من يمعن التدقيق في المسار الإرهابي لمحمد حاجب، المعروف حركيا بلقب "أبي عمر الألماني"، سيكتشف حقيقة مخجلة ومفزعة عن هذا المتطرف، الذي أهمل زوجته الإيرلندية وذريته من أجل السفر إلى مضافة المقاتلين الأذربيجان بمنطقة وزرستان على الحدود الأفغانية الباكستانية، كما أنه باع عشرين دراجة هوائية لتأمين سفره صوب الدار الآخرة. لكن مسار محمد حاجب نحو براثن التطرف وأتون الإرهاب، انطلاقا من مسجد "علي" بمدينة DUISBURG بألمانيا، مرورا بمدينة مشهد الإيرانية وPANJGOUR الباكستانية، ووصولا إلى مضافة أبي عبد الرحمان الأذربيجاني بميران شاه بمدينة وزرستان، كان مسارا محفوفا بالكثير من المغامرات والمخاطر والمفاجآت الطريفة أحيانا، بل وموسوما بالعديد من خيبات الأمل و"الارتدادات الجهادية"، بعدما أخلف موعده مع الشهادة في أفغانستان، وضيع مكرماتها من حور العين والشفاعة لسبعين فردا من الرهط القريب والبعيد، بمن فيهم الأم التي ارتمت بعد عودته في حضن حزب "الجرار" كمترشحة للانتخابات. ولعل من غرائب رحلة محمد حاجب في مسار الإرهاب أنه هو من مول بنفسه معدات التدريب والقتال عند وصوله إلى مضافة أبي عبد الرحمان المكنى ب"أبي حمزة"، فقد اقتنى سلاح كلاشنكوف وذخيرته المتمثلة في 120 خرطوشة بمبلغ ألف دولار من ماله الخاص، وهو ضعف الثمن الذي سدده رفيقه في رحلة الجهاد المدعو يوسف، وهو ألماني من أصل فلسطيني. وكانت هذه هي أولى انتكاسات محمد حاجب، فقد تعرض للغبن من طرف الإرهابيين وجعلوه يدفع ضعف الثمن الذي دفعه مرشح آخر من أصول فلسطينية. كما كانت خيبته عارمة وهو يرى المقاتل المنذور للموت يدفع "تحويشة" العمر لشراء السراب في مغارات الحدود الباكستانية الأفغانية. لكن انتكاسة الإرهابي محمد حاجب ستكون بالغة عندما سيرهق نفسه كثيرا في التدريب على التصويب وقنص قوات التحالف الدولي بواسطة سلاح الكلاشنكوف، قبل أن يجد نفسه مدخرا لمهمة لا تحقق "الشهادة" والموت العاجل. فقد عهد أبو حمزة، أمير المضافة، لمحمد حاجب بمهمة السهر على جلب المؤونة وسلع الإعاشة لعشر نساء من أرامل المقاتلين الأذربيجان؛ وهي المهمة التي لم تكن تحقق الكفايات المنشودة من قبل محمد حاجب، الذي كان يرنو قتال "الكفار" بعدما اقتنى تذكرة ذهاب دون العودة نحو الدار الآخرة. لكن ما الذي حال بين ابن تيفلت والموت في ساحة القتال؟ وما الذي حرمه من مكرمات الشهادة؟ لقد كان من سوء طالع محمد حاجب أنه رحل نحو مضافة المقاتلين الأذربيجان في فصل الصيف من سنة 2009، وهي فترة تتسم بالحرارة المفرطة وبانتشار الأوبئة جراء انعدام شروط الصحة والنظافة؛ وهو ما تسبب له في انتكاسات صحية نجم عنها إصابته في البداية بداء الملاريا، وفي مرحلة موالية بمرض الالتهاب الكبدي. ولأن محمدا حاجب كان ينشد القتال ولا بديل عنه سوى الشهادة، فقد رفض العودة الطوعية على الرغم من تحذيرات الجزائري إبراهيم، الملقب بكنيته الحركية "أبي سليمان"، وهو تاجر السلاح الموجه إلى الجماعات المتطرفة بالمنطقة، والذي أكد في أكثر من محادثة مع محمد حاجب بأن "حرب القتال التي تدور رحاها في أفغانستان غالبا ما تتم مع الجنود الباكستانيين والأفغان، وليس مع القوات الأمريكية"، في إشارة مبطنة إلى أن هذا القتال لا يحقق الشهادة في جميع الحالات بسبب قتال المسلمين لأنفسهم. والمثير في هذه الرحلة هو أن طموح الإرهابي محمد حاجب سوف يصطدم بعقبات ومثبطات عديدة على مسار درب القتال؛ فهذا الطامح إلى ملاقاة أسامة بن لادن والتواق إلى قتال الأمريكان سوف يجد نفسه مكلفا بتنظيف عنبر الأرامل، بل سيتفاجأ بمعطى آخر مهم مؤداه أن الارتقاء داخل تنظيم القاعدة كان يقتضي منه وقتها الرضوخ لأوامر المقاتلين المصريين الذين كانوا يحظون بشرف القرب من أيمن الظواهري. وهذه انتكاسة أخرى لمحمد حاجب، الذي أدرك وقتها أنه سيموت حتما داخل مضافات القاعدة وليس في ساحات "الوغى"؛ لأن المقاتلين المصريين كانوا يتشددون في مبدأ "الأمنيات" (بفتح الهمزة)، ولا يسمحون سوى باتصال هاتفي واحد مع الأهل خلال كل ستة أشهر، بل ويعدمون بالشبهة وبدون بينة أو دليل كل من تحوم حوله شبهة التواطؤ ضد تنظيم القاعدة. وفي هذه اللحظة بالذات، سيفكر محمد حاجب في العودة الاضطرارية عبر مسارات الهجرة غير الشرعية، مخلفا وراءه سلاح الكلاشنكوف الذي اقتناه من ماله الخاص، ورفيقه في رحلة الجهاد المواطن الفلسطيني يوسف، ولم يحمل معه سوى مشروعه الإرهابي الذي أصر على تنفيذه في المغرب وألمانيا ضمن مسمى "جهاد الطلب"، مرفوقا بذكرى مخجلة تتمثل في كونه حمل ذات يوم صفة "مقاتل في خدمة الأيامى والأرامل".