بعد إسقاط نظام صدام حسين في العراق من طرف الأمريكيين، سمحت الإدارة الجديدة بتعدد الأحزاب في البلد، فقام بعض النشطاء السياسيين في إقليم كردستان العراق بتأسيس حزب جديد أطلق عليه اسم (حزب الحمير) واتخذوا من حيوان الحمار رمزا لحزبهم، غايتهم في ذلك أن يعطوا لعامة الناس الانطباع بأنهم في نضالهم السياسي سيخدمون الناس كما يخدم حيوان الحمار بني الإنسان، أي أنهم سيعملون باجتهاد وفعالية دون أن ينتظروا من أحد أن يشكرهم، وأطلق أعضاء الحزب على أنفسهم ألقابا مثل (الحمار فلان) أو (الجحش فلان) أو (الأتان فلانة بالنسبة للنساء المناضلات في الحزب). وقد وضعوا تمثالا في وسط مدينة كردية للدعوة لحزبهم كما فتحوا إذاعة محلية أطلق عليها اسم (نهيق باللغة الكردية) من أجل إشهار برامجهم وإنجازاتهم، لكن للأسف تم حل هذا الحزب سنة 2014 بسبب السخرية والتهكم الذي تعرض له أعضاء الحزب. للإشارة فإن رمز الحزب الديمقراطي الأمريكي هو الحمار، كما أن شخصية زعيم سياسي معروفة في التاريخ لقبه محبوه (مروان الحمار)، ولم يكن اللقب إهانة له بل تكريما له لأنه كان معروفا بالقوة في مقاومة خصومه السياسيين والانتصار عليهم. إن الغاية من هذه المقالة المختصرة لا علاقة لها بالسجال السياسي الذي نعيشه حاليا في المملكة المغربية في سياق الحملات الانتخابية، بل المقصود هو نبذ ثقافة تحقير الحمار والحيوانات على العموم، فالحمار معروف كحيوان صديق للإنسان لأنه كان دائما يخدمه منذ البداية وحتى اليوم، وهو حيوان ذكي مثل سائر الحيوانات الأخرى، بل إن لبن الحمير والجبن المستخرج منه من أجود وأغلى ما هو موجود من أنواع الجبن واللبن، وجلد الحمار تستورده دول أسيوية مثل الصين واليابان لمنافعه الكثيرة، أما لحمه فهو مفضل لدى شعوب وأمم مختلفة، وإذا كان صوت هذا الحيوان اللطيف منبوذا ربما فهذه طبيعته ولا حرج في احترام الطبيعة. المشكل على العموم ليس في الحمار أو غيره من الحيوانات، لأن العيوب موجودة في الثقافة السائدة في جميع المجتمعات، وثقافتنا الشرقية لا تخلو كما غيرها من ظواهر مرضية، ومن أغرب الظواهر المرضية التي نتعايش معها ثقافة تحقير الحيوانات وتحقير الحمار على الرغم من أننا نستفيد منه كثيرا، حتى أن البعض منا يشتم الآخر بلفظ (الحمار أو الحمارة) وكأن الإنسان نفسه لا يخلو من عيوب أو أمراض، ربما يرجع السبب في ذلك إلى أنانية الإنسان وجحوده، باعتباره يتذمر أحيانا ويشتم ويلعن حتى من يستفيد منهم وستصعب عليه الحياة كثيرا في حالة غيابهم. لا أملك معطيات ولا أرقاما تخص حيوان الحمار في المغرب، ولكني أدعو إلى الحفاظ على هذا الحيوان وتحسين نسله والاعتناء به، فهو أيضا يمثل ثروة حيوانية مهمة لا تقل أهمية عن ما نملكه من قطعان الأنعام والخيل أو من الثروة السمكية، وفي هذا السياق ينبغي تربية الأجيال القادمة على ثقافة إنسانية جديدة تحب الحيوانات وتحترمهم وتحافظ على نسلهم كما تحب الطبيعة وتحافظ على نظافتها، لأن محبة الطبيعة والتعلق بالبيئة النظيفة من شروط حب الحياة والاستمتاع بها، والحياة السعيدة هي النتيجة الحتمية لتعلق الإنسان بالمحافظة على البيئة الصحية وتعلقه بالطبيعة.