متغيرات جيو-إستراتيجية يشهدها الساحل الإفريقي، على امتداد الأسابيع الماضية، من شأنها إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية في ظل صراع الأقطاب الدولية حول المنطقة؛ ما سيُفرز تموقعات دبلوماسية جديدة، تفرض على المغرب بدوره التحرك الفعلي لاستغلال التطورات المستحدثة ب"القارة السمراء". ويستغل المارد الروسي الأخطاء الفرنسية بمنطقة الساحل جنوب الصحراء لزيادة نفوذه داخل الفواعل الإفريقية، لا سيما فشل باريس في تنفيذ أهداف عملية "برخان" العسكرية؛ الأمر الذي دفعها إلى الانسحاب من المنطقة، التي تشهد ارتفاعا مطردا للعمليات المسلحة ذات الطابع الإرهابي. ومع ذلك، ترفض فرنسا ترك منطقة نفوذها لصالح القطبين الروسي والصيني؛ وهو ما جعلها تقنع الاتحاد الأوروبي بالتكتل العسكري من أجل "أوربة" الحرب على الإرهاب بالساحل الإفريقي، من خلال اعتماد عملية "تاكوبا" التي خلفت "برخان". في المقابل، يتوغل "قصر الكرملين" بشكل تدريجي في أعماق المنطقة، مستغلا الأخطاء الأوروبية المرتكبة في هذا الصدد. تغلغل روسي بالساحل نجحت روسيا في إرساء "الاستقرار" بجمهورية إفريقيا الوسطى، فيما تستعد للتدخل العسكري بدولة مالي بعد الانسحاب الفرنسي. كما تحاول أيضا تمديد تغلغلها الناعم ببلدان الساحل، عبر عقدها لاتفاق عسكري مع الجيش الموريتاني يرمي إلى دحر الجماعات الإرهابية النشطة بالمنطقة. واقع عسكري ميداني أصبح يفرض على المغرب مسايرة التغيرات الطارئة بالقارة الإفريقية، والبحث عن حلفاء جدد في ظل التراجع المتواصل للقوات الفرنسية بالمنطقة الساحلية؛ بما في ذلك القوة الروسية التي باتت تبحث عن موطئ قدم لها بتلك المنطقة التي أصبحت محط أنظار كل القوى الدولية في السنوات الأخيرة. ومن منظور عبد الواحد أولاد ملود، الباحث في الشأن الإفريقي والأمني، فإن التغلغل الروسي بإفريقيا ككل، وبمنطقة الساحل جنوب الصحراء على وجه الخصوص، يكشف التوجه الدولي المتغير إزاء بعض المناطق العالمية بعد نهاية الحرب الباردة. صراع القوى الدولية نبهت الكثير من التقارير الاستخباراتية، وفق أولاد ملود، صانع القرار الأمريكي إلى أهمية الموارد الطبيعية التي تتوفر عليها إفريقيا جنوب الصحراء التي صارت أشبه ب"المنطقة الخصبة"؛ وهو ما لحظناه في التقرير الذي أعده وزير الدفاع الأمريكي السابق خلال ولاية ترامب بشأن الاحتياجات الطاقية الأمريكية التي ستلبيها المنطقة الساحلية الصحراوية إلى غاية 2050، بتعبيره. وأوضح الباحث السياسي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "القوى الأخرى، على غرار الصينوروسيا، بدأت تتوغل كذلك بالقارة الإفريقية؛ الأمر الذي يعني بأن المنطقة أصبحت محل تصارع دولي، ما سيرخي بظلاله على التوازنات الأمنية الإقليمية، المتمثلة في تصاعد التهديدات الإرهابية وتفشي الفقر وتزايد التمردات القبلية". ولفت المتحدث إلى أن "أجندة القوى الدولية تختلف من منطقة إلى أخرى باختلاف مصالحها؛ إلا أن الهدف واحد يتمثل في استغلال كل الموارد الاقتصادية، حيث تعلل أمريكا تدخلها بمحاربة الإرهاب ودحر الجماعات الجهادية"، مؤكدا أن "القوات الفرنسية، التي تعتبر بمثابة مدبرة أزمات تلك الدول، تحافظ على وجودها العسكري بمالي وبوركينا فاسو وإفريقيا الوسطى". أوراق المملكة المغربية الباحث عبد الواحد أولاد ملود أشار إلى تفاقم الصراع الفرنسي-الروسي حول المنطقة، في ظل فشل باريس في التعامل مع الأوضاع بمالي والتشاد؛ ما سمح بفتح المجال أمام روسيا لإرساء مرتكزاتها الأمنية بالمنطقة، التي قد تشهد "حربا باردة" بين فرنساوروسيا، بالإضافة إلى إمكانية تدخل الولاياتالمتحدة وكذا الصين التي تضطلع بأدوار اقتصادية مهمة. وحول تأثيرات التحولات سالفة الذكر على المغرب، أبرز أولاد ملود أن "الرباط قد أرست محدداتها الأمنية والاستخباراتية والروحية والاقتصادية بالقارة الإفريقية"، ثم زاد: "المشاريع التنموية الكبرى قد تدفع روسيا إلى التعاون مع المغرب، بل يمكن للحضور المغربي أن يعود عليه بالنفع السياسي بشأن قضية الوحدة الترابية". وخلص الباحث في الشأن الأمني بإفريقيا إلى أن "الدبلوماسية المغربية عليها استثمار الحضور الروسي من أجل تغيير بعض الأفكار لديها إزاء المنطقة، بوصف المغرب قوة إقليمية بارزة في القارة ككل"، ليختم بأن "المغرب قد يساهم في خلق التوازنات الإقليمية بين روسياوأمريكاوفرنسا بالمنطقة".