1. مرت سنتان متتاليتان على احتفال المغاربة وأصدقاء المغرب، هنا وفي باقي أنحاء العالم، بعيد العرش في سياق الأزمة الوبائية لكوفيد-19. سنتان مطبوعتان بخصوصيات عديدة شكلتا اضطرابا عاما؛ لكن دون تغيير شيء على مستوى الجوهر. إن مغرب الأمس والغد، بغض النظر عن الظروف، مدفوع بنفس الهوية، مرتبط بنفس القناعة ويحمل نفس الطموح. 2. بينما نحتفل، اليوم، بسفارة المملكة المغربية ببريتوريا، بالذكرى السنوية الثانية والعشرين لتربع جلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه الميامين، نحتفل بمرور 22 عاما على رؤية وتوجه قادا المغرب باستمرار وعزم في جهوده وتطوراته وخياراته. يوجد في هذا الاحتفال، تعبير عن الوحدة التي ترسخ الأمة ومصيرها حول منظور واحد، مبني على الالتزام الثابت، والترابط المتبادل وتحمل المسؤوليات. 3. المغرب أمة عمرت أكثر من ألف سنة، وبقيت متطلعة إلى مستقبلها دون أن تدير ظهرها لماضيها. وبهذا، كانت هذه السنة سنة تجديد معلن عنه، وتأقلم متواتر وتضامن مستمر. 4. بالنسبة للمملكة، التجديد لم تمله الظروف الصحية؛ بل اختياراتٌ متبصِّرة. إذ، وقبل ظهور كوفيد وتداعياته بفترة طويلة، بدأ المغرب، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة، مسار تفكيرٍ شاملٍ حول نموذج تنموي جديد. هذا النموذج الذي تم تقديمه قبل شهر إلى جلالة الملك، شكل ميثاق مسؤولية يربط بين تطلعات المواطنين ومطالبهم العامة حول مشروع وطني واحد تم بناؤه وتفكيره وتنظيمه من قبل المواطن المغربي من أجل المواطن المغربي. هذا المشروع صار، اليوم، نداء تعبئة التفت حوله جميع القوى الحية للأمة التي تبني معا مستقبل رخاء مشتركا وشاملا. 5. لقد تطلب الأمر الكثير من الإرادة والمثابرة والالتزام لإدارة الأزمة الصحية العالمية واتخاذ الخيارات التي توجّب القيام بها. بعد تأمّل ما وقع خلال عامين من معايشة أزمة الكوفيد، يبدو أن شيئا أساسيا كان في صلب جميع القرارات التي اتخذها المغرب: سيادة وتغليب مصلحة المواطن ورفاهيته وحمايته، على أي اعتبار آخر. إن المغرب لم يتزعزع قط في نزعته الإنسانية أو ينحرف عن مبادئ أسلافه. لقد حافظ على شكل من أشكال العناد في التشبث بقيمه الأساسية، وظل ثابتا بلا هوادة في مواجهة صعوبة الفيروس، حيث وصف الكثيرون كوفيد بالقطيعة، فضل المغرب رؤيته كفرصة لتسريع التحول والتغيير نحو الأفضل. إن تعميم الحماية الاجتماعية على جميع المغاربة هو أحد أوضح الأمثلة على ذلك. مشروع تم تصميمه أثناء فترة مكافحة الوباء، وأصبح الآن حقيقة على أرض الواقع. 6. إن هذا المشروع المنبثق من إرادة وتصميم جلالة الملك محمد السادس سيغير حياة ملايين المغاربة، وسيمكن خلال الخمس سنوات المقبلة من توسيع التغطية الصحية وزيادة المساعدات العائلية لفئة الأطفال والمعاشات التقاعدية والتعويضات عن فقدان العمل لجميع مغاربة. من خلال هذا الإصلاح بعيد المدى، يتحول المغرب نحو دولة ذات بعد اجتماعية من خلال سياسة إعادة توزيع الثروة لصالح الطبقات الفقيرة والهشّة. بالإضافة إلى نقطة التحول الاجتماعي التاريخية هذه، فإن المغرب ظل قوي العزم في إطار مكافحة وباء كوفيد؛ فقد تمكنت المملكة من توظيف مؤهلاتها في الوقت المناسب لتصبح دولة منتجة للقاح، من خلال إرساء شراكة ذات طابع تاريخي بين القطاعين العام والخاص والتي ستؤدي إلى استثمار يقارب 500 مليون دولار. تقدر الطاقة الإنتاجية للمملكة بأكثر من 5 ملايين لقاح شهريا على المدى القريب، مع توقعات تزايد واعدة على المدى الطويل. ينبغي أن يكون التلقيح حقا عالميا يمكن ممارسته في سلام وإنصاف. للأسف، فإن مطلب الشمولية هذا لم يتم مراقبته بعد على المستوى العالمي، حيث لا تزال العديد من البلدان تكافح للحصول على مصادر كافية لتحصين سكانها. يعمل المغرب من أجل نظام متعدد الأطراف يتّسم بالمسؤولية من خلال تشجيع الاستفادة الجماعية قبل منظور الإعانة. نحن مقتنعون بوجوب إعادة ترتيبٍ ضروريةٍ للنظام العالمي الذي نعرفه اليوم، يجب أن تتم بناء على قيم التماسك والتوازن المدعمة بالمبادئ الإنسانية وليس المصالح المالية. 