كيف يقضي أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج شهر رمضان في بلدان إقامتهم؟ وهل هناك فرق بين أجواء رمضان في تلك البلدان مقارنة مع أجواء الشهر الفضيل في المغرب؟ هل تقيم لهم السفارات والقنصليات المغربية أنشطة بهذه المناسبة؟ وهل يتابعون ما تقدمه قنوات التلفزيون العمومي؟ أسئلة طرحناها على خمسة مهاجرين مغاربة، بكل من الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنساوإيطاليا وإسبانيا ودولة الرأس الأخضر، وهذه إجاباتهم... صِيام بلا طَعْم روحي شهرُ رمضان في بلدان المهجر (الغير إسلامية)، يختلف كثيرا عن شهر رمضان في المغرب. الخلاصة من شهادات مغاربة من أوربا وأمريكا وإفريقيا. تقول سعيدة حجي، المهاجرة المغربية المقيمة في دولة الرأس الأخضر (Cap Vert ) إنّ رمضان في تلك الدولة الإفريقية الصغيرة هو إمساك عن الطعام دون الإحساس بالطعم الروحي والجوّ الرباني للشهر الكريم. وتضيف أنّ الاختلاف بين أجواء رمضان بين المغرب والرأس الأخضر حيث تقيم تظهر بَدْءا من رؤية الهلال والإعلان عنه إلى طقوسه الخاصة، "أنا في بلد لا يعرف الإسلامَ والجالية المسلمة هنا قليلة جدا، مما يزيد الأمر صعوبة". تشرح سعيدة. بعيدا عن دولة الرأس الأخضر الصغيرة، لا يختلف الأمر في الولاياتالمتحدةالأمريكية، يقول عبد الله بولحيارا، المقيم في بلاد العمّ سام "هنا، يختلف شهر رمضان عمّا ألفْناه في المغرب من طقوس روحية وعقائدية، لِمَا لبلدنا من ثقافة إسلامية وتقديس مُفرط لشهر رمضان". الطقوس الرمضانية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، حسب عبد الله، تنحصر في تجمّع المسلمين المنتمين لمختلف الجنسيات في المساجد، من أجل الصلاة وقيام الليل، حيث يحرصون على تناول وجبتيْ الفطور والعشاء بشكل جماعي، تحتَ إشراف المتطوّعين الساهرين على خدمة رُواد المساجد. على غرار ذلك يُحسّ المغاربة المقيمون في إسبانيا باختلاف طقوس شهر رمضان بين الوطن الأمّ والمملكة الإيبيرية. بالنسبة لفاضمة، فإنّ الاختلاف كبير، "ففي المغرب يتميّز شهر رمضان بطقوس خاصة لا توجد هنا في إسبانيا، وعلى رأسها الأذان الجماعي الذي ينبعث في آن واحد من مآذن المساجد، ومشاركة الجميع في الصيام، وإغلاق المطاعم والمقاهي ومتاجر الخمور". تشرح فاضمة. وتواصل قائلة "في رمضان تصير العلاقة بين الناس في المغرب أكثر حميمية، وتتميز بالمودّة والمحبّة، وتكثر صلة الرحم التي توطّدُ العلاقة بين الناس، وهذا ما نفتقده هنا في بلاد المهجر. هْنا كلشي مْدّيها فراسو". الإحساس بالفرق بين شهر رمضان في المغرب وفي بلدان المهجر تخِفّ حدّته في فرنسا، بسبب كثرة عدد المغاربة الذين يقطنون بها. هذا ما يُزكيه محمد السليماني بقوله "لا يمكنني أن أقول لك سوى أننا مُكرّمون من الله عز وجلّ؛ أشعر في المدينة التي أقيم بها هنا في فرنسا كما لو أنني في المغرب، من ناحية التقاليد والعادات". ويضيف محمد "تماما كما في المغرب تنبعث رائحة "الحريرة" من البيوت، كما أنّ المجازر والمحلاّت