يكاد يتفق جميع المتابعين الإعلاميين المحايدين على أن ما حصل في مصر هو انقلاب عسكري كامل الأركان ، و لكن لا يتفق الكثيرون على أن ما حصل في مصر يمكن أن تكون له ارتدادات في المغرب، اعتمادا على مقولة الاسثناء والخصوصية المغربية، التي تمنعه من أن يكون حقل تجارب لنماذج سياسية أخرى مهما كانت مظاهر التقارب و التشابه بينه وبينها. رأى الكثير من المتتبعين في خطاب الملك الأخير سابقة تحمل في طياتها الكثير من المقدمات الدلالية على عدم رضى السلطة الرئيسية في البلاد على أداء الحكومة. كما أن الكثير يرى كذلك في الزيادة في بعض المواد الاستهلاكية الأساسية كالحليب، مؤشرا يمكن أن يقرأ على أنه بداية توريط الحكومة في صدامات اجتماعية غير مأمونة العواقب . ويرى الكثيرون كذلك أن خرجات الأمين العام لحزب الاستقلال الأخيرة ، بدءا من الخروج من الحكومة إلى المطالبة بحل حزب العدالة و التنمية،وخرجات ادريس لشكر الانتقائية، ومواقف حزب الأصالة و المعاصرة المدروسة في التوقيت وفي المواضيع ، تسير كلها في اتجاه تضييق الخناق على عبد الإله بنكيران وتثبيته في زاوية الدفاع عن النفس عوض التفكير في اختيارات إصلاحية يمكن أن تلمع صورة الحزب و تعيد له شيئا من جماهيريته المفقودة. ويرى آخرون أن رجال الأعمال باعتبارهم محركا مهما للاقتصاد المغربي يعملون منفردين في غياب أي تنسيق مع الحكومة ، زيادة في تأزيم وضعيتها الاعتبارية و الاقتصادية ، كانت مقدمة هذا الاتجاه موقف ( مريم بنصالح ) و ما تمثله ، من زيارة رئيس الوزراء التركي ووفده الاقتصادي الهام ، برفض هذه الزيارة و إفراغها من محتواها السياسي والاقتصادي . إذا أضفنا إلى هذه المقدمات إحياء الحديث عن الدور المزدوج الذي يلعبه الإسلاميون في المغرب على وتيرتي حزب العدالة و التنمية وحركة التوحيد والإصلاح ، وضبابية العلاقة بينهما، وتبادل الأدوار المقصود، وغير ذلك مما يدخل في نطاق الاتهامات التي أضحت مشجبا لكل من أراد التشكيك في مدى و طنية التيار الإسلامي المغربي وصحة نواياه . وإذا أخذنا بالاعتبار الدعوات المتنامية في المغرب لجعل إخوان بنكيران وجماعة العدل والإحسان والسلفية بشقيها، الدعوي و الجهادي، في سلة عقائدية واحدة لا اختلاف بينها إلا في التنظيم ، وأن التمييز بينها على أساس معتدل ومتطرف ، هو في العمق تمييز إجرائي فقط لأن العلاقة بينهما تشبه إلى حد كبير علاقة القلم و البندقية في أدبيات حركات التحرر في دول العالم الثالث في القرن الماضي. إذا تأملنا هذه المعطيات نجد أنفسنا أمام محاولة ممنهجة لشيطنة إخوان المغرب بشكل يختلف عن النمودج المصري في المقدمات ، ولكنه يلتقي معه في كثير من النتائج ، لعل أهمها انتهاء تجربة حكومة العدالة والتنمية بفشل ذريع في تدبير الشأن العام مع التركيز على قصورها الفكري ومحدودية تجربتها السياسية في التسيير و التدبير، بشكل يكون متشابها إلى حد كبير مع فشل تجربة الإخوان المسلمين في مصر. اعتمادا على كل هذا، هل يرتكب إخوان حزب العدالة و التنمية نفس الأخطاء المنهجية التي ارتكبها إخوان مصر؟ هل يتعض إخوان المغرب من التجربة المصرية باعتبارها نموذجا يستحق الاستفادة منه ، وينسون السياقات السياسية و الاجتماعية التي أتت بحكومتهم، ويؤجلون الحديث عن الديمقراطية و الصندوق الانتخابي و غيره وينتبهوا لما يرتب لهم ، أم سيشتغلون بنفس المنهج المعتمد على بنية فكرية قائمة على الاعتقاد بامتلاك الحقيقة و الشرعية والمشروعية ، بعيدا عن القراءة الحقيقية للواقع السياسي القائمة على البراغماتية و المناورة السياسية ؟ كل المؤشرات تدل على أن إخوان المغرب يستحضرون طريقة عمل إخوانهم المصريين بدون أي تعديل أو تنقيح. إخوان العدالة والتنمية لا زالوا يراهنون على النيات الحسنة في علاقتهم بالملك و المشي أكثر إلى الأمام في لعب دور( ملكي أكثر من الملك ) رغم أن المرحلة تقتضي منهم تغيير استراتيجية الأداء السياسي ليتماشى مع المتغيرات التي طرأت على الواقع والخطاب الذي تسوقه الدولة، خاصة وأن عاصفة الربيع العربي، التي يلوح بها عبد الإله بنكيران كل مرة، أصابها الكثير من الوهن، وفقدت الكثير من الرياح التي يمكن أن تحرك مواقف الدولة واختياراتها في البحث عن بدائل أخرى للتسيير والتدبير السياسي للحكومة تمشيا مع المستجدات والمتغيرات . الرهان على الحديث عن منجزات الحكومة ، يمكن اعتباره في هذه المرحلة إنشاء سياسيا لا جدوى من ورائه ، إذ كيف يمكن الحديث عن منجزات و كل المعطيات والمؤشرات تدل على أن الحكومة في ورطة سياسية و اقتصادية كبيرة؟ كيف يمكن الحديث عن الفتوحات العظيمة للحكومة وهي منذ شهور حكومة تصريف أعمال ليس إلا ؟ كيف يعقل أن يتحدث حزب الحرية والعدالة عن حكومة ناجحة وهي لم تستطع تدبير اختلافاتها الداخلية وعجزت عن ترتيب المتغيرات التي حصلت داخل حزب الاستقلال بشكل يخدم الحكومة و يقويها، إذ كان يكفي تغيير الفريق الحكومي لحزب الاستقلال لأنه ينتمي للفريق الخاسر (جناح الفاسي)بفريق المنتصر في معركة الأمانة العامة (جناح شباط) بعيدا عن كل عناد أو تنطع. كما أن القراءة السياسية السليمة كانت تقتضي وضع تعيين الوزير المستقيل (نزار بركة) رئيسا للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي، وتكليف الوزير (أخنوش) بمهام وزارة المالية، في سياقها الصحيح ، خاصة و أن البعض يتساءل عن مدى دستورية مثل هذه التعيينات . إن كل حديث عن المنجزات السياسية لحكومة العدالة و التنمية في هذه المرحلة، وأمام هذا التراكم الكبير للإخفاقات، يمكن أن يقرأ على أنه تقصير استراتيجي كبير، وإعادة لنفس النهج السياسي للإخوان المسلمين في مصر، والذي أوصل الجميع إلى الهاوية. صحيح أن تجربة الإخوان في مصر تختلف عن تجربة الإخوان في المغرب، ولكن الدولة العميقة في مصر تتلاقى في كثير من الجوانب مع دولة المغرب العميقة ، كما أن اللعبة الديمقراطية في المغرب ومصر، قبل الربيع العربي على الأقل، يمكن اعتبارها منتمية لنفس المدرسة السياسية، من هنا إمكانية إخراج حزب العدالة و التنمية من المشهد السياسي واردة جدا، ولم يبق إلا السيناريوهات الممكنة لهذا الخروج . ومراعاة للخصوصية المغربية دائما، سيناريو الإقصاء السياسي لحزب العدالة و التنمية غير وارد إطلاقا ، لأن أحداث 16 ماي 2003 بكل خلفياتها الدموية و السياسية لم تستطع إخراج الحزب من المشهد السياسي بالرغم من أن كل الظروف كانت مهيأة، رفض الدولة حل حزب العدالة و التنمية، رغم طلب العديد من الأحزاب السياسية ذلك وفي مقدمتها حزب الاتحاد الاشتراكي، كان بوازع استشرافي للمستقبل، وقد أثبت التاريخ أن هذه القراءة كانت في محلها حين تم استغلال ورقة حزب العدالة و التنمية أحسن استغلال للخروج بأقل الأضرار الممكنة بعد 20 فبراير. النموذج المصري غير صالح لإنهاء تجربة إخوان بنكيران في الحكم في المغرب، خاصة و أن تجربة الإنصاف والمصالحة بعد سنوات الرصاص قد أعطت ثمارا سياسية مهمة لا يمكن القفز عليها. تبقى طريقة التشويه السياسي و العراقيل الاقتصادية و الاجتماعية هي الأقرب إلى التطبيق، لذلك اعتبر الكثيرون طريقة إجراء التفاوض بين عبد (الإله بنكيران) و (صلاح الدين مزوار) لترميم الحكومة فيها الكثير من الإهانة لحزب العدالة والتنمية و تنزع عنه الكثير من مصداقيته، هذا فضلا عن أن البعض من داخل الحزب يعتقد أن الانفتاح على حزب الأحرار، بخلفياته السياسية الإدارية ، فيه إساءة كبيرة سواء للحزب أو للحركة الإسلامية. كما أن رد الفعل على الزيادة في ثمن الخليب كان متأخرا و