(إلى علماء الانقلاب ..) تموج الدنيا و تتصاهر الأحداث و تنصهر جرَّاءها الأفكار، و قد ظهر الكلم والألم والقلم، وتعالت صيحات البررة ،وغالبتها أصوات السحرة .. وبين هذا وذاك يبقى لأهل الذكر الناطقين باسم الله الرحمن الرحيم وقعٌ في النفوس، وأن الله يبلغ عنهم - وهم المبلغون عنه- صدقَهُم- من باب: {أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] فكلمتهم بإذن الله أتقى و أنقى و أبقى في الأعقاب و الأعصاب والأحقاب إلى يوم الدين .. ومن نظر باستبصارٍ في الأودية التي تسيل بأقدارٍ من أفواهِ المتكلمين،- و اللهُ سبحانه وحده يعلم المفسد من المصلح، و قد رفعَ عنا العنتَ في تحقُّقِ أشباهِ ذلك- عَلِمَ بيقينِ المعذرةِ إلى الله تعالى أن ما عدا الشيخ القرضاوي المصري -وقد جدَّدَ مراجعاتٍ في صفحاتِ حياته بشجاعةٍ قلَّ نظيرها، قبل أن يتزعم التجديد في تاريخ أمتنا الحاضر مناصرةً لقضايانا العادلة،- ومعه -ثبتنا الله و إياه- مَنْ شايعَ الحقَّ ونصر المظلومَ وناوأ الظلمَ، من علماء و دعاة و عقلاء وهم الأكثرون حقيقة، وإن كان صوتهم خافتا تحت وطأة القاهرين من الذين غلبوا على أمرهم في أوطانهم، فاتخذوا عليهم بنيانا من الحصار الإعلامي ،و الاقصاء القسري تضييقا وتخويفا و تشنيعا. وإنَّ مِنْ أسوإ ما يجابهون به، كيما ينخرطوا في دوَّامة لَيِّ الألسِنَةِ صَعَراً بخُدود النصوص، -خَطَلاً قَصَدُوا- جَبَهَاتُ مَؤَسَّسَاتٍ رَسَّمَتِ الدينَ ولم تنصره إلا قليلا ، واستأثروا بالفتوى فلم نحس لهم ركزاً، واحتكروا العلمَ ولم يعملوا به إلا نزرا-وهم في الأغلب ليسوا من أهله وإن كانوا ذوي شهاداتٍ اتخذت على حين غَفَلات. فئامٌ من حملة العلم روايةً لا رعايةً، فهم بمثابة "الحمار يحمل أسفارا" ، أو هم أحفاد ابن باعوراء: {آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف: 175، 176]. و طائفة منهم غير قليلة ميَّالون مع الرياح، و كلما فجأهم أمر من الأمن أو الخوف قالوا: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} [البقرة: 70]! و"فوق جهدك لا تلام"!!! أقاموا العلم معلوماتِ سردٍ بلا أربٍ إلى شَمَمِ القُصُودِ فإن العلْمَ إصلاحٌ و هَدْيٌ و ليْسَ بالاِسْتِنَادِ إلى عَمُودِ مطامعُ للمناصِبِ و الكَراسي و شَخْصِيَةٌ تُهَزْهَزُ بالثَّرِيدِ أقول هذا مستعيذاً و أمامي في نوازل عصرنا شواهد جمةً، على انبلاع الألسن في اندلاع الأبطن، سَرْحاً من المحيطِ إلى الخليجِ: و دونك شيخ الأزهر والعسكر مثلاً، و يتلوه في اللثغات واللدغات: المفتى جمعة صاحب الإنارة والإثارة، مَنْ عَزَلَ وِلِيَّهُ الشَّرْعِيَّ الرئيس المنتخب مرسي ، بكَذَبات ِالصور الهليودية الخادعة، وبالأرقام المنتفخة دَجَلاً على الرياضيات و الهندسة وعلوم المساحات، وبالتطفيف في الموازين تسويةً بين الضحية والجلاد والظالم والمظلوم و المحق والمغتصب ثم يمعنُ المفتي المفتون فيلتمس الاستدلال بأقوال الجويني !!! وكأن الظلمة العابثين الغاصبين؛ الذين استغلوا عمامته يأبهون لجوينيٍّ أو حويني!! و كأن الإمام الجويني ليس هو القائل من بين نصوص كثيرة: "وقد قررنا بكل عبرةٍ أن في الذهاب إلى خلعه أو انخلاعه بكل عثرة رفضَ الإمامة و نقضَها واستئصال فائدتها و رفع عائدتها و إسقاط الثقة بها و استحثات الناس على سلِّ الأيدي عن ربقة الطاعة"اه (الغياثي ص 104 ف 148) ثم قال: "ولا خلاف أن الإمام لو طرأ عليه عرضٌ أو عراه مرضٌ ؛ امتنع الرأيُ به؛لم نقضِ بانخلاعه، و من شبب في ذلك بخلافٍ كان منسلا عن وفاق المسلمين انسلال الشعرة من العجين"اه (نفس المصدر) إنهم كراكيز تعددت أدوارهم في التاريخ المرير لأمة الإسلام ، تحييرا للعامة و تشييعا للظلمة، ثم لا يعدمون -وهم يهدمون- حيلة يسمونها حجةً، يجلبون لها ما تناثر من قواعد أو صح من دليل، وهم يعلمون أن الحجج تعادلٌ و ترجيحٌ، وأن الأصول مع الأصول وأن أصول الاستثناء المستثنيات، وأن الإعمال كما يحتمل الإحجام احتياطا، فإنه يوجب الإقدام أصالةً ، إحقاقا للحق وإظهاراً للدين، بل هذا هو الأصل