الحكومة تصادق على قانون التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مجلس الجالية المغربية يتفاعل مع الخطاب الملكي    مورو يدشن مشاريع تنموية ويتفقد أوراشا أخرى بإقليم العرائش    الحكومة تصادق على نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024.. مجموع المغاربة هو 36.828.330 نسمة    ندوة وطنية بمدينة الصويرة حول الصحراء المغربية    يغيب عنها زياش وآخرون.. مفاجآت في تشكيلة الأسود قبل مبارتي الغابون وليسوتو    نزهة بدوان نائبة أولى لرئيسة الكونفدرالية الإفريقية للرياضة للجميع بالإجماع    انتخاب المغرب بالأغلبية لتولي منصب نائب رئيس منظمة الأنتربول عن القارة الإفريقية    6 نقابات تعلن إضرابا في المستشفيات اليوم وغدا وإنزال وطني بسبب "تهديد صفة موظف عمومي" (فيديو)    البنيات التحتية الأمنية بالحسيمة تتعز بافتتاح مقر الدائرة الثانية للشرطة    أسئلة لفهم مستقبل فوز ترامب على بنية النظام الدولي ومَوقِف الدول العربية    هذه برمجة الدورة ال21 من المهرجان الدولي للفيلم بمراكش    إطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    منصف الطوب: هذا ما تحتاجه السياحة لتواصل صورتها اللامعة    إصلاح الضريبة على الدخل.. المحور الرئيسي لمشروع قانون المالية 2025    استعدادات المنتخب الوطني: الركراكي يعقد ندوة صحفية وحصة تدريبية مفتوحة للإعلام    خيارات الركراكي: غياب زياش عن لائحة أسود الأطلس يثير التساؤلات    مؤشرات إيجابية نحو إنهاء أزمة طلبة الطب واستئناف الدراسة    بنسعيد يزور مواقع ثقافية بإقليمي العيون وطرفاية    بوجمعة موجي ل"رسالة24″ : يجب تعزيز الرقابة وحماية المستهلك من المضاربين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    ضبط عملية احتيال بنكي بقيمة تتجاوز 131 مليون دولار بالسعودية    شخصيات رياضية تكرم محمد سهيل    جو بايدن يشيد بهاريس رغم الخسارة    سفير أستراليا في واشنطن يحذف منشورات منتقدة لترامب    قانون إسرائيلي يتيح طرد فلسطينيين    جدري: القطاعات التصديرية المغربية كلها تحقق قفزة مهمة    كلميم تطلق تشييد "مركب لالة مريم"    "خطاب المسيرة".. سحب ضمني للثقة من دي ميستورا وعتاب للأمم المتحدة        تظاهرات واشتباكات مع الشرطة احتجاجا على فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية    نجم منتخب أوروغواي السابق دييغو فورلان يحترف التنس    وزارة الصحة تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    أولمبيك مارسيليا يحدد سعر بيع أمين حارث في الميركاتو الشتوي    محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بتهمة "التجاهر بالفاحشة"    بعد رفعه لدعوى قضائية.. القضاء يمنح ميندي معظم مستحقاته لدى مانشستر سيتي    التّمويل والصّيانة تحديات تحاصر أجرأة مشاريع برنامج التنمية الحضرية لأكادير    300 ألف تلميذ يغادرون المدرسة سنويا .. والوزارة تقترح هذه الخطة    إحصاء 2024 يكشف عن عدد السكان الحقيقي ويعكس الديناميكيات الديموغرافية في المملكة    إعطاء انطلاقة خدمات مركز جديد لتصفية الدم بالدار البيضاء    لأول مرة.. شركة ريانير الإيرلندية تطلق خطوط جوية للصحراء المغربية    "الحرمان من الزيادة في الأجور" يشل المستشفيات العمومية ليومين    مزور: المغرب منصة اقتصادية موثوقة وتنافسية ومبتكرة لألمانيا    انخفاض عدد المناصب المحدثة للتعليم العالي إلى 1759 منصبا في مالية 2025    الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يبرمج تسهيلات مهمة للمتقاعدين    دراسة: أحماض أوميغا 3 و 6 تساهم في الوقاية من السرطان    انطلاق الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي لسينما الذاكرة المشتركة بالناظور    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    ابتسام بطمة ترد على شائعات العفو الملكي    برنامج يخلد المسيرة الخضراء بمونتريال    "مهرجان سينما الذاكرة" يناقش الدبلوماسية الموازية في زمن الذكاء الاصطناعي    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة        كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السويني يفصل بين المعارضة تحت سقف "المقاومة والحق في المشاركة"
نشر في هسبريس يوم 30 - 07 - 2021

في مقاله الثالث، ضمن سلسلة مقالاته حول "البحث عن نخب القطار السريع"، يرى الباحث المنتصر السويني أن إقالة بعض الوزراء والمسؤولين نتيجة عدم تنفيذ مشروع منارة المتوسط كان في حقيقة الأمر محاكمة لغياب السرعة في التنفيذ، واتهاما للنخب الحكومية والإدارية بأنها نخب السلحفاة.
