حرب بتوابل حرب الرمال: رغم ما يذهب إليه بعض المحللون، من استحالة اندلاع مواجهات عسكرية كبيرة بين المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية؛ متحججين خصوصا، بخطورتها الجيوسياسية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الحرب الدولية على الإرهاب، وحركات الهجرة جنوب/ شمال؛ فإنها تظل واردة بقوة، إذا أخذنا بعين الاعتبار الوضع المأزوم، السياسي، الاقتصادي والاجتماعي، الذي توجد فيه الجزائر اليوم: *استنفاذ النظام العسكري لشرعية الحكم المزعومة المستمدة من جبهة التحرير؛ كما انحرفت -دمويا- عن طموحها في إرساء دولة مدنية ديموقراطية. *ثورة شعبية تصحيحية تستعيد بإلحاح منقطع النظير، مطلب الدولة المدنية. * انهيار موارد الخزينة من المحروقات؛ واستحالة مواصلة شراء السلم الاجتماعي. *أزمات الغذاء والماء. *صراع الأجنحة العسكرية النافذة. *افقاد المنظومة القضائية مصداقيتها، بتوالي ليالي السكاكين الطويلة. *اندحار أغلب الفاعلين المدنيين، السياسيين والاقتصاديين. *اهتزاز ثقة الفاعلين الدوليين، في نظام عسكري آخذ في التفسخ؛ دون الثقة في ما يمكن أن يترتب عن الحراك من مخرجات. *معارضة خارجية نشيطة، نجحت في التواصل الآني مع الداخل الجزائري الشعبي، وفي استقطاب متعاونين عسكريين ومدنيين نافذين: حركتا رشاد واستقلال منطقة القبائل (الماك). * الفشل الذريع لأطروحات الجزائر، المكلفة جدا للخزينة، في ما يتعلق بعرقلة استعادة المملكة لصحرائها. *انبثاق دعم مغربي معنوي -ولو حجاجي فقط- للحركة القبائلية. لن يتردد النظام الذي يعيش هذا الوضع، في اشعال فتيل حرب يراها -مصيبا أو مخطئا- ترميمية حيوية؛ يستعيد بها التحكم في الوضع الداخلي الشعبي المنفلت، بحجة ردع العدوان الخارجي. أشعلها نيرانا "صديقة" في غابات وقرى القبائل، بشهادة الساكنة المنكوبة؛ عقابا لها على عصيانها المدني، الانتخابي بالخصوص، وميلها الوجداني صوب المملكة؛ فكيف لا يشعلها حدوديا لاستدراج الجار الغربي لحل مشاكله الداخلية؟ ولنا سابقة حرب الرمال، التي أشعلها النظام الجزائري -ظالما متهجما- لتوحيد الصفوف في الجزائر الحديثة العهد بالاستقلال؛ خصوصا بعد أن لاذ القيادي الكبير آيت أحمد بجبال الجرجورة -متمردا- بمعية الكولونيل مقران، المعروف ب: محند ولحاج. لم تكن حرب الرمال هذه، المعروفة النتائج سلفا -اعتبارا لضعف الجيش الجزائري وقتها- غير حرب إطفائية لنيران التمرد، وتأسيسية لعداء مجاني للمملكة، لا يزال فاعلا إلى اليوم. حتى الأسلحة التي وظفت فيها كانت هدية من المرحوم الحسن الثاني -ستة أشهر قبل المواجهات- لحكومة بنبلة الفتية؛ ومعها ثمانية وعشرون سيارة مرسديس، لتوزيعها على الوزراء. (عن الأستاذ عبد الهادي بوطالب). وعليه فمن الوارد، والجزائر تمتلك اليوم أرمادا ضخمة جدا من الآليات العسكرية والأسلحة؛ وقد أنفقت عليها حتى امتصت عظام شعبها؛ أن تكرر هجوم رمال ثان -إذا سكتنا عن حروب الصحراء المسترجعة- متوهمة تحقيق نفس نتائج الأولى؛ حيث أنزلت الثوار من الجبال، وفي نفس الوقت حافظت على ماء وجهها بتدخل دول عربية، جعلت الحسن الثاني يصدر تعليماته للجنرال ادريس بنعمر؛ حتى يكف عن مطاردة فلول المنهزمين ويعود إلى خريطة الوطن. غضب الجنرال وقتها غضبا شديدا لتحكم السياسي الديبلوماسي في العسكري المنتصر. هذا التنازل الطوعي عن الانتصار لن يتكرر مرة أخرى؛ وعلى قادة الجيش الجزائري أن يعوا هذا جيدا إذا أجمعوا أمرهم على البحث عن حل مغربي حربي لمشاكلهم. وعليهم أن لا ينسوا أبدا أن الشعب المغربي، بملكيته وقواته، أصحاب قضية، ترتفع إلى شرط الوجود؛ وهنا يكمن كل الفرق. الفرق بين "الارتزاق السياسي الحربي" لقلب الطاولة على الشعب الجزائري المنتفض؛ والاستماتة الشعبية في الدفاع عن الوطن المعتدى عليه. وإذا كانت أسعار المحروقات قد انهارت فإن أي تهور مما ذكرت، سيدك كل منشآت هذه المحروقات؛ وعلى نفسها جنت براقش. أكاديمية الصحراء: لعل المرحوم الحسن الثاني، وهو يدبر أمور المسيرة الخضراء، لم يكن يفكر إلا في مواطنين مغاربة صحراويين، آن أوان تحررهم من الاستعمار؛ وخير من يحررهم مواطنون مدنيون مثلهم. حتى المستعمر الإسباني لم يكن له إلا أن يرحب بدبلوماسية المواطنين العزل هذه؛ تحصينا لعقيدته وشرفه العسكري، الذي لا يقبل -وفق الشائع عالميا- أن يتقهقر أمام قوة عسكرية أخرى. لولا الغدر والخيانة والكيد، وقد جعل منها القذافي وهواري بومدين صفات لجيوشهما -ما دامت بدون قضية- لما دخلت الصحراء مع الداخلين غير شرطة المرور. شاءت الأقدار -ورب ضارة نافعة- أن تلد المسيرة السلمية الخضراء، مسيرة أخرى أبطالها القبعات الخضر والأحذية الثقيلة. لقد وجد الجيش المغربي نفسه أمام مسؤولية الدفاع عن صحراء شاسعة وقاسية، بها من الضباع والثعالب والذئاب أكثر مما بها من الغزلان والجِمال؛ وعليه فلم يجد الحسن الثاني بدا من عجم عيدانه، واختيار الأصلب والأقسى لهذه الصحراء التي قررت الجزائر، وهي غير وارثة أصلا، أن ترثها بالتعصيب. حينما نبحث اليوم عن أسس العقيدة العسكرية المغربية، كما تخرجت من الصحراء، فعلينا أن نستحضر هذا المعطى الذي لا يتم الانتباه إليه: أكاديمية حرضتنا الجزائر على تأسيسها، ليس في بنايات مكيفة الهواء، ومكاتب ثرية كمكاتب جنرالاتها، بل في الصحراء الخلاء، المفتوحة على الرمضاء، حيث يضحك السراب من عطش العطشى. أكاديمية تتوالى فيها بطولات خيرة الضباط الأساتذة؛ ولا أفضل من دروس تستخلص من البطولات الحقيقة. بطولات تمتح من قضية صادقة كفلق الصبح، وهي في حد ذاتها درس منقوش على حجر، وفي نياشين المتخرجين، الشهداء والأحياء: مت من أجل وطنك، تعش خالدا فيه. وشاءت الأقدار- ضمن ملف الصحراء المغربية دائما- أن تبني الجزائر المستقلة عقيدتها العسكرية على كره الجار المغربي والكيد له. عقيدة، كهذه، غير مؤسسة على قضية وطنية عادلة، لا يمكن أن تُخرج إلا ما رأيناه ونراه. جيش لم يجد أدنى حرج في مقاتلة مواطنيه على مدى عشر سنوات. جيش لو لم يجد غير البراميل المتفجرة لألقاها حتى على سكان العاصمة. هذه العقيدة الإجرامية هدية من الصحراء للجزائر الرسمية، التي تلتزم عالميا بألا تقاتل إلا داخل الجزائر أو في حدودها. فعلا ضحى المغاربة بالكثير من أجل الصحراء؛ ولو أعاد التاريخ سيرته، لما كانت لنا صحراء خارج الخريطة؛ هي اليوم ضمن ولايات الجزائر، إداريا وليس روحيا. في المقابل نجد أنفسنا اليوم بجيش قوي؛ وان كان قليل العدد مقارنة بالجزائر. وهذا من صميم العسكرية المغربية، كما يحللها الخبراء. عسكرية تقوم على تحقيق نتائج قتالية عالية، بقوة تدميرية هائلة، وبخسائر بشرية قليلة. هذه القناعة العسكرية هي التي تتحكم في نوع الأسلحة التي يقتنيها المغرب لقواته. لقد سبق أن تحدثت عن الجزائر المغربية القائمة حاليا، منذ الانقلاب التاريخي على القادة الكبار لجبهة التحرير؛ متسائلا عن الجزائر الجزائرية، الديمقراطية وليس العسكرية؛ متى يشرع الجزائريون في بنائها؟ اليوم أجدني مضطرا لأقول لمغتالي الجوار، الذين يصلون بالفاتحة الإفريقية: "الحدود الموروثة عن الاستعمار"؛ شكرا لكم لقد أسسنا بدورنا عقيدة عسكرية جزائرية؛ في منتهى القوة. لم نختر أن نفتح أكاديمية الصحراء، ولم يكن واردا أن تفكر عقيدتنا العسكرية في خريطة الجزائر، ومواقع البترول والغاز التي تغذي شعب الجزائر، في ما تغذيه. لا رابح في الحرب إلا أماني؛ لكنها حينما تُفرض، يكون لزاما على العسكرية أن تحقق أكبر قدر من الأذى للمعتدين المهاجمين.