استغرابان: أحدهما أثاره موقف علماء السعودية من الانقلاب العسكري على الشرعية في مصر. وثانيهما أثاره موقف علمائنا نحن المغاربة من نفس الحدث التاريخي، الذي لا يمكن إغفال تناوله، كما لا يمكن تسليمه لقبضة النسيان أو الإهمال؟ بتاريخ 8/7/2013م أصدر خمسون عالما سعوديا بيانا عبروا فيه عن شجبهم وإدانتهم للانقلاب المفضوح الذي قاده الطاغية الجنرال عبد الفتاح السيسي، وفي الوقت ذاته عبروا فيه عن تأييدهم المطلق للجماهير المنتفضة ضده عبر مسيرات واعتصامات أبرزها ما عرفه ميدان رابعة العدوية، وما عرفه ميدان النهضة بالقاهرة. وما أقدم عليه علماء سعوديون دفع بالملاحظين إلى التساؤل عما إذا كان نوع ما من التنسيق قد حصل بينهم وبين النظام الذي سارع فور إعلان الانقلاب عن الشرعية في أرض الكنانة إلى الاعتراف به. وكأنه كان يتوقع ما حدث بتاريخ 3/7/2013م بفارغ الصبر، دون أن تتخلف الحكومة المغربية – حكومة الإسلاماويين – عن التناغم المطلق مع السعوديين في التهليل بتوجيه ضربة لازبة تم توجيهها إلى ما كان يحلم به الشعب المصري منذ قيام مسمى ثورة الضباط الأحرار عام 1952م. هذا إن كانت حكومتنا – كما تدعي – مرآة صقيلة عاكسة لتطلعات جماهيرنا التي فوجئت بالملتحين يخطفون منها نضالها في عز الظهيرة، والحال أنهم – كانتفاعيين وصوليين – لم يكن لهم حضور في حراك شعبي من ضمن مطالب المساهمين فيه بفعالية تغيير جذري لأوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المزرية. فإذا بمسرحية طبخ دستور ممنوح آخر تحظى برضا العلماجيين والإسلاماويين الذين تنكبوا حتى عن تفعيل بعض من الهوامش المضيئة التي يحملها دستور من المؤكد أن أمتنا لم تتول صياغته! خاصة وأن قائد جوقتهم لا يمل من تكرار كونه لا يريد أن يتصرف خارجا عن إرادة أو عن الاستشارة المستمرة لمولاه؟ بحيث يكون حاله صورة طبق الأصل لحال علماء السلطان الذين يتخلفون عن الإفتاء في أية معضلة طارئة إلا إذا حصلوا على الأمر أو على الإذن الخاص لا العام الصادر عن الشعب برمته! لا لأن الورع يفرض عليهم اتقاء الإدلاء بآراء فقهية، ربما لن تصيب كبد الحقيقة في الصميم، كما كان يفرضه على الصحابة والتابعين وكبار الأئمة والعلماء، وإنما لأنهم أسرى الإحسان والخوف في الآن ذاته! لأن المقيدين بالإحسان والخوف لا يملكون إرادة الإقدام على الفعل الحر المطلوب دينيا وسياسيا وإنسانيا وقانونيا. لكن العلامة أحمد الشيبان، المستشار التربوي والتعليمي في منطقة عسير السعودية، نفى أن يكون موقعو بيان إدانة الانقلاب الذي حدث في مصر، نتيجة حصولهم على إذن، أو على أمر من السلطات العليا كي يتحركوا صوب الجهر بما اعتبروه واجبا على العلماء الصدع به، فعنده أن العلماء مفروض عليهم تنفيذ مبدأ الدعوة إلى كل ما فيه مصلحة الأمة، والجهر لفضح كل ما يتمثل فيه ضررها. مما يعني أن المنكر، أو الباطل، أو الظلم، أو الظلام بمختلف ألوانه ومصادره، أشد وضوحا من الشمس في الإقدام على تنحية رئيس وقع اختيار المصريين عليه! وأشد وضوحا منها في الإقدام على إلغا ء الدستور الذي تم قبوله