7. يجعل المغرب من التنمية أولوية في جميع الأوقات. على مدى السنوات القليلة الماضية، حشدت المملكة جهدا وطنيا غير مسبوق في بناء تقدم دائم في المشاركة والشمول. نتائج هذه الديناميكية تتحدث عن نفسها. بفضل برنامج استثماري واسع بقدر ما هو طموح، تم توضيب رأس المال البشري والمالي للمملكة لتحقيق مشاريع هيكلية تتعلق بالبنية التحتية للطرق والموانئ وتوسيع ربط الكهرباء والإنترنت وكذا المعدات الجامعية والمستشفيات ووحدات التنمية الصناعية. يقوم المغرب، حاليا، بترسيخ نفسه كقطب إنمائي إقليمي حقيقي ويشارك بشكل متكامل في تعزيز الروابط الإستراتيجية بين أوروبا وإفريقيا. 8. من جانب آخر، سيشهد المغرب هذا العام موعدا انتخابيا مهما والذي سيكون، على أكثر من صعيد، حاسما في المشهد السياسي الوطني. ستؤدي هذه الانتخابات إلى تجديد مجلسي البرلمان والسلطات المحلية والإقليمية. من خلال صناديق الاقتراع، يتم دعوة المواطنين إلى التعبير عن إرادتهم وتأكيد مسؤوليتهم. الديمقراطية نموذج قائم على الحياة، يدور حول المواطن ومبنيٌّ على الواجب. كل هذه العناصر لها صدى خاص في إطار التمسك بالنهج المغربي بشكل لا رجعة فيه نحو مستقبل من الحداثة والوضوح والتكامل. 9. وعلاوة على ذلك، فإن المملكة جعلت من ميزة العطاء قيمة سائدة في تسيير سياستها الخارجية. التزام المغرب الإنساني يتعدّى حدوده الوطنية ويحمل بطبيعة الحال صدى إفريقيا خاصا. صدى ينبع من إيمانه الخالص بالتضامن في العمل والاتساق في المواقف. إن المغرب لم ولن يكف أبدا عن المناداة بضرورة النهوض بإفريقيا موحدة ومزدهرة، تتطور في سلام وأمن. للقيام بذلك، كان المغرب طرفا في جميع النقاشات الكبرى المطروحة على مستوى القارة الإفريقية لتعزيز الديمومة والنهضة التي بنتها إفريقيا من أجل إفريقيا. المغرب يحمل اقتناعا عميقا بأن إفريقيا ليست مجرد انتماء جغرافي؛ بل هي هوية تنطوي على مسؤوليات قوية يتم تحديدها بشكل حتمي في شفافية حوار قاري مسالم وصريح وواضح لن يعاني من أي انحياز إيديولوجي أو طائفية دبلوماسية. 10. في هذه الفترة الخاصة للغاية من عدم اليقين بل وحتى التمزق على جميع المستويات التي تمر بها قارتنا، ستكون المرأة هي أمل إفريقيا وجوابها لمشكلة التنمية. لا محالة من خروج المرأة الإفريقية من الصمت المفروض والمعاناة من أجل إعلاء صوت القارة بقوة. لن تنمو إفريقيا بدون إرادة وإحسان النساء الإفريقيات اللواتي يمثلن الركائز التي من خلالها سيتم تحديد مصير قارتنا بشكل أكثر شمولية وتوازن. 11. يحمل المغرب وجنوب إفريقيا التزامات إفريقية قوية تتناسب مع حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهما كقطبين للنمو في منطقتيهما. لم تعد مواءمة التزاماتها مجرد احتمال مرغوب فيه؛ بل أصبحت ضرورية بشكل متزايد. بقدر ما نحن بعيدون جغرافيا، فإننا مطالبون بالدفع نحو تقارب للقلوب يقوم على تقارب فعليّ. هذا هو الهدف الأساسي للمهمة الرائعة والمليئة بالتحديات التي خضتها في بريتوريا لمدة عامين كسفير صاحب الجلالة. ويبقى التزامي الذي لا يتغير هو رؤية التضامن التاريخي بين المغرب وجنوب إفريقيا، كما هو وصفه ببلاغة الرئيس الراحل مانديلا، يرقى إلى مستقبل علاقة ثنائية من التفاهم والاحترام والشراكة، التي تكرم على حد سواء ماضينا ومصائرنا الإفريقية المشتركة. (*) سفير صاحب الجلالة بجنوب إفريقيا