باهثا لا يحمل في طياته أي إجراء حكومي فعال. و غير ذلك من القرارات والمواقف الأخرى التي تعطي الانطباع بأن الحكومة إما عاجزة أو مترددة أو مترنحة . أضف إلى ذلك اعتبار الكثيرون أن استبعاد حزب العدالة والتنمية لانتخابات سابقة لأوانها يعطي الانطباع بتشبث إخوان المغرب بالحكم و تمسكهم بمواقع السلطة و امتيازاتها. من هنا يمكن اعتبار اعتراف رئس الوزراء عبد الإلاه بن كيران بأنه يمثل حكومة أقلية في البرلمان ، جاء متأخرا كثيرا، مما لا يدع مجالا للشك أن الحس السياسي الذي يستقرئ الوقائع و يبني عليها مقتضاها لا يستعمله إخوان العدالة والتنمية في الوقت المناسب . ولهذااعتبرت دعوة (ابن كيران) للمعارضة إلى تقديم ملتمس رقابة إذا كان عمل الحكومة لا يروقها، أوالمطالبة بانتخابات سابقة لأوانها، يمكن إدخاله في سياق المناورة السياسية المكشوفة ، لأن المطلوب منه الدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها هو حزب العدالة و التنمية وليس غيره، لأنه فقد أغلبيته أولا ، ثم ثانيا، لأنه لم يستطع لحد الآن تكوين حكومة جديدة، وأغلب الظن أنه لن يستطيع، هذا بغض النظر عن مدى جدارة حزب الأحرار في تعويض حزب الاستقلال ، على الآقل من الناحية الأخلاقية، ثم لأن المنطق السليم كان يقتضي من إخوان المغرب مراعات الحس العام لجمهور الحزب الذي يسير في اتجاه رفض التحالف مع حزب الأحرار، وفي نفس الوقت يتضامن مع إخوان مصر بعيدا عن السياسة الرسمية للدولة، الشيء الذي جعل العيش في خضم هذا التناقص يزيد من حجم الخسارة السياسية للحزب. إن الدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها كان يمكن أن يكون حلا فيه الكثير من الرجاحة السياسية ، لحفظ ماء وجه إخوان المغرب أولا، والحد من الخسائر السياسية الخارجة عن نطاق الحكومة، والنابعة من مكونات الدولة العميقة ، ثم ثانيا لوضع حد للتناقض الصارخ الذي يعيشه حزب العدالة والتنمية بكل هيئاته الفاعلة ، فيما يخص الموقف مما جرى في مصر وتأرجحه بين الموقف الرسمي للدولة التي قبلت بالانقلاب، والموقف التظيمي للحزب الرافض للانقلاب بشكل واضح ، كما يمكن إضافة عنصر آخر يزيد من حدة الحرج وهو موقف جماعة الإصلاح والتجديد باعتبارها أحد مكونات التنظيم العالمي للإخوان المسلمين . أحد صقور حزب العدالة و التنمية المغربي أقر بأن سقوط حكم الإسلاميين في مصر، سيتبعه لا محالة سقوط كل التجارب الإسلامية الأخرى في العالم العربي . بناء عليه، نهاية تجربة الإسلاميين في المغرب هي تحصيل حاصل، هي مسألة وقت فقط ، تبقى الطريقة، وهي الآن تطبخ على نار هادئة في انتظار الوقت المناسب. مطاردة الساحرات والتماسيح والعفاريت ، واستعمال مبدأ عفا الله عما سلف في غير حينه، وانتقاء بعض الملفات الاجتماعية دون غيرها بشكل دعائي،لم تكن هي الوصفة السياسية المثلى لتسويق مشروع سياسي يحمل في طياته الكثير من الوعود والمتمنيات. كما أن عدم القدرة على تفعيل الدستور وتنزيله لصالح رئيس الوزراء و الحكومة اعتبر خطأ كبيرا، أضف إلى ذلك التقصير السياسي في التعامل مع سقوط الأغلبية الحكومية، ثم إن معالجة الحرج المتعلق بالانقلاب العسكري في مصر شابها الكثير من التخبط والتردد و سوء التقدير لحجم التناقض بين الرأي العام داخل الحزب والرأي السياسي داخل الحكومة. كل التصريحات التي تسوقها الدولة، تدل على أن وقت التغيير قد حان ، وأن مرحلة الإسلاميين كانت إنتقالية، وقد حان الوقت لإعادة الأمور إلى نصابها. أما خرجات مكونات الحكومة، أو ما تبقى منها، المتشبثة بالحكم فرغم مشروعية مطالبها وحقها في الدفاع عن وجودها واختياراتها، تبقى غير قادرة على إعادة التوازن لنفسها، في غياب المساندة والدعم ممن يحرك خيوط العمل السياسي في المملكة السعيدة.