حضور باهت يعكس مستوى المنظومة توجد تصنيفات دولية عديدة للجامعات، أشهرها تصنيف شنغهاي وتصنيف مجلة التايمز للتعليم العالي. وقد صدر، الأسبوع الماضي، عن هذه الأخيرة التصنيف العالمي للجامعة لسنة 2022، الذي بوأ مركز الصدارة مرة أخرى للجامعات البريطانية والأمريكية مع دخول جامعتين صينيتين لأول مرة نادي الجامعات العشرين الأوائل. ويعتبر دخول تصنيف التايمز اختياريا لجميع مؤسسات التعليم العالي عبر العالم؛ لكن شريطة استيفاء ثلاثة معايير لكي يتم تضمينها في التصنيف. وهذه المعايير هي أولا نشر عدد كافٍ من الأوراق البحثية في الخمس سنوات الماضية لا يقل عن ألف ورقة، أي بمعدل 200 بحث في السنة، وتوفير الدراسة لطلبة التعليم العالي ما قبل الإجازة، وتوفير تكوينات في مجموعة من التخصصات. وإذا كانت جميع الجامعات المغربية تستوفي بطبيعتها الشرطين الثاني والثالث فإن الشرط الأول المتعلق بالإنتاج العلمي ما زال يشكل عقبة أمام دخول أكثر من نصف الجامعات المغربية إلى هذا التصنيف العالمي، على الرغم من أنه لا يشكل في المتوسط سوى أقل من ورقة بحثية لكل أستاذ باحث كل خمس سنوات. في حين تمكنت ست جامعات إلى حد الآن من دخول هذا التصنيف العالمي؛ الشيء الذي لا يمكن أن يوصف بالتالي بالإنجاز، بل فقط بتحقيق القابلية للتصنيف ضمن الجامعات التي تستوفي الشروط الثلاثة سالفة الذكر. عندها فقط يبدأ التباري قياسا إلى مجموعة من المعايير تهم معيار بيئة التعلم من خلال مؤشرات السمعة العلمية ونسبة التأطير الإداري ونسبة الطلبة الدكاترة قياسا لطلبة الإجازة ونسبة خريجي الدكتوراه قياسا لعدد الأساتذة المؤطرين والدخل المؤسساتي، ومعيار البحث العلمي من خلال مؤشرات السمعة البحثية والدخل البحثي والإنتاج البحثي، ومعيار التأثير البحثي من خلال مؤشر عدد الاقتباسات المتضمنة في المجلات العلمية المفهرسة. هذه المعايير الثلاثة يحتسب كل منها بنسبة 30 في المائة في التقييم النهائي للجامعات المشاركة في تصنيف التايمز. يضاف إليها معيار الحضور الدولي الذي يحتسب ب7.5 في المائة من خلال مؤشرات نسبة الطلبة الدوليين، ونسبة الأطر الدولية والتعاون الدولي، ثم معيار نقل المعرفة الذي يحتسب ب2.5 في المائة من خلال مؤشر الخدمات التي تقدمها الجامعة لعالم المقاولات. بلغ عدد الجامعات التي قدمت، هذه السنة، معطياتها من أجل الحضور في تصنيف التايمز 2112 جامعة، تنتمي إلى 111 دولة. ويعزى هذا الارتفاع إلى قيام المؤسسة المشرفة على التصنيف برفع القيد عن عدد الجامعات المسموح لها بالدخول إلى التصنيف؛ وذلك منذ سنة 2016، وهي السنة التي صادفت دخول أول جامعة مغربية إلى هذا التصنيف الدولي وهي جامعة القاضي عياض، التي صنفت ذلك العام في الرتبة ال776 من 800 جامعة مشاركة، بحصولها على 14.7 نقط من 100 نقطة ممكنة، في حين أن المتوسط الدولي هو 50 نقطة. وقد مكن هذا المعطى جامعات مغربية أخرى من الدخول إلى تصنيف التايمز للتعليم العالي، بحيث عرفت سنة 2017 مواصلة جامعة القاضي عياض لمشاركتها؛ لكنها تراجعت في التصنيف إلى المرتبة ال841 على الرغم من التحسين الطفيف لنقطها بحصولها على 17.3 نقط. كما شاركت لأول مرة جامعة محمد الخامس وصنفت في الرتبة ال894 بحصولها على 15.1 