وقال الباحث في القانون العام والشؤون السياسية إن المؤسسة الملكية ترسل رسائل واضحة ومشفرة عن أن المغرب اليوم لا يشكو مما يطلق عليه البعض جيوب المقاومة ووجود تماسيح والمغرب العميق، بل يشكو أساسا من غياب الأفكار وغياب السرعة وغياب الحضور والانعزال عن المجتمع.
وهذا نص المقال:
العقل المركزي للدولة وإعادة النظر في تكوين الكتلة النخبوية..
التناوب وانفتاح النظام السياسي المغربي على المعارضة السابقة كان يعني نقل المعارضة من الاشتغال من داخل مظلة "حق المقاومة"، من خلال رفض المشاركة في الحكومة، إلى الاشتغال تحت سقف الحكومة. وفي هذا السياق نفهم رفض العقل المركزي للدولة محاولات السيد بنكيران رفض مشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي في الحكومة، لأن هذا الرفض كان يضرب المجهودات التي بذلت من أجل دفع المعارضة السابقة للانخراط في إستراتيجية المشاركة في الحكومة.
الاشتغال تحت سقف حق المقاومة كان يقوى موقع الرجال الثوريين كما سماهم ألبير كامو، وهم الرجال الذين يقولون لا. كما كان هذا السقف يقوي الرجال المقاومين والرجال الراديكاليين، وبالتالي كان يقوى من سماهم بيير روزنفلون أصحاب "لا" وأصحاب تقوية سلطة الفراغ.
نقل المعارضة من الاشتغال تحت سقف "حق المقاومة" إلى الاشتغال تحت سقف "المشاركة في الحكومة" كان يعني نقل المعارضة السابقة إلى اتجاه المشاركة الفاعلة في المعارك الانتخابية ومعارك تكوين الأغلبيات والمشاركة في الحكومة والتدبير، وبالتالي انتقلت زعامة هذه الأحزاب من الرجال الثوار والرجال المقاومين إلى الرجال الذين يبحثون عن المواقع السياسية والمواقع الحكومية والمواقع التدبيرية، وبالتالي الاشتغال تحت سقف "المشاركة في الحكم".
الانتقال من صنف الرجال الثوار والرجال المقاومين والرجال الذين يقولون "لا" لم ينتقل بنا فقط من رجال حق المقاومة إلى رجال المشاركة في الحكم، بل أفرز لنا كذلك من يطلق عليهم رجال التظاهر والاحتجاج والرفض ومقاطعة الانتخابات، والاحتجاج على السياسات العمومية المتبعة وانتقاد أثرها على الأرض.
انتقال المعارضة من الاشتغال داخل موقع -حق المقاومة- إلى الاشتغال داخل موقع المشاركة، وبروز الشخصية الجديدة -المواطن المتظاهر- كانت رسالة واضحة إلى العقل المركزي للدولة عن ضرورة الاعتماد على النخب القادرة على التصور والفعل والتبرير والتحجيج والعقلنة والفعالية والتبرير الدائم واليومي للاختيارات المتبعة وللسياسات العمومية، وبالتالي فتحت مرحلة التناوب ومرحلة انتقال الحكم الباب على مصراعيه من أجل إعادة النظر في تكوين الكتلة النخبوية التي يعتمد عليها العقل الرسمي والعقل المركزي المغربي.
بوصلة العقل الرسمي المغربي كانت تشير إلى أن الكتلة النخبوية الجديدة من المفروض أن تكون كتلة نخبوية تنتمي إلى مجتمع الشواهد والدبلومات العليا، وكتلة نخبوية قادرة على إقناع أولا الشعب المقاطع والجزء الكبير من الشعب الحقيقي، وبالتالي هي كتلة تنتمي إلى الشعب والنخبة المحايدة وكتلة مرتبطة أكثر بالقطاع الخاص، وكذلك كتلة مرتبطة بالحضور وبسياسات القرب.
وإذا كان الكاتب آن فيليب في كتابه "سياسة الحضور"، الصادر عن منشورات أوكسفورد سنة 1995، يؤكد أن سياسة الحضور هي في طبيعتها متناقضة مع سياسة الأفكار، إلا أن المؤسسة الملكية كانت تدرك أن نخب الأفكار ونخب الحضور هما الركيزتان الأساسيتان لإنتاج وتنزيل السياسات العمومية في المغرب.
إعادة النظر في تكوين الكتلة النخبوية المرتبطة بالعقل المركزي للدولة من خلال إعادة تشكيلها وإعادة تجديدها وإعادة النظر في مراكز القوة داخلها، من خلال تدعيم نخب الأفكار ونخب الفكر الجديد والنخب المنفتحة على ما يجري في العالم وعلى السرعة، كان يعني بالأساس الانفتاح على نخب القطار السريع داخل الكتلة النخبوية.