العربية تشهد حركة غير عادية، وحتى المتاجر الفرنسيّة الكبرى تحتفي بشهر رمضان، وتستغله لترويج منتجات يكثر عليها الإقبال من طرف المسلمين في الشهر الفضيل". كلام محمد يؤكّده إسماعيل المقيم في إيطاليا بقوله "شعور مغاربة المهجر يختلف من بلد إلى آخر، المغاربة المهاجرون بفرنسا مثلا يقطنون في أحياء وضواحي المدن الكبرى بكثافة، هناك تحسب نفسك كأنّك في المغرب". وعن الوضع في إيطاليا يقول إسماعيل إنّه مختلف، "هنا نتعايش مع السكان الأصليين داخل العمارات ووسط الأحياء، لذلك لا نشعر بأجواء رمضان إلا من خلال الطقوس التي نحاول أن نقيمها داخل بيوتنا، أما في الشارع فإنّ الطقوس الرمضانية منعدمة بالمرّة". ويضيف إسماعيل "حتى ظروف ووقت العمل تجعل الإنسان لا يستشعر الأجواء الرمضانية كما هو الحال في المغرب، أنا أشتغل في قطاع توزيع الصحف، أبدأ نهاري من الخامسة صباحا بدوام إلى الثانية ظهرا، فيما تصل ساعات الصيام إلى 18 ساعة". أطباق مغربية بِطَعم الغُربة إذا كانت الأجواء الرمضانية في شوارع وحارات بلاد المهجر مختلفة عمّا ألفه "مغاربة العالم" في المغرب قبل أن يَحزموا حقائبهم ويتوزّعوا على أرض الله الواسعة، فإنهم في المقابل يحاولون استعادة الذكريات بخلْق أجواء صغيرة داخل البيوت، خصوصا فيما يتعلّق بالوجبات. تقول فاضمة، متحدثة عن الأطباق التي يُعدّها المغاربة خلال شهر رمضان، "الأمر يختلف حسب رغبات الناس، هناك من يفضّل إعداد أطباق مغربية، وكايْن اللي عْندو بْحال بحال". وتشرح جملتها الأخيرة بأنّ ظروف العمل تتدخّل هي أيضا في اختيارات الناس المتعلقة بوجبات الطعام، "كايْن مسكين اللي كايفطر وهو لابس اللباس ديال الخدمة واقف ما عاقلش عْلى ديك الماكلة منين دازْت". وإذا كان "الاجتماعي العائلي" على مائدة الإفطار في رمضان من أهمّ الطقوس التي تميّز الشهر الفضيل، فإنّ كثيرا من المغاربة المقيمين بالخارج "محرومون" من هذا الطقس. "هناك أشخاص تسمح لهم ظروفهم بالاجتماع مع أسرهم على مائدة الإفطار، وفي المقابل كاينين الناس مساكن ما كايفطرو لا مْع ولادهم ولا مْع والديهم، الله يحسن العوان". تقول فاضمة. وعلى مائدتها الصغيرة، هناك في بلاد الرأس الأخضر الصغيرة، تحاول سعيدة أن تزيّن مائدتها بما تيسّر لها من أطباق رمضانية، حسب قولها. في الولاياتالمتحدةالأمريكية، حسب عبدِ الله، يبذل المغاربة ما بوسعهم من أجل عدم القطع مع ثقافتهم ومطبخهم، "لذلك فأغلبية الموائد المغربية في الولاية التي أعيش فيها تتمتع بنفس مواصفات المائدة الرمضانية في المغرب، ولا وجود لأي فرق من هذه الناحية". أما في فرنسا، فيقول محمد السليماني إنّ بيوت المغاربة المقيمين هناك لا تخلو من الموائد المغربية، التي تتزيّن خلال الشهر الفضيل بأطباق الطبخ المغربي، والتي تتوسط في الغالب الصالونات والغرف ذات الديكور المغربي وعلى رأسه "السّدادر". "الآخر" يحترم عاداتنا وطقوسنا كيف يتعايش المغاربة المقيمون في المهجر مع السكان الأصليين للدول حيث يُقيمون؟ وكيف ينظر هؤلاء إلى طقوس المسلمين خلال شهر رمضان؟ شهادات المهاجرين المغاربة الخمسة، الذين سألتهم هسبريس، حملتْ جميعها جوابا واحدا: "نعم، هناك احترام لطقوسنا وعاداتنا خلال شهر رمضان من طرف السكان الأصليين لبلدان إقامتنا". يقول عبد الله بولحيارا، "العلاقة التي تربطنا هنا في الولاياتالمتحدةالأمريكية مع سكان البلد المستضيف علاقة مَبنيّة على الاحترام التامّ والمتبادل"، ويضيف ضاحكا "ومبنية على مبدأ الخوف من القانون أيضا". احترام الأمريكيين لعادات وطقوس المسلمين في رمضان نابع، حسب عبد الله، من "دراية أغلبهم بالصوم، ولأنّ القانون في أمريكا شرَع الاختلاف وحريّة المعتقد، وحرّم التعصّب والعنصرية". على خلاف سكان الولاياتالمتحدةالأمريكية الذين هم على علم بشهر رمضان، كما ورد في شهادة عبد الله، فإنّ سكان دولة الرأس الأخضر، على قِلّتهم، "تتملّكهم الرغبة في معرفة المزيد عن الشهر الفضيل، وتكثر أسئلتهم، لأنّ معلوماتهم عن الإسلام جد ضئيلة، وأحيانا تكون خاطئة، نظرا لقلة المسلمين"، توضّح سعيدة. في فرنسا كانت العراقيل تواجه المسلمين في رمضان، خصوصا أثناء أداء صلاة التراويح، "كان هذا في ما مضى"، يقول محمد السليماني، العضو في جمعية تسهر على بناء أحد المساجد، ويضيف "السلطات الفرنسية سمحت لنا هذا العام بالصلاة في المسجد، الذي يوشك بناؤه على الانتهاء، لتَوَفُّر شروط السلامة بداخله". المسجد، يقول محمد، يمتلئ عن آخره، "ولكونه جاء وسط المدينة ترى المسلمين يحجّون إليه من الشمال والجنوب وشرقا وغربا، بزرابيهم كأنّهم متوجهون إلى مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، ونتكلف كل يوم بإفطار جماعي على شرف أكثر من مائة شخص من الطلبة والعزاب وغيرهم، فيما أوفدت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بعثة دينية منها إمام خاص بصلاة التراويح". الإيطاليون أيضا، حسب إسماعيل، يحترمون طقوس المسلمين في شهر رمضان، "في مقرّات العمل يحترموننا ما دام أنّ الصوم لا يؤثّر على سيْر العمل"، يشرح إسماعيل ويضيف "حتى أنهم ينبهرون وهم يروْننا صائمين، خصوصا في ظل الجوّ الصيفي الحارّ، الذي تَصادف معه شهر رمضان هذه السنة". أما فاضمة المقيمة في إسبانيا فتقول: "الناس حْجر وطوب، كل واحد وكيفاش كايشوف فيك، كاين اللي كايعرف شْناهو رمضان وكايحتارم الصائم، وكاين اللي كايقول واش انتوما حمّاق علاش ما تاكلوش وتشربو فهاد الصهد وتمشيو للبحر، داكشي غير خرافات". القنصليات والسفارات في "سُبات عميق" هل تُقيم القنصليات والسفارات المغربية بالخارج بأنشطة ما، لفائدة المهاجرين المغاربة خلال فصْل الصيف؟ إسماعيل وسعيدة وفاضمة وعبد الله أجابوا جميعا بالنفي، وأكّدوا أنهم لم يسبق لهم أن سمعوا عن إقامة نشاط رمضاني لفائدة أفراد الجالية، من طرف سفارة أو قنصلية مغربية في بلدان إقامتهم. يقول إسماعيل جوابا على السؤال أعلاه باقتضاب "القنصلية المغربية هُنا بمدينة بولونيا الإيطالية حيث أقيم، غارقة في سُبات في سبات عميق، ليس فقط في شهر رمضان بل طيلة أشهُرِ السنة". أما عبد الله، المقيم في الولاياتالمتحدةالأمريكية فكان جوابه: "ماذا؟ القنصلية المغربية؟؟؟ لا أدري إن كانت توجد أيّ قنصلية مغربية على هذه الأرض الأمريكية"، واسترسل بسخرية، تعبيرا عن الغياب التامّ لمسؤولي القنصلية المغربية في الولاية حيث يُقيم "ربما سأسأل "الحاج Google" لعله يعطيني فكرة!". فاضمة بدورها لا تملك أيّ فكرة بخصوص ما إن كانت القنصلية المغربية بالمدينة حيث تقيم تقوم بأنشطة لفائدة الجالية المغربية خلال شهر رمضان، مضيفة "الله أعلم، لكنني لا أظنّ". أما في دولة الرأس الأخضر، فإنّ أفراد الجالية المغربية الذين يُعَدّون على رؤوس الأصابع لا يستفيدون من أيّ نشاط، لأنّ السفارة المغربية التي يتوجّه إليها المهاجرون المغاربة المقيمون بالرأس الأخضر لقضاء حوائجهم الإدارية توجد في العاصمة السنغالية دكار. تقول سعيدة "منذ إقامتي هنا في الرأس الأخضر لم أسمع يوما بأنشطة للسفارة أو شيء من هذا القبيل، ربما لوجودها بدكار"، وتضيف "كمْ تمنيت أن تقوم سفارتنا بهذا العمل، سيكون ذلك سابقة من نوعها في هذا البلد، لكن للأسف ليس هناك اهتمام بنا، سواء في المناسبات الدينية أو الوطنية". "إضراب" عن مشاهدة التلفزيون العمومي إذا كان "مغاربة الداخل" يُعبّرون في كل مرة، خصوصا في رمضان، عن امتعاضهم من الأعمال التلفزيونية المبثوثة على شاشات القنوات العمومية، فإنّ هذه القنوات، التي من المفترض أن تكون صِلة وصْل بين أفراد الجالية المغربية بالخارج والوطن، لا تلقى سوى الامتعاض نفسَه من طرف المغاربة المقيمين بالخارج. تقول فاضمة، جوابا على سؤال: هل تشاهدين الأعمال التلفزيونية التي تقدمها القنوات العمومية خلال شهر رمضان؟ "الصراحة كايْجينا داكشي باسْل، ما كانتفرجوش فالبرامج، التي "لا علاقة"، كانشوفو غير الأخبار صافي". بنبرة "الغضب" ذاتها ممّا تقدمه قنوات التلفزيون العمومي تقول سعيدة "بكل أسف نعم أتابعها، إلا أنني أتفاجأ بالمستوى المنحطّ الذي آل اليه حال التلفزة المغربية، لست أدري كيف حصل ذلك، لكن البرامج أصبحت مملة، فيما تتسم نصوص سيناريوهات الأعمال الفنية بالركاكة". وإذا كانت سعيدة تشاهد برامج القنوات التلفزيونية العمومية، وإن كانت غيرَ راضية على مستواها، فإنّ عبد الله "أضربَ" عن مشاهدة هذه القنوات بصفة نهائية. يقول عبد الله "شخصياً لا أتابع القنوات التلفزيونية المغربية، وأكتفي فقط خلال شهر رمضان بمشاهدة سلسلة "الكوبل" في "اليوتوب"، فهي تكفيني، وذلك لاحترامي لِحَسن الفذ، وكوني أحد المعجبين بفنه، أما عن مستوى القنوات المغربية فهي كعادتها سيئة ولا تُنتج غير الرداءة، مع احترامي للطاقات المشتغلة داخل هذه القنوات". أما محمد السليماني فيقول "في البيت نتابع القناة الأولى، أمّا القناة الثانية ما كايْن اللي يْشوفها، تكفينا القنوات الأوربية!"، وبنفس السخرية يقول إسماعيل "الأعمال والبرامج الرمضانية التي تقدمها قناتا دار البريهي وعين السبع لا تتابعها العائلة هنا في إيطاليا، حتى لا تُصاب ب"الحْلاقْم"!