يرجع نظام العفو الملكي عن العقوبة إلى أن الملوك، كانوا يحكمون شعوبهم، ويتوارثون الحكم على أساس الحق الإلهي، وأنهم ظل الله على الأرض، ومن هنا كان الملك هو المصدر الأول للعدل و العدالة، وكان الملك هو الذي يمنح المحاكم سلطاتها في محاكمة الرعية عن الجرائم التي يقترفونها، ومن هنا كان استخدام الملوك لسلطة العفو استرداداً لحق أصيل لهم منحوه للمحاكم. غير أن مجموعة من المبادئ الأساسية في القانون الجنائي لم تكن مرسخة بعد في الضمير القضائي " كمبدأ شرعية التجريم والعقاب" ومبدأ حق الدفاع و مبدأ المحاكمة العادلة ". غير أنه مع تطور التنظيم القضائي أصبح هذا العفو رئاسيا أو ملكيا حسب طبيعة الأنظمة يمارس وفق شروط وحدود معينة لا تمس مبدأ استقلالية القضاء، و لا تنتهك حقوق الإنسان و القيم المجتمعية. فهل كان المجرم السفاح دانيال فينو غالفان يستحق هذا العفو و يستحق أن يتم طمس جرائمه بجرة قلم ، هل كان من الضروري أن تغتصب براءة أطفالنا مرتين، الأمر الذي يجعل المطالبة بالكشف عن من يتحمل المسؤولية مشروعا ، و التفكير في المبادئ التي من شأنها أن تقنن مسطرة العفو الملكي بشكل لا يؤدي إلى تكرار هذه الفضيحة المدوية . رأي لجنة العفو و كبش الفداء تتكون لجنة العفو، حسب الفصل العاشر من الظهير الشريف رقم 387-57-1 بشأن العفو- الذي صدر في 21 فبراير 1958 من: وزير العدل أو مفوضه بصفة رئيس؛ المدير العام للديوان الملكي أو مفوضه؛ الرئيس الأول لمحكمة النقض أو ممثله؛ الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض أو ممثله؛ مدير الشؤون الجنائية والعفو أو ممثله؛ المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج أو ممثله؛ ضابط من الأركان العامة للقوات المسلحة الملكية تعينه السلطة الحكومية المكلفة بالدفاع الوطني إذا كان الأمر يتعلق بعقوبات أصدرتها المحكمة الدائمة للقوات المسلحة الملكية. فهل انعقدت لجنة العفو فعلا و قررت في الحالات المعروضة على التوقيع الملكي طبقا لمقتضيات المادة 12 من الظهير المشار إليه أعلاه " تدرس اللجنة المطالب أو الاقتراحات الموجهة إليها ساعية في الحصول على جميع المعلومات وتبدي رأيها الذي ترفعه إلى الديوان الملكي لأجل البت فيه بما يقتضيه نظر جنابنا الشريف " إن تحليل البلاغ الصادر عن وزارة العدل يبين بما لا يدعو مجالا للشك أن اللجنة لم تنعقد و لم تدرس الحالات المعروضة عليها بما فيها حالة الوحش الادمي دانيال عالفان ، فقد أوضحت وزارة العدل والحريات أن قرار العفو عن مواطنين إسبان، من بينهم دانيال فينو غالفان المتهم باغتصاب أطفال مغاربة، هو قرار ملكي أملته مصالح وطنية حينما يتعلق الأمر بمواطنين أجانب، مشيرة أن "إذا كان قد استفاد منه شخص ضليع في ارتكاب جرائم معينة، فقد تم ترحيله ومنعه من الدخول إلى البلاد نهائيا" ، مما يعزز هذا الطرح هو أنه تم تحميل المسؤولية لعضو فقط دون باقي أعضاء لجنة العفو مما يجعل إقالة السيد المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج مجرد الشجرة التي تخفي الغابة، و في هذا السياق نفهم مطالبة المجتمع المدني بالكشف عن الحقيقة كاملة خصوصا أمام تسرب بعض الأخبار من الجرائد الأسبانية تفيد بصراع المراكز مما جعل لجنة العفو شكلية و لم تقدم رأيا استشاريا. و من الممكن أن نفهم إقالة السيد المندوب العامة لإدارة السجون في سياق أن اللائحة تمت بين الديوان الملكي و المندوب مباشرة مما جعله المسؤولية ملقاة على عاتقه لوحده دون باقي اعضاء لجنة العفو، و في هذه الحالة كان من الأشرف للسيد وزير العدل أن يقدم استقالته على عدم ممارسته لإحدى المهام الموكولة له " ترؤس لجنة العفو"، فهو الذي يحدد تواريخ اجتماعات لجنة العفو طبقا لمقتضيات المادة 11 من الظهير " تجتمع لجنة العفو في التواريخ التي يحددها وزير العدل وبمناسبة عيد الفطر وعيد الأضحى والمولد النبوي وعيد العرش " و عليه فإن السيد وزير العدل يتحمل جزء من المسؤولية بعدم سهره على تطبيق القانون. نحو تقنين مسطرة العفو الملكي إن طبيعة الجرائم المرتكبة تسائل حدود تطبيق مسطرة العفو الملكي، بحيث لا يمكن أن تمس حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا، أو أن تتعارض مع منظومة القيم المجتمعية ، إن هبة المجتمع المدني و الحقوقي ( و لا أقصد بطبيعة الحال جمعية متقيس و لدي ) و القرارات المتخذة من طرف المؤسسة الملكية بعد هذا الحراك المجتمعي تجعل لزاما على المشروع بدء المسطرة التشريعية من أجل تقييد هذا الحق المطلق بمقتضى قانون يسمح بممارسة العفو الملكي وفق الشروط التالية : إصلاح الأخطاء القضائية مكافآة للمحكوم عليه إذا أتبث حسن سلوكه تحقيق التوازن بين الظروف الإنسانية و العدالة غلق ملف جريمة سياسية معينة تفادي الفتن و العنصرية و يجب أن يستثنى من العفو المجرمون الذين ارتكبوا الجرائم التالية: جرائم الاغتصاب جرائم القتل العمد جرائم تهريب المخدرات جرائم الأسلحة و المتفجرات الجرائم الاقتصادية جرائم السطو المسلح جرائم أمن الدولة