إعادة تشكيل الكتلة النخبوية كانت تستهدف من ورائها المؤسسة الملكية تعزيز نوعية نخب الأفكار ونخب الحضور من أجل تقوية المشروعية الوظيفية للمؤسسة الملكية. تقوية المشروعية الوظيفية كان يفترض العمل على تطوير المستويين الأساسين في الحكم، وهما المستوى الأول المكلف بالحكامة السياسية والمكون من المؤسسة الملكية ومجلس الوزراء والبرلمان والحكومة. وهنا كانت الملكية ترسخ تفوقها من خلال البحث وتجديد الأفكار.. أما المستوى الثاني فهو المستوى المتعلق بالتدبير، ويضم المسؤولين عن تدبير الجهات والقرب، وهو المستوى الذي عملت الملكية على تدعيمه من خلال الحضور القوي لمؤسسة الولاة والعمال، وكذلك سياسة اللاتمركز الجديدة، التي تعيد ترتيب مستوى اللاتركيز وتنظيم حكامته والتنصيص كذلك على الآمرين بالصرف الجهويين.
1-العقل الرسمي المغربي وسرعة تغيير البوصلة من خلال البحث عن مظلة جديدة
يقول جاك أطالي في كتابه "الاستعجال الفرنسي" إن الدول التي تمتلك واجهات بحرية وتمتلك ثقافة البحر هي دول تعتمد على البحارة والمقاولين، وبالتالي على الانفتاح وتجديد الأفكار وعلى الأفكار الجديدة. وإذا كان الملك الراحل الحسن الثاني فضل الفلاح على البحار، فإن ولي عهده ومنذ شبابه أعطى إشارات قوية إلى أنه عاشق للبحر، وبالتالي منفتح ومتشبع بثقافة البحر، ومن يمتلك ثقافة البحر يكون أقرب إلى ثقافة الانفتاح والأفكار الجديدة ومنفتح على عالم المقاولين، وما نوعية المشاريع المرتبطة بالبحر (ميناء طنجة المتوسط-ميناء آسفي-ميناء الداخلة...)، التي استثمر فيها العهد الجديد بقوة، إلا دليل على أن كتاب ريمي لوفو "الفلاح المغربي المدافع عن العرش" هو كتاب تجاوزته الوقائع على الأرض، وأن المؤسسة الملكية اليوم هي في حاجة إلى نخب مرحلة ما بعد الاستقلال، نخب المقاولين والمختصين ونخب القطار السريع والبحارة .
العقل الذي يعتمد على الأفكار والآراء هو عقل متتبع للتطورات، والعقل الذي يتميز بالحضور هو عقل يمارس فعله وردة فعله في الزمن الآني، وهو عقل يقرأ الواقع ويفعل المطلوب بناءً على قراءته للواقع.
من خلال شراء اللقاح من الصين وبريطانيا كان العقل الرسمي المغربي يثبت أنه عقل آني؛ وذلك لأنه عقل كان يعي أن هناك زحزحة على مستوى الزعامة العالمية، وأن هناك قوى صاعدة وقوى تترك مكانها وتنسحب من سباق التفوق والإبداع والاختراع وسباق العلم والريادة؛ وبالتالي لا يمكن للعقل الذي يفكر والعقل الذي يحضر في الواقع أن يبقى جامدا يراقب تراجع وسقوط الحلفاء الأوروبيين في سباق العلم واختراع اللقاح.
منذ ربع قرن أصدر الجامعي الفرنسي ميشل بو بحثا حول تأثير العولمة على التبادلات تحت عنوان -زحزحة العالم-هذا البحث كان الملهم الأساسي للاقتصادي المتخصص في الشؤون الآسيوية هبير طسطار، لإصدار كتاب سنة 2021 يحمل عنوان "أزمة كوفيد وزحزحة العالم".
الكاتب من خلال الكتاب الجديد حاول أن يؤكد أن العالم منذ بداية 2020 عرف هزات وأزمات كبيرة تأثيرها عمل على زحزحة العالم وعلى إنتاج شكل جديد من العولمة.
وبالنسبة للباحث فهذه الهزات تمثلت في انهيار المعدات والخدمات، وانهيار السياحة والأسفار الخارجية، والانتقال من العالم الواقعي إلى العالم الرقمي وانفجار التجارة الإلكترونية والخدمة عن بعد، والهروب الاقتصادي إلى الأمام من خلال التمويل المتنامي للدين وطبع الأوراق المالية والأزمة الصحية وتمظهرات الأزمات المناخية. هذه الأزمات أظهرت بالملموس أن عصر العالم الغربي في طريقه إلى الأفول والعصر الآسيوي في صعود.
كاتب الافتتاحيات في المجلات الدولية ليك بروشيز سيؤكد أنه في معركة التزود باللقاح لم تستطع الدول المنتمية إلى الاتحاد الأوروبي حجز مكان لها من بين الدول الخمس الأوائل عالميا، وهي الصين وروسيا، وبريطانيا والهند وأمريكا. هذا الغياب كان نتيجة غياب التوقع والتنظيم لدى دول الاتحاد الأوروبي، وكان له تأثير كبير على مستوى الحضور الجيوبليتكي للاتحاد الأوروبي، كما كان من نتائجه كذلك تمركز التجارة الضخمة ما بين أمريكا والصين.