من طرف الشعب المصري، بعد أن تم التصويت عليه بنسبة 64 بالمائة من الأصوات المعبر عنها. فضلا عن إلغاء مجلس النواب والمستشارين، وكأن ما حصل في انتخابات شهد العالم أجمع بنزاهتها مجرد عبث مع اعتماد منطق غوغائي ظلامي مؤداه: "أخونة الدولة"! وعجز عن تسيير شؤونها! وتضعضع حال الاقتصاد المصري طوال الأشهر التي تولى فيها فصيل إسلامي قوي سدة الحكم. فحق للشعب أن يتظاهر للإطاحة به. فأصبح الاحتشاد في قاموس العلماجين المصريين المعززين بالأمريكيين والصهيونيين والحكام الرجعيين الخبثاء الطواغيث في المنطقة، وسيلة من الوسائل الديمقراطية التي يصح اعتمادها مستقبلا للإطاحة بالنظم التي لا ترضى عنها الجماعة المعادية لحكم الشعب ولاختياراته! والحال أن هذا المنطق يخالف منطق مالك بن أنس القاضي بجواز الخروج على الحاكم الطاغية الظالم! أما الحاكم المنصف العادل فلا! فإن كانت هناك ضرورة الخروج عن المتجبرين المستبدين في مسمى الربيع العربي، فإن الخروج عمن تم حملهم على أكتاف الشعوب إلى مراكز القيادة، لتنفيذ أحلامها على الأرض، لم يكن غير انتكاسة مبرمجة مدروسة للعودة إلى الوضع القائم السائد قبل ثورة المظلومين على الظالمين القتلة المارقين الفاسدين المفسدين؟ وهذا ما وعاه لفيف من علماء السعودية الذين تصرفوا وأفتوا بما يمليه عليهم الضمير الديني والأخلاقي والسياسي والإنساني. ولم تكن تهمهم مجاراة النظام الذي ترتعش فرائصه من ربيع محتمل لا يبقي ولا يذر! كأنه نار حامية جاء اشتعالها في غفلة عما يمكن أن يحدث، ولو أنه ضرب له ألف ألف حساب، مصداقا لقوله تعالى والخطاب موجه إلى مجتباه: "قل لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء". هنا نتساءل: إن كانت جماعة من العلماء السعوديين قد تجاوزت بفتواها ما ارتبط بارتداد الفلول وعملاء الأمريكان والصهيونيين عن اختيار شعب مصر. إن كانت قد تجاوزت الموقف الرسمي لحكامها من فعلة السيسي النكراء، فأي تعليل نبرر به خفوت صوت علمائنا حول نفس الموضوع، إلى الحد الذي لا نسمع لهم عنده صوتا ولا ركزا ولا نمنمة ولا همهمة إلا من وراء الأبواب الموصدة بإحكام؟ وكيف نسمع لهم عنده هديرا أو جعجعة ولو بدون طحين؟ لو بقيت رابطة علماء المغرب التي تم تأسيسها بعيدا عن توجيهات النظام وأوامره عام 1960م على قيد الحياة، لما استكثرنا عليها الظهور بمظهر من يناصرون الحق ضد الباطل في أحداث مصر، التي استدعت لغرابتها ولرعونة صناعها عاطفة ومشاعر أحرار العالم الصادقين. حتى وهم ليسوا عربا ولا مسلمين. يكفي أن يحركهم الوازع الأخلاقي المشترك بين كافة البشر، أو تحركهم أخلاق الواجب على حد تعبير الفيلسوف الألماني: إيمانويل كانط. بحيث إننا حينما نشعر باستشراء الظلم والطغيان، فإن الواجب الأخلاقي مهما يكن مصدره، يدفع بنا دفعا إلى الاحتجاج والاستنكار والاستهجان. غير أن رابطة العلماء التي تبدو إلى حد ما مستقلة منذ نشأتها إلى حدود تأسيس مجالس علمية جهوية،، فالمجلس العلمي الأعلى. فقدت – للأسف الشديد – هامش الإقدام على اتخاذ قرارات دينية مستقلة. مما يعني أن