"كتاب المغازي" الموريسكية1 هو عبارة عن مجموعة من الحكايات الملحمية المجهولة المؤلف، والتي تروي أحداث بعض غزوات العهد الإسلامي الأول، والتي تتخذ لها كبطل رئيسي عليا بن أبي طالب (ض). وقد كتبت هذه المغازي في القرن السادس عشر باللغة "العجمية" أو "ألخاميادو". إلا أن كتابة هذه الحكايات من طرف الموريسكيين في القرن السادس عشر لا ينفي وجودها سلفا كحكايات شفهية. وقد لجأ المورسكيون إلى هذا النوع من الكتابة لمحاولة إنماء الروح الدينية في الوقت الذي كانوا يعانون من الاضطهاد والقمع الممارس عليهم من طرف محاكم التفتيش؛ وهذه الحكايات تذكير بالماضي الإسلامي وبإنجازات الفتوحات، وتذكير كذلك بإمكانية وقوع المعجزات بالصمود والإيمان بالله. لهذا فبالإضافة إلى البعد الأدبي للمغازي فهي كذلك ذات بعد سياسي وديني، ونوع من الخطاب الحماسي غير المباشر في تلك الفترة التي شهدت عدة ثورات كانت أشهرها ثورة غرناطة الكبرى عام 1568 والتي تزعمها محمد بن أمية. سنحاول في قراءتنا لهذا الكتاب عرض ملخص لكل حكاية على حدة، ثم إبراز بعض من جوانبها التاريخية. فكتاب المغازي الموريسكية يضم تسع حكايات تختلف في أزمنتها وأمكنتها لكنها تلتقي في موضوع واحد وهو الغزوات الإسلامية. ملخص الحكايات الحكاية الأولى والمروية عن ابن إسحاق تروي أحداث معركة المسلمين مع الأصيد بن سلمى المخزومي. فبعد أن فرغ النبي (ص) من معركة المصطلق قام ذووا من ماتوا في هذه المعركة وعلى رأسهم هند بنت عقبة بن معيط -التي قتل أبوها وكان أسيرا- بكتابة رسالة إلى بني مخزوم بمكة تشتكي فيها مما حدث لأبيها، فقرروا محاربة النبي (ص). وكان على رأسهم الأصيد بن سلمى المخزومي. فبعد أن خرج أربعة من أبناء عم الأصيد ومقتلهم من طرف علي في المبارزة، خرج الأصيد فهزمه علي ليعلن الأصيد إسلامه أمام رسول الله (ص). فعاد قوم الأصيد من دونه إلى مكة؛ ولما رأى أبوه أن ابنه ليس مع العائدين سأل عنه وأخبروه بما فعل فأسلم العجوز بدوره مع أخت الأصيد. أما الحكاية الثانية، والتي تنسب إلى الراوي السابق، فتحكي عن ملك اليمن الحارث بن أبي شمر الغساني الذي بعث إليه رسول الله (ص) رسالة مع زيد. فلما سمع الحارث الرسالة التي قرأها عليه أحد بطارقته، احتار في أمره، وبعد مرور تسعة أيام أقام الحارث مأدبة ليجتمع كل الناس، وأمر أحد وزرائه بأن يقرأ عليهم رسالة رسول الله (ص). فلما قرأها قام عجوز فنصح الملك ألا يخرج لمحاربة النبي (ص) ونصح الحارث أن يرسل عمرو بن معد يكرب الزبيدي لملاقاة النبي (ص)، حتى إذا انتصر عمرو كانت له هدية الحارث وإذا انهزم دفع الحارث الجزية للرسول وبقي في ملكه. فعمل الحارث بنصيحة الشيخ. وقد خرج الرسول (ص) بجيش من 12 ألف وخرج عمرو بجيش من 10 آلاف؛ ولما التقا الجيشان بدؤوا بالمبارزة، فقتل عمرو مقاتلان وفتى وعجوزا. ثم أمر النبي (ص) عليا لمنازلته فطال النزال بينهما والتقيا من جديد في اليوم الموالي فهزم علي عمرو، فأمره النبي بالإسلام فرفض أن يفعل تحت القوة، فأطلق النبي سراحه بأمر من الله ثم عاد عمرو في اليوم الموالي رفقة مائتين من رجاله فأسلموا جميعا. وبعد ذلك عاد عمرو إلى الحارث وأخبره بإسلامه ونصحه بدوره أن يسلم فأسلم هو و من عنده. الحكاية الثالثة تحمل عنوان "معركة خديمة البارقية والأحوص بن مخاض". وهي مروية عن نفس الراوي، وتحكي عن علي بن