هذه المتغيرات لم تغب عن أجندة العقل الرسمي المغربي (مع ما يقع مع إسبانيا وألمانيا، لا يمكن للباحث أن يبحث له عن تفسير لحظوي عابر، بل عليه أن يضعه في إطاره الصحيح المرتبط بكون المغرب اليوم يشعر بأن البوصلة العالمية تشير إلى القارة الآسيوية وأمريكا، وبالتالي فإن العقل الرسمي المغربي يريد أن يفهم العقل الأوربي بأن الشمس لم تعد تشرق أوروبيا)، وكانت تدفعه إلى أخذ هذه المتغيرات في الحسبان من أجل الانفتاح على القوى الجديدة، ما جعله يأخذ هذه المعطيات بعين الاعتبار لتحديث نوعية ومستوى توقعه وتنظيمه وسرعة اتخاذ قراره في التزود باللقاح من القوى الجديدة على المستوى العالمي ما بعد كوفيد (التزود باللقاح الصيني والبريطاني)، وعدم انتظار خروج ماكرون من الفراش او خروج العقل الرسمي الفرنسي ومن خلاله العقل الرسمي الأوروبي من سباته وتردده الطويل.
الانفتاح الكبير والسريع على القوى الجديدة على الساحة الدولية ما بعد كوفيد كان يحسن من موقع المغرب الجيوبوليتيكي، وكان يعطي إشارات قوية للخارج مفادها أن المؤسسة الملكية تعمل بشكل مستمر على تحديث عقلها الرسمي، وأنها وكما قال فرانك فيروند: تخضع عقلها الرسمي للتحديث الذاتي والمتواصل، وبالتالي فإن نظامها السياسي ينخرط اليوم في العالم الرقمي، حيث الأنظمة السياسية كالأنظمة المعلوماتية يفرض عليها القيام بشكل قسري بتفعيل خدمة التحديث.
تحديث العقل الرسمي بشكل مستمر هو جواب واقعي وعلمي عن قوة المؤسسات من خلال الحضور عبر الأفكار والحضور في الواقع اليومي والتدبيري، وبالتالي كان العقل الرسمي المغربي يشعر بأن قوة الأفكار والمشاريع هي العامل الأساسي لتركيز السيطرة الفعلية والواقعية من داخل مستوى الحكم الأول (الملك-مجلس الوزراء-البرلمان -الحكومة) وسياسة الحضور وسياسة القرب هي العامل الأساسي لتطوير مستوى الحكم على مستوى الجهة من خلال الولاة والعمال، وبالتالي فإن الأفكار والحضور سبب ترسيخ وتفعيل السياسات العمومية، ومن خلال السياسات العمومية تفعيل سياسة الأثر الذي تتركه هذه السياسات على المجتمع.
إذا كانت المؤسسة الملكية وفقت في الانتقال من الحكم من خلال ثنائية (سلطة الحكم -مواجهة سلطة عرقلة الحكم) إلى الحكم من خلال ثنائية (قوة الأفكار والمشاريع-قوة الحضور وسياسة القرب)، ففي المقابل نجد أن الطبقة السياسية المغربية لم تستطع التأقلم مع الوضع الجديد الذي يتطلب التسلح بالأفكار والمشاريع وتجديد الكتلة النخبوية داخل هذه الأحزاب، وبالتالي مارست دور الأبكم ودور الأحزاب دون مادة سوداء ودون أفكار، ودون مقترحات، سواء في ما يتعلق بالعين على المستقبل أو العين على الحاضر.
الفشل في الانتقال إلى المرحلة الجديدة من طرف الطبقة السياسية المغربية جعل البرلمان والحكومة في وضعية الواقفين في محطة انتظار المبادرات والأفكار والإجراءات، وبالتالي انتظار مرور القطار السريع الملكي وتتبع مساره في غياب القدرة على مواكبة سرعته ولا قوة الأفكار والمشاريع التي يقترحها.
من خلال الأفكار والحضور والسرعة كانت المؤسسة الملكية تثبت أن ميزان القوى بين المؤسسات تحدده نوعية الأفكار ونوعية الحضور والسرعة في الإنجاز، وليس نوعية وطبيعة الاختصاصات المحددة في النص الدستوري.
قيام المؤسسة الملكية بتحديث عقلها الرسمي بشكل مستمر كان يعطي إشارات قوية للخارج بأن المؤسسة الملكية تنتمي اليوم إلى الأنظمة التي تقوم بالتحديث من أجل تحسين فعلها العمومي، وبالتالي فإن النظام المغربي يعطي إشارات إلى أنه منفتح على الواقع وعلى المتغيرات وقابل للتحديث، وبالتالي يختلف عن الأنظمة الجارة التي بقيت حبيسة مرحلة الاستعمار، وبالتالي حبيسة الماضي، ما دفع الباحث بنجمان سطورا إلى تسميتها "النخب والأنظمة المحنطة".
