طفلان لا يعلمان ما يدور حولهما، بوطن يزورانه لأول مرة، لكنه وطنهما الذي حرمتهما الحرب واختيارات والدهما من أن ينشآ به. عاد الطفلان دون والديهما، فالأب معتقل بالأراضي السورية، أما الأم فجنسيتها السورية صعبت مسألة دخولها إلى المغرب؛ أو ربما هي اختياراتها التي منعتها من مرافقتهما. عثمان (خمس سنوات) وفاطمة (ثلاث سنوات) هما أول طفلين استطاعا العودة بشكل قانوني إلى المغرب، من بين المئات من الأطفال بالمخيمات السورية أو أولئك المختبئين بتركيا؛ قدما دون جواز سفر لكن بعد معاناة طويلة تكبدها الجد لتتحقق بعدها رغبته ويستطيع جلب "فلذتي كبده" كما يفضل مناداتهما. تدخل ملكي قبل أشهر قرر مصطفى بن حمدان السفر إلى تركيا لجلب حفيديه؛ سافر وهو يظن أنه سفر عادي، لكنه لم يعد إلا بعد مضي أسابيع طويلة، وحتى طرق باب الملك محمد السادس، ليكون الجواب وتتيسر العودة رفقة عثمان وفاطمة. هسبريس التقت بن حمدان الذي قدم تفاصيل هذا السفر الشاق، وكيف تمكن من جلب حفيديه بعد أن ناشد الملك محمدا السادس، ليأتي الجواب الذي ظنه لن يأتي أبدا. وقال بن حمدان: "منذ أن تمكنت زوجة ابني من الهرب من المخيمات السورية إلى تركيا دأبنا أنا وزوجتي على زيارتهم هناك، ووفرنا لهم بيتا وكنا نساعدهم، لكن حينما حلت جائحة كورونا، ولم نتمكن من السفر للقائهم، حينذاك اتخذنا قرار جلبهم للمغرب". وأكد الجد ذاته أن بداية الرحلة كانت من المغرب، قائلا: "ذهبت إلى السفارة التركية، وهناك سألت عن الأوراق التي تلزمني لاصطحاب ابني. أعددت جل الأوراق وتوجهت إلى تركيا ظنا مني أنني سأعود بسرعة برفقتهما، وأن المسألة سهلة، لكني صدمت بعد أن سحبوا مني الملف وقالوا إن علي الانتظار". انتظر بن حمدان بتركيا أسابيع طويلة، دق خلالها جميع الأبواب، وعرفت قصته على الصعيد الوطني، بعد أن تم نقاش حالته في البرلمان. وأردف بن حمدان: "مر شهر ونصف تقريبا وأنا عالق في تركيا، وحينها قررت التوجه لمناشدة الملك محمد السادس، وهي الخطوة التي جاءت بالفرج، فعقبها تم استدعائي من قبل السفارة لإخباري بأنه بإمكاني صحب حفيدي لوطنهما"، وتابع: "أنا ممتن للملك محمد السادس وأشكر كل من ساهم من قريب أو بعيد في حل هذا الملف، كما أتوجه بالشكر إلى المغاربة الذين ساندوني كل بما يستطيعه، ولو بالدعاء فقط". من لندن إلى سوريا روى بن حمدان تفاصيل سفر ابنه عمر إلى سوريا، مؤكدا أن الأمر لم يكن يرتبط بالماديات، بل ب"التغرير" به على غرار كثير من الشباب المغاربة، وزاد: "حينما انطلقت الأحداث السورية وبتنا نرى الأطفال بالمئات مرميين في الشوارع وتحت الأنقاض ويقصفون بالبراميل، حينها أخذته العزة بالنفس وقرر السفر من أجل مد يد العون، دون أن يدري أنه يرتكب خطأ فادحا". سافر عمر من المغرب إلى لندن، وهناك ظل لأسابيع، قبل أن تسافر زوجته وابنه الأكبر محمد (12 سنة) للبقاء معه، لكن سرعان ما اتخذ قرار إعادتهم للمغرب، ثم توجه هو إلى تركيا ومنها إلى سوريا. أكد الأب أن ابنه لم يكن في صفوف المقاتلين، بل كان يقدم الدعم لمن يحتاجه، ويعمل رفقة المنظمات الدولية ك"اليونسيف"، ناهيك عن التجارة هناك. واستطرد الجد: "ابني كان معروفا بالعمل الجمعوي وحب المساعدة والخير، وهذا ما دأب عليه حتى حينما كان في العرائش، إذ سبق أن بنى مسجدا لوحده دون مساندة من أحد، والجميع هنا يعرفونه ويكنون له كل الاحترام". تزوج عمر من امرأة سورية، وهناك أنجب كلا من عثمان وفاطمة، وطفل ثالث لم يتحمل قسوة الظروف في المخيمات السورية فوافته المنية، وكان سببا في لجوء الأم إلى الهروب إلى تركيا. وقال بن حمدان إن ابنه قرر الهرب من سوريا عام 2019، لكن تم إلقاء القبض عليه ووضع الأم والأبناء في المخيمات، فيما هو مازال مسجونا، وزاد: "لا ندري عنه سوى الأخبار التي تصلنا من هناك، والتي تؤكد أنه مازال حيا". من المخيمات إلى تركيا قال بن حمدان إنه حينما تم نقل الأم وأطفالها إلى المخيمات السورية ذاقوا كل أن أنواع العذاب، إذ كانوا يقتاتون فقط على الحشائش، فقررت الأم البحث عن مهرب لها ولأبنائها إلى تركيا، مضيفا أنها حينما وصلت إلى هناك اتصلت به، وحينها سافر رفقة زوجته وساعدها على توفير مسكن ولقمة العيش، مع تكرار الزيارة بين الفينة والأخرى، وتابع: "لكن حين أزمة كورونا تعذرت زيارتنا، فقررنا اصطحاب حفيدينا للعيش معنا على أرض الوطن". آمال في استقبال ابنه كل ما يرجوه الحاج حمدان أن يتم نقل ابنه عمر إلى المغرب، موردا: "أرغب في أن يأتي إلى وطنه، فأنا لا أطلب أن يطلق سراحه، لا بل أن يسجن لأنه أخطأ"، وزاد: "الوطن غفور رحيم وأنا كلي أمل أن يجد ملف ابني وعلى غراره مئات الأبناء طريقه للحل، وأرى أن هناك بشائر أمل في القضية".