أبي طالب (ض) الذي كان يحرس المسلمين بعد أن نصبوا خيامهم للاستراحة، فتبع غزالا وابتعد عن الجيش فضل الطريق حتى وصل واديا. لما رآه عبد عرفه فذهب وأخبر خديمة البارقية التي أرسلت الأحوص وبعض الفرسان للقبض على علي، فأرسل الأحوص الأزور بن طارق للقبض على علي فقتله هذا الأخير ثم خرج إليه الأحوص فهزمه علي فنصحه بالإسلام فأسلم، وعاد من كانوا مع الأحوص إلى خديمة فأخذت سلاحها وفرسها وخرجت بنفسها لمواجهة علي فهزمها ثم أسلمت. أما الحكاية الرابعة، فهي "حديث وراء الحجرات". ومحتواها أن ملكا من أرض تسمى وراء الحجرات جاء إلى النبي (ص) ومعه ثلاثون فارسا يطلب أن يرسل معه أربعة من الصحابة ليعلموهم الدين، فطلبوا من النبي (ص) أن يبعث بخالد بن الوليد والزبير بن العوام والمقداد بن الأسود الكندي وعمرو بن أمية الضمري. فذهبوا معهم فأسروهم لما وصلوا مدينة الحجرات وقرروا إحراقهم. فأرسل الله جبريل عليه السلام إلى النبي فأخبره بما حصل للصحابة فذهب إلى علي وأيقظه ثم أمره بالذهاب لانقاد الصحابة. فخرج علي على فرسه ونام فطويت له الأرض ووصل بسرعة فدخل خيمة وفك أسر الصحابة. ولما جاء الملك ليأخذ الصحابة لم يجدهم فثقفوا أثرهم بثلاثين ألف فارس وأكثر من ذلك من المشاة، فتوسط علي الصحابة وقاتلوهم ومات منهم كثير وفر الباقون عائدين إلى المدينة بعد أن استسلموا ودخلوا في الإسلام. الحكاية الخامسة تدور حول إحدى أشهر الغزوات وهي غزوة حنين، رغم أن الحكاية تحمل عنوان: "معركة بدر وحنين"، وهي مروية عن عبد الله بن عمر (ض). وملخص الحكاية أن مالك بن عوف النصري بعد ما سمع بغزو الرسول (ص) لمكة وبتحطيمه للأصنام، دعى جميع القبائل للتحالف معه ضد محمد (ص). فاجتمعت له قبائل بني النضير ومزيان وبنو عامر وبنو الملوح، إضافة إلى قبائل هوازن وثقيف اللتان كانتا لمالك. وكان عدد الجيش ثلاثين ألفا ما بين فارس وراجل. وجاء إبليس في هيئة فارس فحكى لهم ما فعل الرسول (ص) في مكة فزاد غضبهم. وجاء أعرابي إلى النبي فأخبره باستعداد مالك لمهاجمتهم وجاء جبريل فأكد كلام الأعرابي. فجمع الرسول الناس وحرضهم على الجهاد وخرج في جيش من اثنا عشر ألف جندي. وفي الطريق نحو مالك لقي المسلمون ثعبانا ضخما بوادي، كانت عليه شجرة ضخمة كانت تعظمها قريش، حيث كلمه الرسول (ص) فأخبره بأنه جني مؤمن جاء صحبة اثني عشر ألف جني للجهاد. فالتقى جيش المسلمين بجيش مالك وقام إبليس بإعلان موت النبي (ص) ففر المسلمون ثم أمر النبي عمه بنداء المسلمين فرفع الله صوته وسمعوه جميعها ثم عادوا بينما بقي علي يصارع جيش العدو حتى قال عنه جبريل أن الملائكة أعجبت به، ولحق به النبي فوجد عنده سبعين جرحا؛ فأخذ الرسول (ص) قدحا من الماء ومر بيده على الجراح فشفيت وبعد ذلك تنازع علي مع ذا الخمار فقتله علي، فتقدم علي وتبعه المسلمون وانتصروا على عدوهم. أما الحكاية السادسة فهي المتعلقة بمعركة الملك المهلهل ابن الفياض. فبعد أن أبلغ جبريل رسول الله (ص) بقدوم المهلل لحربه في مائة ألف فارس وخمسين ألف راجل وأربعين ألف عبد أسود، جمع النبي المسلمين فاستشارهم ثم عمل برأي الخراساني بعد أن نصحه جبريل بذلك والمتمثل في مكاتبة المهلهل. فبعث بلالا إلى دار خالد بن الوليد الذي غاب عن مجلس النبي لعدم توفر الأكل ببيته لأنه جلس بالبيت يداعب الأطفال كي ينسيهم الجوع، فأمر النبي له