وأثبتوا جدارتهم أمام الكاميرا أو فوق الخشبة، كذلك بعض الوجوه الفنية التي لم نعد نراها كثيرا منذ مدة كالسعدية ازكون والفنانة أمل الثمار، أما النجمة المغربية المتألقة نجاة الوافي التي شكلت لوحدها عنصرا مضيئا في المشاهد التي لعبت فيها. أين يكمن الخلل في انتاجاتنا الدرامية الوطنية وهي في أحسن الأحوال وأرقاها لا تقنع سوى شريحة معروفة من المشاهدين المغاربة، في حين يشعر كل الباقين بأنهم ضحايا محاولة استبلاد لذكائهم، فيتحولوا مكرهين إلى الفضاء الرقمي بوجباته المتنوعة، أين انتاجاتنا من الدفاع عن شرعية وجودها بالأحرى خوض منافسة شرسة متعددة الروافد. من المستفيد من نشر الإسفاف؟ ومن تعميق هوة من عدم الثقة بين المشاهد المغربي ونجومه المحليين وإنتاجه الدرامي الوطني. ومن يدفع ثمن كل ذلك في الأخير.