مسؤول نقابي بتطوان: سنبقى في الشارع حتى يسقط هذا قانون الإضراب المشؤوم    مجلس النواب يصادق بالإجماع على مشروع قانون متعلق بالتنظيم القضائي    رئيس الحكومة يعطي الانطلاقة الرسمية لفعاليات الدورة السابعة لمعرض "أليوتيس" الدولي بأكادير    السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن وفلسطين تجدد رفضها تهجير سكان غزة في "رسالة مشتركة" لوزير الخارجية الأمريكي    توقيف ثلاثة أشخاص ببني أنصار يحاولون تهريب 20 حاوية بلاستيكية تضم 375 كيلوغراما من "الحشيش" خارج المغرب    القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب يروم في المقام الأول حماية حقوق الشغيلة والمنظمات النقابية (السكوري)    إطلاق نار في محيط محطة ميترو ببروكسيل    بلال الخنوس يتوج كأفضل موهبة لعام 2024    مجلس بوعياش يرحب باعتماد اللجنة العربية لحقوق الإنسان لتوصيات المغرب    في يوم الإضراب العام، الحركة عادية تقريبا بالدار البيضاء (+صور)    إدانة راشد الغنوشي ب 22 سنة سجنا    مجموعة إسبانية تعتزم افتتاح منتجع فاخر في طنجة    الجيش وبركان يترقبان "20 فبراير"    منتخب لبؤات الأطلس أمام مواجهات ودية    المعقول .. من اللامعقول السياسي عند تبون من خلال حواره! -2-    أخنوش يستعرض المؤشرات الاقتصادية والمالية للمغرب ويؤكد مواصلة الإصلاحات    رونالدو بعد بلوغ سن الأربعين: أنا أعظم لاعب في التاريخ    منصة "واتساب" تعلن عن تحديث جديد لتشات جي بي تي داخل تطبيقها    الشامي: عدم التفاعل مع الاستشارات العمومية يضعف الثقة في المؤسسات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    جامعة عبد المالك السعدي تعزز البحث العلمي في مجال القنب الهندي باتفاقية جديدة مع الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المرتبطة بالنبتة    انحراف حافلة يخلف قتيلة ومصابين    انتقادات لعدم تنفيذ الحكم ضد المتهمين في قضية "كازينو السعدي" رغم صدور قرار النقض    أجراس الحداثة البعدية في مواجهة منابر الحداثة    تأجيل أم إلغاء حفل حجيب بطنجة؟ والشركة المنظمة تواجه اتهامات بالنصب    كعكتي المفضلة .. فيلم يثير غضب نظام المرشد في إيران    ماذا يعرف الأطباء عن أعراض وعلاج الاحتراق النفسي؟    أولمبيك آسفي يتمسك بمدربه أمين الكرمة بعد فترة توتر    انتحار ستيني في ظروف غامضة بحي الديزة بمرتيل    تنقيط لا يليق بالحارس الرجاوي أنس الزنيتي في مباراته الأولى مع الوصل    بلقاسمي: ملعب الرباط سيدخل كتاب " غينيس"    ميلان يعلن تعاقده مع جواو فيلكس على سبيل الإعارة    فورد تعلن عن عودتها إلى الفئة الملكية لسباقات التحمل    الارتفاع يستهل تداولات بورصة الدار البيضاء    أسعار الذهب ترتفع إلى مستوى تاريخي جديد    كيوسك الأربعاء | إطلاق الدعم لفائدة المقاولات المستفيدة من "صندوق التحدي 2"    الرباط.. العرض ما قبل الأول لفيلم "الوصايا" لسناء عكرود    البريد بنك يحصد 3 ألقاب في Les Impériales 2025    سياسات ترامب الحمائية هل ستؤدي إلى حرب تجارية جديدة؟    الولايات المتحدة.. مجلس الشيوخ يؤكد تعيين بام بوندي في منصب وزيرة العدل    بلغ عددهم 67.. فرق الإنقاذ تعثر على جثث جميع ضحايا تحطم طائرة واشنطن    الحكومة حريصة على توفير المواد الاستهلاكية بوفرة خلال شهر رمضان المبارك    ترامب يوقع على أمر تنفيذي بانسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان    وصلة إشهارية تضع "وفاكاش" في مرمى انتقادات التجار والمهنيين    خلال جلسة مساءلة أخنوش في المستشارين... حزب الاستقلال يؤكد على وفائه لحلفائه في الحكومة    خبراء يؤكدون أن جرعة واحدة من لقاح "بوحمرون" لا تكفي للحماية    الصحة العالمية : إطلاق أول تجربة لقاح ضد إيبولا في أوغندا    بنسعيد يعلن عن تقييد مآثر جديدة    الصناعة السينمائية المغربية تحقق أرقامًا قياسية في 2024    جولييت بينوش تترأس لجنة التحكيم في "مهرجان كان"    التقلبات الجوية الحادة تؤثر على الصحة العقلية للمراهقين    تنظيف الأسنان بالخيط الطبي يقلل خطر السكتات الدماغية    الرباط: تنصيب الأعضاء السبعة الجدد بأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفاتنة السوداء، وخيول إميل زولا
نشر في هسبريس يوم 15 - 07 - 2013


من فاتنة إلى وحش:
جرادة مدينة مستحيلة ،إذ لم يكن متوقعا أبدا أن تتمرد جغرافيتها عما كانت منذورة له ؛منذ الأزمنة الغابرة: مراعي شاسعة،تحرسها الجبال الغابوية ،و يتواصل امتدادها جنوبا مشكلة مدخل الظهراء الكبرى؛ التي لا تزال الدولة لم تعرف ماذا تفعل بها؟
لعل محطة الطاقة الشمسية،بعين بني مطهر مدخل لعصر جديد بالمنطقة.