إقدام علماء السلطان في بلدنا على الإفتاء رهين بالأوامر العليا! وحتى إذا ما تمت مهاجمتهم لقصورهم عن الحضور في الفعل التنويري الديني نفسه لا السياسي، لجأوا إلى الصمت وكأنهم صم بكم! فكان أن انطفأت بفعل الخوف والطمع في نفوسهم وعقولهم الغيرة على الدين الحق، الذي نعرف كيف أنهم يساهمون في تشويهه وتحريفه، مرة بالمساهمة المباشرة في إتيانهم لممارسات هو منها بريء (منهم طرقيون وقبوريون)! ومرة في التشجيع على إتيان الممارسات تلك (سكوتهم عن مبتدعات ينكرها المذهب المالكي والسنة النبوية جملة وتفصيلا). ومرة في الهروب من الدخول بكيفية أو بأخرى في مناقشة ولو بعض من المباحث الحساسة المتعلقة بالمعتقدات والعبادات، وكيف بالخوض في المعاملات!؟ إن علماءنا إذن ملجمون خاضعون خانعون، باستثناء من لم ينخرطوا طوعا أو كرها في جوقة المداحين المتملقين الذين لا يترددون في إغضاء بصرهم – هذا إن كان لهم بصر – عما يجري من طغيان تعدى ممارسوه حدود الدين والأخلاق والقانون. فكيف نريد منهم إذن حمل هموم إخوانهم المقهورين داخل الوطن وخارجه؟ ووضع علمائنا المكبلين بمحفظات وضعت في أفواههم - كما أخبرني أحدهم بواقعهم المرير ذاك – لا يترك لهم أي مجال لحرية التعبير عن حال ما يجري في بلد لا يكف حكامه عن التبجح بكونه نموذجا متقدما لدولة الحق والقانون! وبما أن علماء السلطان عندنا متخاذلون، فما المانع من تأسيس جمعية مستقلة للعلماء الذين يرفضون الارتشاء ويلعنونه أسوة بالرسول الذي جاء ليخرج الناس من ظلمات الاستعباد. ومن دياجير الطغيان والتجبر. ومن دهاليز الباطل إلى فيحاء الحق المبين اللاحب؟ لم لا يتم إذن إحداث تجمع فاعل لعلماء رافضين للتبعية العمياء؟ مشاركين الأمة في الهم الاقتصادي والاجتماعي، والسياسي من منطلق رفضهم للمناكر التي لا تعدو أن تكون عبارة عن استبعاد المنطق العقلي السليم. وعن استبعاد المنطق الديني والقانوني في التعامل مع المواطنين؟ إذ حينها، وحينها فقط، يكون بإمكانهم استنكار ما أقدم عليه العلماجيون المتعصبون العملاء في مصر. خاصة وأن السيل قد بلغ الزبى كما انتهى إلى علمنا – للأسف الشديد – ما حصل من مجازر صباح يومه الأربعاء 14/7/2013م في صفوف المعتصمين الذين فوجئوا بحملة عسكرية بوليسية مدججا منفذوها بكافة أنواع الأسلحة والغازات التي أدت إلى مقتل المئات وإلى إصابة الآلاف بجروح تتفاوت خطورتها من شخص إلى آخر. وكأن الذين جرت مهاجمتهم وقطع الماء والكهرباء عنهم ليس لهم بمصر المتطلعة إلى الحرية والكرامة أية صلة تذكر. فهلا خرج علماؤنا الرسميون عن "الروتين" أو عن "الرتابة" التي استسلموا لها بعد أن تم إغداق مبالغ مالية عليهم كثمن بخس مقابل سكوتهم عن الحق الذي عليهم واجب الإفصاح أوالإعلان عنه؟ هلا خرجوا عن "رتابتهم" تلك وأعلنوا إدانتهم المطلقة للمجزرة التي عرفتها مصر في ما بات يسمى ب"الأربعاء الأسود" الذي استنكر العالم كله ما حدث فيه من قتل واعتداء على الرجال والنساء والأطفال؟ الموقع الإلكتروني : www.islamthinking.blog.com العنوان الإلكتروني : [email protected]