بالصدقة ثم أعطاه الرسالة ونصحه بزاده في الطريق، أي بذكر الله والتكبير. فلما وصل واديا نام فأيقظه الحصان بعد أن رأى قدوم ألف فارس نحوه، فصارعهم خالد وقتل منهم مائة وفر الباقون، ثم صارع فتى آخر فهزمه وأمره بأن يذهب ليخبر قومه بمجيئه. فأتى قوم منهم خالدا فأخبرهم برغبته في مقابلة الملك. فاستقبلوه وأكرموه، وفي اليوم السابع أخبروه بمقابلة الملك، فجاء خالد الملك وكان أمامه صنم يسجد لها فرفض خالد أن يكلمه قبل أن يرمي بالصنم فغضب الملك وأمرهم بالقبض عليه فصارعهم لكنه سقط أسيرا فذبحوا حصانه وسلخوه ثم وضعوا خالدا في جلد حصانه وقرروا حرقه في اليوم الموالي. فنزل جبريل على النبي وأمره بإرسال علي لانقاد خالد. فرحل علي وطويت له المسافة وهو نائم على حصانه؛ فوصل وأنقد خالدا ثم ابتعدا نحو الجبل فلحق بهما فرسان الملك وحاصروهما فخاطبهم علي ولما عرفوه فروا وجاءوا ملكهم فأخبروه. فقرر فارس منازلة علي لكنه قتله وأخذ خالد سيفه وفرسه. فقرر المهلهل مصارعة علي بنفسه فقتله علي. فهاجم خالد وعلي فرسان الملك فقتلوهم ولم ينجو منهم إلا من أسلم. ولم يمض إلا قليل حتى لحقت بهم مواكب جيش المسلمين فوجدوهما قد انتصروا على العدو. الحكاية السابعة تتحدث عن معركة الأشيب بن حنقر، وهي مروية عن إسحق الكلبي، حيث إن رسول الله (ص) كان يعد من بقي خارج الملة من الكفار فأخبره العباس بالأشيب بن حنقر العراش في تيماء والذي لديه صنم لربة على هيأة ديك بداخله جن. فبعث إليه رسالة مع عباس بن مرداس و ثمانية رجال، واستقبلهم الملك الأشيب فثار غضبه. فأرسل إلى الأخضر بن مثقف وهو لديهم بمثابة الند لعلي بن أبي طالب؛ فجاء الأخضر في عشرة آلاف فارس إلى تيماء ثم أطلق الملك سراح الصحابة وبعث معهم برسالة يتوعد فيها بالحرب. فاستعد النبي ثم اتجه إلى تيماء دون علي، فلما عرف الأشيب بقدومهم أرسل المقدام ومعه عشرة آلاف فارس فهزمه المسلمون. ثم خرج إليهم الأخضر وبدأوا بالنزال الفردي فخرج المسلمون واحدا واحدا فقتل منهم الأخضر أربعة عشر. ولما حل الليل أرسل النبي حجر بن عدي و مائة فارس لإحضار علي، فلما علم الأخضر بذلك اعترض طريقهم وأسرهم. إلا أن عليا في تلك الليلة رأى في المنام أن رسول الله (ص) ينادي عليه فاستيقض وامتطى حصانه وطويت له الأرض فلحق أول الأمر بالفرسان المأسورين ففك أسرهم، وقتل الكثير من الفرسان وأسر معظمهم وفر الباقون. فلما رأى النبي عليا فرح وقبله بين عينيه. فالتقى علي مع الأخضر فهزمه وأسره فضعف قوم الأخضر. ونصح عجوز الملك الأشيب بأن يقترح على علي منازلة الربة حتى إذا هزمها آمنوا بالله. فذهب علي وألف فارس لمحاربة شياطين الربة لكنهم فزعوا وفروا، وبقي علي لوحده فقاتل الجن وحطم الصنم، فأسلم الأخضر والأشيب وجميع القوم. الحكاية الثامنة تحمل عنوان "حديث قصر الذهب وقصة الثعبان مع علي بن أبي طالب" وهي مروية عن إسحاق ابن عبد الله بسند يصل إلى وهب بن منبه؛ وتحكي القصة عن نزول وحي إلى النبي وفيه خبر وصول أعرابي يطلب العون من الرسول (ص) ويشتكي من ثعبان ضيق عليهم عيشهم ويسكن "قصر الذهب". فأرسل النبي ألف فارس مع الفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب، فنادى علي بعض الصحابة وأمرهم بالترجل واتجهوا نحو القصر، فدخل علي لوحده ولم يستطيعوا أن يغيثوه. ورأت فاطمة رؤيا فزعت منها، فأرسلت إلى رسول