مجال واسع من الظهراء، اليوم ،مجرد محمية قنص ، تخترق سماءها أسراب القطا هاربة من مخالب نسور الخليج العربي. انها بحاجة الى استثمارات ضخمة ؛وحبذا لو كانت عربية ،منتجة للغذاء.
لقد لهوتم ما فيه الكفاية فساعدونا على التنمية.
من هنا تسمية"فدان الجمل " القديمة،التي حملتها جرادة ؛باعتبار قطعان الجمال التي كانت تسرح بها ،أو تعبرها ،ضمن قوافل تتجه جنوبا صوب فج الصحراء-فجيج- وبشار، وسائر الأصقاع النائية التي تتوزعها الخريطتان،المغربية والجزائرية.
وقتها لم يكن أحد يدري أن الفاتنة السوداء متوارية في أغوار الأرض السحيقة،؛تنتظر فارس الأحلام القادم من بلاد الضباب، لتنهض، الهوينى ،ناثرة الفتنة بين الناس .
في سنة1908 يصل الى فدان الجمل ،وجبال بني يعلا الجيولوجي الفرنسي "لويس جونتيل' فتقرر السوداء أن تعلن عن وجودها ،وتكشف بعض أسرارها التي أخفتها عن شباب louis gentil المحيط القبلي. تذكر الرواية أن الجيولوجي لم يبذل جهدا بحثيا ؛إذ اكتفى باقتفاء أرنب أسود صادفه؛ لأن سواده غير الطبيعي، يشي بأن وراء العتبة السفلى ما وراءها.
وما أن حلت سنة 1927 حتى تعرت الفاتنة تماما أمام مهندسين بلجيكيين ،مبرزة كل مفاتنها .
فَتنت غَجريةُ الزنج هذه كلَّ الناس: سرح الرعاة كل قطعانهم ،وتاهت الجمال إذ غدت بدون فدان.
أقبل المزارعون من كل المحيط القبلي، منبهرين بميلاد مدينة جديدة ؛حياة جديدة تطعم خبزا أسود.
تنادى الناس ،وصولا إلى أقاصي سوس والأطلس،أن أقبلوا ،فرنسا تبني للفاتنة السوداء مدينة جديدة ،وتبحث عن ساكنة.
مع توالي الفتنة نسوا كل أهازيجهم ،وهاموا بعروس الزنج، التي فتحت ذراعيها لكل المهندسين،والتقنيين الشقر، القادمين من بلجيكا و فرنسا ؛في ما يشبه تهريب"جيرمنال" الى سهوب الحلفاء بعد أن فضحهم " إميل زولا".
وحينما تأكد الشباب – اذ هزلت أجسادهم ،واكتحلت عيونهم وأعوزهم الهواء- بأنهم تسرعوا ,إذ فرطوا في خضرة البراري ،خبز الشعير، وديان العسل ، وحليب الشاء والماعز؛كان كل شيء قد ضاع ؛ولم يعد ممكنا الرجوع الى الوراء.
ابْكِ أيتها الجبال والسهول خيرة شبابك ؛فهم الآن مرغمون على مواصلة الإنتاج،وتعويض الأموات من العمال ،ليستمر تدفق "الأنتراسيت"(من أجود أنواع الفحم) الى مصانع فرنسا.
مواكب يسوقها أعوان السلطة الاستعمارية ,ويلقون بها في غيابات الجب الأسود لتموت ببطء؛إن لم تمت مهشمة الرأس تحت أنقاض جرف أسود هار. كم يذكر كل هذا بمزارع القطن الأميركية ،وهي تلتهم العضلات الزنجية الإفريقية ،في ملحمة سوداء لن تنساها الإنسانية أبدا.