2-العقل المركزي للدولة ونخب الأفكار
العقل الرسمي المغربي عندما كان يعلن عن تكوين لجنة النموذج التنموي، وهذه الأخيرة عندما كانت تسلم للملك تقريرها المتعلق بالنموذج التنموي المغربي، فإن المؤسسة الملكية كانت تعلن للعالم أنها تلتحق بركب الدول التي تملك مشروعا مكتوبا وواضحا للمستقبل، واعتبارا لذلك هي ليست فقط مؤسسة تستثمر الماضي، بل مؤسسة تفتح وتحجز مكانها في المستقبل.
ثنائية (الملكية-المشروع) كانت رسالة للخارج بأن المغرب يمتلك مشروعا لمواجهة عالم التعقيد وعالم اللايقين، ومواجهة الشكوك المرتبطة بالمستقبل؛ بينما بعض دول القارة العجوز لا تمتلك مشروعا واضحا للمستقبل (فرنسا مثلا حيث يطالب بعض الباحثين بمشروع واضح للمستقبل).
ثنائية (الملكية-المشروع) تعتبر رسالة كذلك إلى من يحتمون بالمشروعية الشعبية، مفادها أن العصر الحاضر هو عصر المشروعية المعرفية والمشروعية الفكرية ومشروعية الرأي.
فكرة لجنة النموذج التنموي لم تكن توجه رسالة إلى أصحاب المشروعية الشعبية فقط، بل كانت تنزع عنهم السلطة المتمثلة في احتكار ما يطلق عليه "العين على المستقبل"..امتلاك مشروعية العين على المستقبل كان يضرب في العمق مشروعية الأحزاب إبان اللحظات الانتخابية باعتبارها لحظات لطرح تصورات العين على المستقبل الخاصة بكل حزب، وبالتالي لم يبق للأحزاب إبان اللحظات الانتخابية إلا تفعيل ما يطلق عليه "العين على الماضي" وتوزيع الامتيازات والريع على الزبائن.
سواء من خلال التدبير اليومي في المرحلة العادية أو في مرحلة التدبير الاستثنائي أو في مرحلة الأزمات، تعمد السلطات السياسية في مختلف الدول إلى تحسين نوعية القرارات المتخذة من خلال الدراسات ومن خلال الاعتماد على نخب الفكر والرأي والمعرفة داخل الدولة. وهكذا رأينا المستشار جيرهارد شرودر في ألمانيا يعتمد على تقرير أنجزه اقتصاديون ألمان ينتمون إلى ما يطلق عليه مجلس الحكماء. التقرير المنجز من طرف لجنة الحكماء هو الذي أطلق عليه أجندة 2010، من اجل تجاوز أزمة التوحيد والصعوبات المرتبطة بها.
في بريطانيا عمد رئيس الوزراء جونسون إلى الاعتماد مؤخرا على الدراسة التي أنجزها باحث شاب حول السياسة الخارجية، وقد كانت دراسة نوعية أوضحت الصورة بشكل جيد لأصحاب القرار.
في فرنسا لم يتردد رئيس الدولة في طلب مجموعة من الدراسات والتقارير والأفكار من نخب الفكر والرأي قبل اتخاذ القرارات المهمة والمصيرية، وهكذا وفي قضية التعامل مع الماضي الاستعماري في الجزائر لم يتردد رئيس الجمهورية الفرنسية ماكرون في طلب دراسة مدققة في الموضوع من الباحث المختص بنجامان سطورا.
الملكية من خلال استنادها إلى المشروعية الفكرية والمعرفية من خلال نخب الرأي ونخب الفكر ونخب المعرفة ونخب السرعة كانت توجه رسائل للداخل والخارج مفادها أنها جاهزة لتدبير عالم التعقيد وعالم اللايقين، وان مستوى الحكامة الأول والمؤسسة التي تمثل رأس الهرم داخل هذا المستوى، وهي المؤسسة الملكية، جاهزة ومستعدة لقيادة البلاد إلى بر الأمان.
3-العقل الرسمي المغربي ونخب الحضور
المواطنون ينتظرون من السلطة أن تستمع لهم، أن تؤخذ بعين الاعتبار وجهات نظرهم، وينتظرون من النظام أن يكون أكثر تفهما للمشاكل التي يعيشونها والصعوبات التي تعترضهم، وينتظرون كذلك أن يكون أكثر اهتماما بالناس العاديين، وبالتالي يرفضون أن يتم التعامل معهم فقط من خلال القاعدة القانونية العامة والمجردة التي يشرعها ممثلو المغرب الشرعي.
اعتبارا لما سبق ذكره أوصت مجموعة من الدراسات والتحقيقات المقررين في الدول بالاهتمام أكثر بالناس وبضرورة التقرب منهم ومن مشاكلهم، والعمل على مساعدتهم في تجاوز الصعاب التي تعترضهم. وبالتالي كان المواطنون يطالبون بنوع من العلاقة مع الحكام والمقررين تحت سقف "القرب".