الله _ص) فأخبرته بأنها رأت عليا تحيط به العفاريت والجن وهو يصيح ويطلب منها أن تخبر رسول الله (ص) لينقده، فنزل جبريل وأخبر النبي أن يطمئن فاطمة لأن الله أمدَ عليا بالملائكة ليساعدوه، فصعد النبي وفاطمة إلى ربوة عبد الله الأنصاري فقرب الله لهم المسافة ورأوا عليا يصارع الجن والتنين حتى قتل هذا الأخير، وأسلمت الجن وقتل منهم سبعة عشر ألفا. أما الحكاية الأخيرة وهي "قصة علي والصبايا الأربعين"، والمروية عن ابن عباس (ض)، فتحكي عن علي بن أبي طالب بعد زواجه بفاطمة. بحيث إن هذه الأخيرة ذهبت إلى الطاحونة لتطحن مدا من شعير فمرت عليها عجوز وأربعون صبية متوشحات بالحرير واللؤلؤ والياقوت. فأعابت عنها العجوز زواجها بعلي ووصفته بخفيف الشعر وضخم الوسيعة ونحيف الساق والفقير. فلما دخل عليها علي وجدها تبكي فأخبرته بالسبب ورد عليها بأن شعره قليل من كثرة ما يضع البيضة على رأسه، وأن الأوصاف الأخرى كذلك بسبب مكانته وجهاده، أما الفقر فقال بأن النبي أفقر منه، فغضبت فاطمة من قوله وذهبت إلى بيت أبيها وجلس علي في بيته خشية مقابلة الرسول (ص). فدعى علي ربه بإرسال جيش من الكفار يحاصر المدينة فاستجاب الله له وبعث النبي إلى علي فظن أنه بخصوص أمر فاطمة وإذا به يدرك أن قوما حاصروا المدينة ففرح علي بذلك، ونادى فاطمة والصبايا الأربعين والعجوز أن يصعدوا فوق أسوار المدينة ليرينه وهو يقاتل، فقتل علي عشرات الفرسان في النزال. ثم دخل وسط جيش العدو فقتل منهم الكثير وخرج ملطخا بالدماء. وانتصر المسلمون، ثم جاء إلى حيث فاطمة والصبايا والعجوز. هذه كانت بشكل وجيز الحكايات التي تحتويها المغازي المورسكية. وهدفنا من خلال هذا التلخيص للحكايات، هو إبرازها في شكلها العام بغية تقربنا من مضمونها حتى يتسنى لنا رصد بعض من جوانبها التاريخية والتي تطرقت إليها كتب السيرة التي اطلعنا عليها. التاريخي في حكايات المغازي يقول الدكتور صلاح فضل في دراسته لكتاب المغازي: "فالمغازي التي يدور حولها الكتاب هي بدر وأحد والخندق واليرموك وحنين، وكلها وقائع تاريخية عظمى ثابتة، بل إن بعض التفاصيل الصغيرة تتفق تماما مع ما ورد في كتب التاريخ الموثقة مثل قصة دريد بن الصمة مع مالك بن عوف، كما أن أسماء معظم الأماكن والقبائل والأفراد ذات أصل تاريخي ثابت، ويتمثل السياق الملحمي حينئذ في توحيد البطل والمبالغة في صفاته والمغالاة في دور العناصر الخارقة وإضفاء طابع الأسطورة عليها، أما ما عدا ذلك، وهو الهيكل العظمي للروايات، فهو من صلب التاريخ المعتمد ووقائعه"2 . سنتفق مع الدكتور صلاح فضل في بعض ما قاله وسنختلف معه في بعض آخر. فهناك العديد من التفاصيل الواردة في الكتب المؤرخة للعهد الإسلامي الأول، والتي نجدها في "كتاب المغازي"، فبالإضافة إلى الحوار الذي دار بين دريد ومالك بن عوف بخصوص مجيئه بالنساء والصبيان، نجد كذلك في الحكاية الخامسة ذكر حادثة الشجرة المقدسة عند قريش، إلا أن هذه الرواية تختلف عن التي ذكرها ابن هشام في السيرة إذ قال: " كانت كفار قريش و من سواهم من العرب لهم شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط يأتونها كل سنة فيعلقون أسلحتهم عليها، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها يوما.