لتكون كلمة الله الأعلى هي العليا.. والكلام في هذا طويل، غير مصارحين لأمتهم بأن حق الله أوجب الحقوق، و أن مسمى المفاسد شرعا ليس كما يتخيلون دائما و يخيلون ،فزعا إلى لُغَةٍ أبطلها القران الكريم في مرض: "نخشى أن تصيبنا دائرة" و في مياعة: "إن بيوتنا عورة" وفي تخاشع الباردين: "ايذن لي ولا تفتني" متناسين "أن الله هو الدهر" "وهو"مالك الملك"، وأنه "كل يوم هو في شأن"، وأن عند الله مكرهم وإن كان مكرهم -الكُبَّارُ- لتزول منه الجبال. وأن للمغامرة رجاءَ إحدى الحسنيينِ من الله مكانٌ مكينٌ في الشريعة،يجعل المجتهد يدرك لذَّةَ صعوبةِ الإقدام كما يغَصُّ بالاسترواحِ لمذلةِ الإحجام، واقترِئْ إنْ شئتَ قوله سبحانه: {وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ} [الأنفال: 42]؛ حتى يبقى لقضاء الله في عبيده ما يريده منهم ابتلاء واجتباءً،"فيعلم الصادقين ويعلم الكذبين"وحتى يفضل المجاهدين لحق الله و به على القاعدين درجات و أجرا عظيما، وأن المبطئين باحتياطهم الجبان "في الفتنة سقطوا"، في كلماتِ حقٍّ أريد بها باطل، إمعانا في ألسنة السَّلْقِ الحِداد،، و تقليبا للوقائع،، وقد قال الحق سبحانه: {وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: 48] و أنى لهم تلك الموازين و لم يزلزلوا "حتى يقول الرسول والذين آمنوا متى نصر الله"؟ و مصالحهم المجتلبة مردودة مرذولة ،بنص الرحمن الذي قال لنبي المرحمة، وقد فزع لوحي من سبقت رحمته غضبه؛ في أسارى بدر فسَمَّى مصلحته عليه أفضل الصلاة والسلام مع رِدْءِ أبي بكر فيها: "عَرَضَ الدنيا" و سماها "أَخْذاً" تنئية بشبهها أن يصدر ممن هو دون المصطفى والصديق؛ فيُدَّعَى فيها النظر الأصيل والتقوى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيم} [الأنفال: 67، 68] و كان الرأي لعمر الفاروق فجاء سيد المتقين بها وجلا مبشرا. وإنه لمن معين التقوى أن نستقيم لمن استقام لنا، و من الخور أن ينحرف عليك المنحرفون ثم أنت لا تدفع الظلم عن نفسك! ولله دره !! و لست ميالا لشعره كثيرا أعني أبا القاسم الشابي التونسي، و لكن تعجبني نفثات منه إلى حد الانبهار بالسهل الممتنع في منافحاته؛ و منه قوله: لا عدْلَ إلا إنْ تعادلتِ القوى و تصادمَ الإرهابُ بالإرهاب و إن كنا لا نختار إلا السلمية والصدور العارية و المصاحف العالية والمصالح الوطنية، و قد قامت الشواهد اليقينية على أن هؤلاء الانقلابيين و أشباههم من أعداء الفضيلة، لا يؤمنون بالمبادئ إلاَّ حين تخْدُمُهم، ولا يدافعون إلا على أنفسهم ولاءً لأسيادهم ،و بيعاً للشعوبِ والأوطان؛ يغالبون الشريعةَ والشرعيةَ، و يزخرفون القول بجنرالات الإعلام؛ الذين يلبسون الحق بالباطل و يكتمون الحق و هم يعلمون ،تلبيسا على العامة وانتهازا لفرصة الخوف عند قوم، والترددِ عند آخرين ؛فيجلبون بخيلهم و رجلهم من كل حدب و صوب، و يولدون الشبهات من كل فج عميق. و ينسلون عبر الأثير رجالا و ركبانا، حتى إذا حققوا مطمعهم في الظهور والغلبة، لن يرقبوا في مؤمن إلاًّ و لا ذمة "يرضونكم بأفواههم و تأبى قلوبهم و أكثرهم فاسقون" "قد بدت البغضاء من أفواههم و ما تخفي صدورهم أكبر".. جِراحُ المُسْلِمِينَ لَهَا ازْدِيَادُ فَبَعْدَ الشام،، مِصْرُ بها اشْتدادُ لكِ الرحمنُ يا "مرسي" هنيئاً فقدْ عرَّيْتَهُمْ و بَدَا الفسادُ لقدْ حَكَمُوا بِطُغْيانٍ دُهُوراً و لَحْظَتُك انْقِلابٌ و انْتِقَادُ شِعَارُهُمُ :: سَنَحْكُمُكُمْ !! و إلاَّ قَتَلْنَاكُمْ !! و لا عدلٌ يُرَادُ هُمُ الإرهابُ و الإفسادُ حَقّاً و في إعْلامِهِمْ حرْبٌ تُكَادُ لمصرَ اليومَ جيشٌ و اقتصادٌ و سوِّيَتِ المشاكلُ و البِلادُ بيومٍ واحدٍ صارتْ جِناناً و قبْل سويعةٍ كان الكسادُ لقدْ سقطَ القناعُ فلا حقوقٌ سواءً قُدْتُمُ أوْ إنْ تُقَادُوا صناديقُ الدَّمَقْرَطَةِ احْتيَالٌ و يَحْمِي الحَقَّ في الأبدِ الجِهَاد ألا فانطقوا يا حُرّاسَ الفضيلة، أينَ أنتم أيها الموقعون عن الله مولاكم الحق؟!! {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: 25]