خيول "إميل زولا" كانت - وهي تتدلى صوب العمق السحيق-تصهل صهيلا حادا ومروعا ،وكأنها تودع الشمس،والى الأبد.هكذا يوثق هذا الروائي الفذ جرائم الوحش الأوروبي الصناعي. لا يخرج الحصان حيا أبدا.
هكذا تحولت الفاتنة الى وحش يقضم ،بانتشاء,أرواح شباب لم يدر بخلدهم أبدا أنهم سيدفنون ،أحياء في عز شبابهم.
مات المنجم ولم تمت ثقافته:
هنا مربط الفرس،لأن الذين قرروا،في فبراير1998إغلاق المنجم –مهما تكن الأسباب-لم ينتبهوا الى أن جرادة أكثر من آبار تغلق،ومعمار حديدي،وسكك، تترك لصروف الصدأ.
ثقافة كاملة تشكلت ،على مدى عشرات السنين؛وهي ثقافة نموذجية متميزة لم تقاربها ،بعد،الدراسات المتخصصة.
متميزة اعتبارا لجمعها بين متناقضات عديدة ،لا يتصور معها إنتاج مدينة/مدنية ،ومن هنا اعتبارها مدينة مستحيلة:
التقاء الغرب الاستعماري الصناعي مع الشرق المتخلف/تصادم العمل ألفلاحي الرعوي مع العمل الصناعي المعدني/تمازج بين تقاليد العيش البدوي ونموذج الحياة الأوروبية.
وعلى المستوى الوطني حدوث انصهار بين المكونات الغالبة: السوسية,التازية والأطلسية ،الوافدة، والمكونات القبلية المحلية؛العربية والأمازيغية.
أنا متيقن أن دواعي قتل المنجم - وليس منها نفاذ الفحم ،لأنه لا يزال موجودا ولا يزال يقتل-لم تقارب مناجم الثقافة الجرادية؛ولو فعلت لاقتنعت بضرورة المحافظة عليها ،وعدم اجتثاث العروق التي تتغذى منها.
عقب إغلاق المنجم اهتز الوجدان الجرادي اهتزازا عميقا ،أخطر مما حصل حينما اكتسحت آلات الحفر الأولى فدان الجمل ،لتتفرق الجمال والقطعان شذر مذر ،ويموت-تدريجيا- المورد الاقتصادي الفلاحي الرعوي للساكنة.
غادر أغلب الوافدين، متخلين عن تراث ثقافي كامل، أنتجه التشارك والانصهار. بقيت في عين المكان ساكنة عرجاء وجدانيا ،مهيضة الجناح ؛ تنتظر التنمية الموعودة ،و ظهور حسناء أخرى،لكنها خضراء ،قيل إنها ستخرج من سهوب الحلفاء،وستفيض جناتها ذات اليمين وذات الشمال.
واستعاد الوحش المرعب الحياة:
لما أعيى الشباب الانتظار ,ولم يفكر أحد في "فورمتاج" ايجابي ،ينقلهم من ثقافة الفحم الى ثقافة أنظف تعطي لوجودهم معنى ،وان كانوا يعيشون في أطلال الماضي،رغما عنهم.
ولما مل الملل في نفوسهم ،حملوا عتاد أبائهم وأجدادهم ،وانخرطوا في البرهنة للدولة على أن الفحم لا يزال موجودا.
هكذا تولد جرادة أخرى فوق ما تبقى من فدان الجمل ؛جرادة شمطاء مرعبة وقاتلة.
تعود جرادة سيرتها الأولى، لكن بوسائل بدائية جدا ؛لأن الذي لا يتقدم يتقهقر حتما.
لعلها ،وبدون مبالغة،الحالة الوحيدة في العالم ،حيث تتخلى الدولة عن مسار إنتاج معدني عصري لتفسح المجال لفوضى إنتاجية بدائية تشتغل كيفما اتفق.
"ساندريات" الموت ،والوجوه الكالحة السوداء- شيبا وشبابا- التي أخرجتها مجلة هسبريس من الظلمة إلى النور ؛وحالات الوفاة المتكررة ،لانعدام السلامة كلية؛ تجعل من المستعجل البحث عن حل لمعضلة جرادة التي أخطأ في حقها كل من ساهم ،بكيفية مباشرة وغير مباشرة، في شل الحياة فيها؛بما فيها الحياة الثقافية التي لا تقدر بثمن.
حينما تتوفر الإرادة التي تجعل ثقافة المنجم تنزاح أمام ثقافة تنموية أخرى، ستنحل تلقائيا معضلة جرادة الاجتماعية.
هي قابلة لتعود فدانا للجمل، كما كانت؛أو للطاقة النظيفة؛أو حتى قاطرة لتنمية فلاحية عملاقة بمنطقة الظهراء الشاسعة. في كل خير الا العودة بشبابها الى أغوار الموت .
[email protected]
Ramdane3.ahlablog.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.