(...) قال (الحارث بن مالك): فتنادينا من جنبات الطريق: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. قال الرسول (ص): الله أكبر، قلتم والذي نفس محمد بيده كما قال قوم موسى: "اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، قال إنكم قوم تجهلون". إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم" 3. وفي معركة حنين نفسها نجد تقريبا أن نفس الأسماء الواردة في المغازي هي نفسها في سيرة بن هشام. فنجد اسم مالك بن عوف النصري والقبائل التي جمعها حوله ثقيف وهوازن، مع عدم تواجد القبائل الأخرى المذكورة في المغازي. في حين نجد قبائل أخرى مثل نصر وجشم (قبيلة دريد) في كتاب السيرة. كما نجد عنصرا آخر من العناصر التي قد تدلنا إلى معرفة اسم إحدى المعارك، وهي المعركة الأولى، أي "معركة الأصيد وأهل مكة". فرغم أننا لم نجد أي علم من الأعلام المشاركة في الحروب بهذا الاسم فإننا وجدنا اسم هند بنت عتبة والتي جاءت مذكورة في كتاب المغازي باسم هند بنت عقبة. وانطلاقا من هذه الشخصية يمكننا استنباط اسم المعركة و هي "أحد". ففي المعركة قامت هند بنت عقبة بتحريض بني عبد الدار ضد الرسول (ص). أما فيما يخص عدد الجنود المسلمين في معركة حنين، فكانت كما جاء في المغازي 12 ألفا، اثنان من أهل مكة و10 آلاف من أصحاب الرسول الذين خرجوا معه. فحكاية حنين هي أكثر الحكايات قربا من الواقع، خاصة وأن العنوان يحمل نفس اسم المعركة، إضافة إلى ذلك، فهيكل الحكاية ظل وفيا لرواية معركة حنين، خاصة فيما يتعلق بحادث تخلف المسلمين في المعركة ونداء العباس الذي سمع الجميع صوته ثم عادوا للقتال، وكذا الملائكة التي مد بها الله المسلمين ليقاتلوا معهم. أما حديث وراء الحجرات والذي جاءت فيه "وراء الحجرات" ذات دلالة مكانية، بحيث هي اسم لقبيلة وليس للتعبير عن حدث وراء الحجرات ونزول السورة، فإننا لم نجد في كتب السيرة التي اطلعنا عليها غزوة بهذا الاسم. أما ما وجدناه في سيرة بن هشام مرتبطا بوراء الحجرات، فيتعلق بوفد بني تميم ممثلا في بعض الأفراد أبرزهم عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس التميمي؛ وقد جاء هذا الوفد إلى النبي (ص) ليفاخروه بشاعرهم وخطيبهم، وطلبوا منه أن يخرج إليهم وأن يرى شاعرا من عنده أو خطيبا يرد عليهم. أما من ائتمروا على إرسال نفر إلى رسول الله ليسألوه عن بعض الأشياء فهم من ثقيف وكانوا لم يسلموا بعد. أما باقي الحكايات فليست هناك معلومات تؤكد أحداثها لمعرفة أي المعارك هي. كما أن أسماء بعض المعارك ليست موجودة البتة في كتب السيرة، من هنا يصعب علينا الجزم بأن المعارك التي تتحدث عنها المغازي هي اليرموك والخندق وبدر... أما ما نجده يكتسي صبغة أسطورية محضة، فهو المتعلق بوصف المعارك وقوة علي (كرم الله وجهه) فيها. فعلي في هذه الحكايات هو الشخصية الرئيسية، إذ كل الأحداث تتناسق وتتهيأ لظهور علي، وكل المعارك لا تجري دون حضوره؛ كما أن الإخبارات والوحي الإلهي عن طريق جبريل (ع)، أو عن طريق الرؤى يكون علي موضوعا لها، وهو قوة النبي الضاربة ودعامته الأساسية في الانتصار. ونلمس ذلك في عدة مناسبات، كما هو الأمر في "معركة الأشيب" وفي حكاية "قصر الذهب". ومن هنا يتبين أن عليا يأخذ صورة شبه مقدسة، إذ أن الله خصه في عدة مناسبات برعايته وبالمعجزات التي يسر له بها انتصاراته وأسفاره. وقد استعملت عدة أوصاف ومشاهد كانت جد مبالغ فيها، خاصة حين يصارع علي آلاف الجنود