السياسي الفرنسي جون بيير رافران لم يتردد في المطالبة بجمهورية القرب. والباحثة ماري هيلين باكي استعملت عبارة ديمقراطية القرب المرتبطة بالمشاركة وحضور المحلي كمعطى أساسي.
القرب كان عنوانا لضرورة القطع مع المسافة البعيدة والتعالي الأفقي، كما يقول الباحث بيير روزنفلون في كتابه المشروعية الديمقراطية.
الباحث في جامعة أوكسفورد آن فليب، في بحثه المعنون بسياسة الحضور، والذي نشره سنة 1995، عمل على التأكيد على أن سياسة الحضور هي في حقيقة الأمر ردا على سياسة الأفكار، واستخلص أن سياسة الحضور هي الرد على قصور سياسة الأفكار. المؤسسة الملكية وخلافا لما أشار إليه الباحث آن فيليب حاولت أن تؤكد أن الثنائية المكونة من (الأفكار-الحضور) ثنائية يمكن أن تعمل في تناسق وتكامل.
سياسة الحضور كانت تحاول أن تقطع مع العموميات والهوية الجماعية المجردة (مفهوم المواطن بالنسبة للدولة، والخاضع للضريبة بالنسبة للإدارة الضريبية والعامل والمستخدم والإطار في النظام الاقتصادي)، وفي هذا السياق لم يكن ينظر إلى الشعوب إلا من خلال رابط عمومي مرتبط بعمل المؤسسات.
سياسة الحضور تؤسس لعلاقة جديدة للحاكم والمحكوم، علاقة ما بعد العلاقة التمثيلية؛ وتؤسس كذلك لخضوع السلطة للرأي، سياسة الحضور كانت تؤسس بشكل جديد كذلك لفن الحكم، من خلال منحه القدرة على فهم الخواص والعامة والحالات الفردية.
سياسة الحضور وسياسة القرب تعني بالأساس القدرة على الوصول إلى الحكام، الانفتاح، استقبال الآخر، وامتلاك القدرة على الفهم الميداني والمعيشي واليومي واللحظوي والمجالي من خلال تفعيل اللحظوية في العلاقة وإلغاء الحواجز.
أحداث ما أطلق عليه الربيع العربي كانت جرس إنذار للحكام بأن سياسة القرب، وسياسة الحضور، هي سياسة ضرورية للبقاء؛ وبالتالي انتبه العقل الرسمي المغربي إلى أن ممارسة سياسة القرب تتطلب منه إعادة تفعيل نخب القرب داخل بنية السلطة، ما كان يعني إعادة تنظيم وتحديد مجال التدخل وتوسيعه بالنسبة لمؤسسة الولاة والعمال، والقياد، والشيوخ، والمقدمين.
الحضور وسياسة القرب يؤسسان لعلاقات وروابط وشبكات للتواصل وتبادل الرأي مع منظومة المواطن المراقب، خصوصا أن منظومة المواطن المراقب كانت تربح المساحات أمام تراجع منظومة المواطن المصوت.
توجه العقل الرسمي المغربي إلى سياسة القرب ونخب القرب كان يتطلب منه تعزيز نخب القرب داخل بنية الحكم، وهو الأمر الذي تم ترسيخه من خلال: أولا الجهوية المتقدمة في دستور 2011، وكذلك القوانين التنظيمية المتعلقة بالجهوية سنة 2015، وكذلك المرسوم بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري سنة 2018.
المؤسسات الدولية من خلال القانون التنظيمي للمالية لسنة 2015 حاولت أن ترسخ أربعة مستويات للحكم:
-المستوى السياسي (الملك-مجلس الوزراء-البرلمان -الحكومة-الوزراء).
-المستوى البرنامجي، وهو مستوى التفريق بين مستوى القرار ومستوى التنفيذ.
-المستوى الجهوى، ويرسخ لمستوى ثالث من الحكامة، وهو المرتبط بحكامة الحضور.
-المستوى الرابع هو مستوى المشروع، وهو مستوى حكامة القرب وحكامة الواقع.
المؤسسة الملكية عملت من أجل ترسيخ سياسة الأفكار وسياسة الحضور على تبني مستويين رئيسين للحكم بخلاف مستويات الحكم وترتيبها، والتي شرعنها القانون التنظيمي للمالية، وهكذا عملت على الأخذ بالمستويات التالية:
_مستوى الحكامة السياسية والحضور القوي للمؤسسة الملكية..(الملك -البرلمان – الحكومة-الوزراء).
-مستوى حكامة الجهة، وجعلته رأس حكامة الحضور وحكامة القرب من خلال الحضور القوي لمؤسسة الولاة والعمال (الولاة-العمال-القياد-الشيوخ-المقدمين (.