نقطة، وجامعة سيدي محمد بن عبد الله التي صنفت في الرتبة ال962 وحصلت على 11.5 نقطة فقط. وواصلت هذه الجامعات الثلاث نفسها حضورها في تصنيف 2018 في مراتب ما بعد 900 وبمتوسط نقط يتراوح ما بين 14.9 و19.1 نقطة، وانضافت إليها جامعة الحسن الثاني سنة 2019؛ لكن ظلت جميعها في المستوى نفسه من التصنيف ومتوسط نقط تأرجح ما بين 16 نقطة لجامعة الحسن الثاني و23.8 نقط لجامعة سيدي محمد بن عبد الله. وفي سنة 2020، التحقت جامعة ابن طفيل بهذا الركب الرباعي؛ لكنها لم تتمكن من الحصول إلا على 16.3 نقط، في حين تمكنت جامعة سيدي محمد بن عبد الله من الحصول على أفضل نقطة للمشاركات المغربية إلى حد تلك السنة بحيث حصلت على 28.4 نقط، الشيء الذي مكنها من بلوغ الرتبة نفسها التي سبق أن بلغتها جامعة القاضي عياض سنة 2016 أي 776 لكن الفرق هو أن عدد المشاركين في التصنيف آنذاك لم يتجاوز 800 أما سنة 2020 فقد بلغ 1397، مما جعلها في منتصف الترتيب تقريبا. هذا الخماسي نفسه عاود المشاركة سنة 2021 التي يمكن اعتبارها أحسن مشاركة مغربية إلى حد الآن؛ لأن جميع الجامعات حسنت نقطها، باستثناء جامعة محمد الخامس، غير أن موقع جميع هذه الجامعات في الترتيب العام ظل في الرتب ما بعد المرتبة ال900 عالميا، كما أن أحسن نقطة حصلت عليها جامعة سيدي محمد بن عبد الله لكنها لم تتجاوز 29.7 نقط. في آخر تصنيف للتايمز للتعليم العالي برسم سنة 2022، الصادر في بداية شتنبر 2021، نجد أن المغرب حاضر بست جامعات؛ أولاها في الترتيب العام جامعة سيدي محمد بن عبد الله التي حلت في المرتبة ال918 ب29.2 نقطة على 100، وأخراها جامعة الحسن الأول التي تشارك لأول مرة واحتلت المرتبة ال1627 ب3.1 نقطة، وذلك من بين 1662 جامعة تم اعتبارها في التصنيف. مما يعني أن باقي الجامعات المغربية، بما في ذلك الجامعات الخصوصية وتلك المسماة بالشريكة، لا تتوفر فيها الشروط الدنيا لولوج تصنيف التايمز للتعليم العالي. وإذا قارنا هذه النتائج مع نتائج الجامعات العربية نجد أن أول جامعة مغربية في التصنيف احتلت المرتبة ال31 عربيا، مسبوقة بعشر جامعات سعودية، وسبع جامعات مصرية، وخمس جامعات إماراتية، وثلاث جامعات أردنية، وجامعتين جزائريتين، وجامعة لبنانية، وجامعة قطرية، وجامعة عمانية، وجامعة فلسطينية. علما أن تصنيفا خاصا بالدول العربية نظمته التايمز للتعليم العالي في شهر يوليوز 2021 عرف تصنيف أول جامعة مغربية في الرتبة ال41. أما المقارنة مع المشاركة الإفريقية، فتبين أن أول جامعة مغربية احتلت المرتبة ال26، تاركة المراتب الأولى إفريقيا لتسع جامعات من جنوب إفريقيا، وسبع جامعات مصرية، وثلاث جامعات من نيجيريا، وجامعتين من الجزائر، وجامعة من غانا، وجامعة من أوغندا، وجامعة من إثيوبيا، وجامعة من كينيا. وقد احتلت أول جامعة عربية وهي جامعة الملك عبد العزيز من السعودية المرتبة ال190 عالميا ب54.5 نقط، كما احتلت أول جامعة إفريقية وهي جامعة كاب تاون من جنوب إفريقيا المرتبة ال183 عالميا ب54.9 نقط. هذا يعني أن جامعات تنتمي مع المغرب إلى الفضاء الجغرافي نفسه وتتقاسم خصائص ثقافية عديدة معه يمكنها أن تتميز على الصعيد الدولي؛ لكن البعض قد يجد في الموارد المالية الضعيفة عائقا قد يحول دون