لوحده سواء كانوا من الإنس أو الجن، وهذا نجده في بعض كتب السيرة ذات المرجعية الشيعية حين تصف قوة علي وشجاعته في المعارك، دون أن يعني هذا بالضرورة تأثر المورسكيين بهذا المذهب، بل نجد جذور تعلق الأندلسيين بآل البيت - وهو أمر كان شائعا في بلاد المغرب- منذ القرن السادس الهجري خلال عصر المرابطين، كما هو الحال في شعر ابن عبد الله محمد بن أبي الخصال الشقوري (465-540 هجرية) 4. ولكن رغم كل الصفات والخوارق التي قدمتها المغازي عن علي (كرم الله وجهه) فإن الحكاية الأخيرة جاءت لتضفي عليه صبغة الرجل العادي الذي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويعاني الفقر والسقم كالكثير من الناس، وهنا جمعت هذه الحكاية بين معطيين تاريخيين في حياة علي وشخصيته، أولهما زواجه بفاطمة وهو جد فقير، إذ أن الروايات والأحاديث التي تورد ذلك كثيرة ومنها حديث علي مع الرسول (ص) إذ جاء يطلب يد فاطمة منه فقال له الرسول (ص): " وهل عندك من شيء تستحلها به؟ فقال: لا والله يا رسول الله، فقال: ما فعلت بالدرع التي سلحتكها؟ فقال: عندي والذي نفس علي بيده، إنها لحطيمة ما ثمنها أربعمائة درهم، قال: قد زوجتك فابعث بها فإنها كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله (ص)5 . وثانيهما حبه للحرب. إضافة إلى شخصية علي، نجد كذلك أن العديد من الشخصيات ثابتة الوجود تاريخيا وتحتفظ بنفس الوظائف المعروفة بها في زمن الرسول (ص)، فبلال مثلا هو المؤذن للصلاة، ومعاوية بن أبي سفيان كاتب النبي، رغم أن عليا في موضع هو الكاتب في المغازي. كم رأينا، العناصر التاريخية التي حاولنا استنباطها من"كتاب المغازي" المورسكية ليست كثيرة، إذ يتم الانطلاق فقط من إحدى التفاصيل الثابتة تاريخيا ثم تبنى من خلالها حكاية يكون للخيال فيها الحظ الأوسع. هذه كانت بإيجاز بعض العناصر التاريخية في "كتاب المغازي" الموريسكية، والتي حاولنا الوقوف عندها لإبراز بعض من التراث الموريسكي المكتوب وكذا مظاهر ارتباط المورسكيين المسلمين بالسلف وبالعهد الإسلامي الأول في خضم محنتهم ببلاد الأندلس، حيث لجأوا إلى مختلف الوسائل المتاحة والممكنة من أجل تحفيز بعضهم البعض في مواجهة حملات الإبادة والتهجير التي تعرضوا لها على يد محاكم التفتيش والتي لازال التاريخ يحتفظ بها ويسجلها. الهوامش: 1* اعتمدنا النسخة العربية التي يتضمنها كتاب الدكتور صلاح فضل "ملحمة المغازي المورسكية: دراسة في الأدب الشعبي المقارن"، ص. 163-301، دار المعارف، القاهرة، ط. الأولى، 1989. 2* نفس المرجع، ص. 93. 3* أبو محمد عبد الملك بن هشام، السيرة النبوية، المجلد الثاني، دار الكتب المصرية، القاهرة، ص. 442. 4* صلاح فضل، مرجع سابق، ص.98. 5* محمد رضا، الإمام علي بن أبي طالب(ك)، دار الكتب العلمية، بيروت، ص.7. المراجع - أبو عبد الله بن اسماعيل البخاري الجعفي، صحيح البخاري، ج.3، المطبعة الخيرية، مصر، ط. 1، 1304 هجرية. - أبو محمد عبد الملك بن هشام، السيرة النبوية، المجلد الثاني، دار الكتب المصرية، القاهرة، مجلد 1 و 2. - صلاح فضل "ملحمة المغازي المورسكية: دراسة في الأدب الشعبي المقارن"، دار المعارف، القاهرة، ط. الأولى، 1989. - محمد رضا، الإمام علي بن أبي طالب(ك)، دار الكتب العلمية، بيروت. - محمد كاظم القزويني، علي من المهد إلى اللحد، مطبعة الآداب النجف، 1976.