مستوى حكامة الحضور كان يضع علامات استفهام كبرى على دور مؤسسة المسؤول عن البرنامج الذي عمل القانون التنظيمي للمالية على التنصيص عليه، وكذلك على دور الكتاب العامين للوزراء والمدراء المركزيين على مستوى الحكامة الإدارية في الجهات والأقاليم.
المرسوم بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري يؤسس للحضور القوي للجهة داخل قوانين المالية (الموارد-المناصب المالية الجهوية) وسلطة القرار داخل الجهة (التوظيف-التعاقد...)، من خلال التنصيص على الأمر بالصرف الجهوي (المادة 17 من المرسوم بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري).
وبالتالي حاول المرسوم بمثابة ميثاق وطني للاتمركز التأكيد على أن العقل المركزي للدولة حاسم في الاعتماد على ثنائية (نخب الأفكار-نخب الحضور).
4-المؤسسة الملكية ومسلسل الانفتاح على نخب القطار السريع.
فتح المجال للخيار السياسي من خلال ما سميت مرحلة التناوب لم يكن يستهدف فقط إغلاق الباب على مغرب الماضي ومغرب الانتهاكات ومغرب الرصاص، بل كان يعبد الطريق بشكل جيد أمام الخيار التدبيري والخيار التكنوقراطي.
إدماج المعارضة في الحكم واللعبة الديمقراطية كان ينزع عن هذه الأخيرة أحد أسلحتها الفتاكة، والمتمثلة في سلطة العرقلة والجمود من خلال الإضراب. وهنا نتذكر الشخصية الفرنسية ميرابو عندما قال: "لا تعتادوا على الشعب الذي ينتج كل شيء فهذا الشعب يمكن أن يكون عظيما إذا ما مارس الجمود".
الجمود كان ميرابو يقصد به الإضراب. ومن خلال الإضراب اكتسحت الشعوب في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، من خلال سلطة عرقلة الحكم لمواجهة سلطة الحكم.
الزعيم النقابي الفرنسي الشهير جيراند في تعريفه للإضراب العام يقول: "من خلال الفراغ والعزلة والوحدة سنهزم نابليون"، الدعوة للإضراب العام كانت في حد ذاتها -قوة سلبية حاسمة-ومشروعية سلبية في مواجهة مشروعية الحاكمين الفعلية.
مغرب ما قبل التناوب كان محكوما من خلال ثنائية (ممارسة الحكم -ممارسة سلطة مواجهة الحكم من خلال الجمود).. إستراتيجية مواجهة الحكم من خلال الجمود كانت تقوي لدى جبهة الحكم سلطة الجبهة الأمنية والجبهة العسكرية، ولدى جبهة مقاومة الحكم الثوار والمتشددين والمغامرين.
العقل الرسمي المغربي فطن إلى أن المغرب لا يمكن أن يواجه المستقبل من خلال ثنائية (ممارسة الحكم -ممارسة عرقلة الحكم)، ومن خلال الإستراتيجيتين الصداميتين. إستراتيجية مغرب المعارضة (الاحتجاجات-الانتفاضات-الإضرابات العامة) وإستراتيجية مغرب الحكم (الاعتقالات-السجون -الطرد-الاختفاءات القسرية...). الإستراتيجيتان المتناقضتان كانتا تقودان المغرب بشكل طبيعي وحتمي إلى الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
في خطاب موجه للشعب سنة 1995 حذر الملك الراحل الحسن الثاني من أن المغرب مهدد بالسكتة القلبية. احتمال مواجهة المغرب للسكتة القلبية كان رسالة مبطنة من الملك الراحل إلى أن النخب التي تقود البلاد هي نخب التيتانيك، نسبة للسفينة التي غرقت في البحر، ولم يعرف ربابنتها كيفية قيادتها إلى شط الأمان.
استعمال مصطلح السكتة القلبية كان اعترافا من الملك الراحل بأن تدبير المغرب من خلال ثنائية الحكم-عرقلة الحكم، هو إستراتيجية خسر فيها الجميع، وبالتالي فإن الإستراتيجية البديلة والمتمثلة في التناوب والانفتاح والحوار هي الطريق الأمثل لمواجهة المستقبل.
توجه العقل الرسمي المغربي نحو الخيار الاقتصادي والتدبيري سيتم تدشينه في بداية التسعينيات من خلال تعيين أندري أزولاي مستشارا للملك الراحل الحسن الثاني. كما أن العقل الرسمي آنذاك سيعمد كذلك إلى تعيين ما أطلق عليها آنذاك مجموعة الأربعة عشر، والمكونة من عينة شابة وخريجة مدارس عليا من أجل شرعنة الخيار الاقتصادي والتدبيري.