تحقيق نتائج مرضية في التصنيف الدولي للجامعات، غير أن تحليل النتائج باعتماد مؤشر حصة الفرد من الناتج الداخلي الخام المبنية على تعادل القوة الشرائية يدحض هذا الادعاء. وهكذا، نجد أن 110 جامعات تنتمي إلى دول تتسم بدخل فردي أقل من المغرب، أي أقل من 7296 دولارا، حصلت على ترتيب أفضل من الجامعات المغربية. ومن بين هذه الدول إثيوبيا التي لا يصل دخلها الفردي إلى ثلث الدخل الفردي بالمغرب، أي 2423 دولارا، والنيبال وكينيا بنصف الدخل الفردي المغربي تقريبا، أي 4008 دولارات و4452 دولارا على التوالي. لقد حلت جامعة سيدي محمد عبد الله في المرتبة ال671 في معيار الاقتباسات العلمية، بحصولها على حوالي 55 نقطة، أي أنها كانت أفضل من المتوسط الدولي بقليل، وكان يكفيها أن تحصل على هذا المستوى من النقط بالنسبة إلى باقي المعايير لكي ترتقي إلى المرتبة ال183 عالميا. لكن هذا ليس بالأمر السهل، خاصة إذا علمنا أن هذا المعيار يعد من أسهل المعايير التي يمكن تحقيق نقط جيدة فيه. ويكفي أن نذكر هنا بأن 10 جامعات إفريقية و10 جامعات عربية حصلت على أكثر من 90 نقطة في هذا المعيار،؛ بل إن منها من حصل على 100 نقطة. بالمقابل، يظل أداء جامعاتنا ضعيفا في معيارين أساسيين هما: معيار التدريس ومعيار البحث العلمي، بحيث لم يتجاوز عند جامعة سيدي محمد بن عبد الله، بوصفها أفضل جامعة مغربية في تصنيف 2022 24.6 نقط بالنسبة للمعيار الأول و9.3 نقط بالنسبة إلى المعيار الثاني أي البحث العلمي، الذي يعتبر نقطة الضعف الأساس بالنسبة إلى الجامعات المغربية، بحيث لم يتجاوز أداؤها في جميع مشاركاتها في التصنيف العالمي للجامعات 11.6 نقط. مما يعني أن التألق المغربي في التصنيفات الدولية رهين بالرفع من الإنتاج العلمي بواسطة النشر في المجلات العلمية المفهرسة، وتخصيص المزيد من الاعتمادات المالية لمجال البحث العلمي خاصة من خلال إشراك المقاولات في تمويله. أما فيما يخص معيار التدريس، فتظل أحسن نقطة حصلت عليها الجامعات المغربية هي 28.7 والتي عادت إلى جامعة محمد الخامس، مما يتطلب المزيد من الجهود لبلوغ 40 نقطة على الأقل؛ وذلك من خلال الرفع من نسبة التأطير في الجامعات المغربية، والرفع من نسبة الطلبة الدكاترة قياسا لطلبة الإجازة، بالإضافة إلى الزيادة في عدد خريجي الدكتوراه. إن تحسين ترتيب الجامعات المغربية في التصنيفات الدولية يتطلب إصلاحا جامعيا عميقا ينصب بالأساس على تحسين جودة التدريس من خلال التأهيل البيداغوجي الجيد لأطر التدريس، وتحسين بيئة التعلم من أجل الرفع من المردودية الداخلية للتعليم العالي؛ الشيء الذي سينعكس بشكل إيجابي على جودة مراكز دراسات الدكتوراه، وبالتالي على جودة الخريجين وجودة البحث العلمي مستقبلا. آنذاك، سيكون أداء الجامعات المغربية متميزا في معايير تصنيف التايمز للتعليم العالي، شريطة ضمان استدامة الإصلاح بالدعم المالي الضروري وبنظام صارم للتقييم يضمن تحقيق الأهداف المسطرة ويساعد على التطوير المستمر لمنظومة التعليم العالي؛ غير أن ذلك لن يتأتى إلا بإصلاح جذري لمنظومة التربية والتكوين في شموليتها، لأنها سلسلة مترابطة الحلقات وكل ضعف في إحداها يؤثر بشكل مضاعف على مجمل المنظومة، ولو قمنا بتقوية باقي الحلقات.