مرحلة نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات كانت مرحلة عالمية حملت معها إلى الحكام درسين متناقضين. وفي هذا السياق يقول الباحث في علم السياسة ياشا مونيك، صاحب كتاب الشعب ضد الديمقراطية، إن غالبية الباحثين منذ سنة 1989 صنفوا هذا التاريخ على أنه تاريخ يرمز إلى سقوط جدار برلين وتحرر دولة ألمانيا الشرقية، ولكن هذا التاريخ يرمز كذلك إلى قمع التحركات الشعبية في ساحة تيان آن مين بالصين.. والقادة الذين قمعوا ساحة تيان آن مين يقودون اليوم بلادهم إلى احتلال المرتبة الأولى عالميا، وبالتالي يصعب الجزم بفشل الأنظمة السلطوية في قيادة الشعوب نحو التقدم.
سنة 1989، كانت سنة تمنح المظلة للأنظمة الديمقراطية، وكذلك مظلة للأنظمة السلطوية. وبالتالي لم تمنح هذه السنة الأفضلية لأحد التيارين على الآخر رغم الحملات الإعلامية الكبرى التي خصصت لسقوط جدار برلين.
انفتاح العقل الرسمي المغربي على الخيارين؛ خيار الحل السياسي من خلال تدشين مرحلة التناوب وخيار الحل التدبيري من خلال الاعتماد على نخب الحل التدبيري التكنوقراطي النيولبيرالي، كان يعني أنه يقف وسط الطريق ما بين الدرس الألماني والدرس الصيني. وبالتالي لم يكن خيار التناوب آنذاك إعلانا قطعيا عن بداية عصر الحلول السياسية، بل كان إعلانا صريحا عن أن الساعة دقت من أجل الخيار التدبيري والخيار التكنوقراطي وعصر النيولبيرالية.
ومع تولي الملك محمد السادس العرش (رغم أن الكل كان يعرف عشق ولي العهد الكبير للبحر، وبالتالي الانحياز لثقافة البحر ثقافة الانفتاح والمقاولين والبحارة) انتظر المتتبعون نوع النخب التي سيتم الاعتماد عليها.. سياسة المشاريع الكبرى الوطنية والجهوية كانت تؤشر على اختيار المؤسسة الملكية العمل من تحت مظلة النظرية الكينزية على الطريقة المغربية كما سماها الباحث هنري لويس فيدي.
سنة 2005 أصدر العقل الرسمي المغربي كتابا يحمل عنوان "المغرب الممكن"..هذا الكتاب كان مهندسه القوي هو مزيان بلفقيه، ومن خلاله كانت نخب العقل الاقتصادي والتدبيري التي يعتمد عليها العقل المركزي للدولة تنتقد المرحلة التدبيرية السابقة، وترسل إشارات عن أجندة جديدة ونخب جديدة بعد تقييم فعلي وحقيقي رسمي للمرحلة السابقة.
سياسة الأوراش المفتوحة كانت تعني أن عصر العهد الجديد هو عصر الاعتماد على النخب الاقتصادية، والتدبيرية، ونخب الحياد والأفكار.
وفي سنة 2007، أعلن الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي عن فكرة مشروع القطار السريع. رسالة القطار السريع بين الدار البيضاء وطنجة كانت رسالة ثانية بعد رسالة نخب الاقتصاد والتدبير، وهي رسالة مفادها أن عصر الحالي هو عصر النخب السريعة (نخب الأرانب ضدا على النخب السابقة التي كانت تسمى نخب السلحفاة)؛ وبالتالي كانت المؤسسة الملكية توجه رسالة قوية مفادها أن الملكية في عهد محمد السادس تعتمد على ثنائية (النخب الاقتصادية والتدبيرية -نخب القطار السريع ) بدل نخب المرحلة الماضية التي كانت تتميز بسيطرة الثنائي (النخب الأمنية والعسكرية – نخب البطء والتكرار ونموذج السلحفاة) وبالتالي كان العهد الجديد يبحث عما يطلق عليها نخب القطار السريع.
من خلال البحث والاعتماد على نخب الأفكار ونخب السرعة، كان العقل المركزي للدولة يرسخ موقعه الأول داخل المستوى الأول من الحكامة الأولى في المغرب والمكونة من (الملك-مجلس الوزراء-البرلمان-الحكومة)..داخل هذا المستوى وبعد الاعتماد على نخب الفكر والتجربة ونخب السرعة رفعت المؤسسة الملكية من إيقاعها وحلقت بعيدا عن باقي المؤسسات الأخرى، وخصوصا البرلمان والحكومة.
من خلال الأفكار ومن خلال الضغط على دواس السرعة، كانت المؤسسة الملكية ترسل رسائل واضحة ومشفرة عن أن المغرب اليوم لا يشكو مما يطلق عليه البعض جيوب المقاومة ووجود تماسيح والمغرب العميق، بل يشكو أساسا من غياب الأفكار وغياب السرعة وغياب الحضور والانعزال عن المجتمع (وهنا يجب فهم أن إقالة بعض الوزراء والمسؤولين نتيجة عدم تنفيذ مشروع منارة المتوسط كانت في حقيقة الأمر محاكمة لغياب السرعة في التنفيذ واتهاما للنخب الحكومية والإدارية بأنها نخب السلحفاة).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.